بعد أن تركت النزاع القائم مع شرطي المرور ومفتول العضلات ولم أعرف ماذا حصل ركبت السيارة المتوجهة إلى (العلاوي)جلستُ إلى جنب رجل طاعن في السن، يرتدي ثياب رثة وممزقة، وجهه ممتلئ بتجاعيد تدل على أن الدهر قد أخذ منه مأخذاً، يحمل بيديه المتسخة كيس فيه عبوات فارغة من المشروبات الغازية والماء، كان نائم ثم اتكأ على كتفي بعد أن كان متكأ على كرسي السيارة، وذلك السائق كثير التذمر لأنه لم يرى شيئاً أمامه غير الضباب والدخان المتطاير والإمطار الغزيرة، وكان يردد بكلماتنا العامية قائلاً: أهو !! هسه إحنه شلون بهل الوضع التعبان بس تمطر شويه بعد منكدر لا نمشي على رجلينه ولا السيارة تمشينه !!
وذلك الرجال الذي كان جالس أمامه يقول: والله يا أخي هاي مو وضعية إحنه كل سنة هيجي!!
ثم الرجل الأخر يكمل كلام من سبقه: كل سنة تطلع الحكومة تكول راح نبلط الشوارع بس من يجي الشتاء كل شيء ميصير!!
أكمل السائق كلامه مردداً: هذا الضباب شلون واحد يكدر يمشي وهو مركب ناس وبركبته 14 نفر غير يحطون إشارات ضوئية !
ثم دار نقاش عميق حول أسعار الذهب والخضروات
فالرجل الأول: يكلك اليوم أسعار الذهب معلكة
والرجل الثاني:أدري هو منو الي يشتري ذهب هي وينها الرواتب
أما الرجل الثالث فكان يقول: هسه عوفنه من الذهب أسعار الخضروات ليش يوميه تصعد هسه آني اجيت من السوك يااخي ظلم الطماطة سعرها بثلاث ألاف دينار للكيلو الواحد.
وتلك المرأة التي تحتضن طفلها وتحاول إسكات صوته الذي أزعج الركاب ببكائه دون أن تعرف ماذا يريد!
وذلك الطالب الذي تغطت ملابسة بالوحل وماء المطر محتضن كتبه المبللة وبيده كتاب يقرأ به
وذلك الشاب صاحب الشعر الطويل المجعد الذي يحمل العود ويتحدث بالهاتف: أي عراقي عاقل ما راح يتحمل البيئة إحنه عايشين بيها ، فلا بد من أن يفكر بالهجرة إلى أي دولة أو يبقى بالضياع لأنه إذا يطلع من بيته لو يرجع لو ميرجع! عبالك عايشين بغابة مو بلد وفيه قانون!
إما الأنباء المتوترة في البلد فكان لها النصيب الأكبر من الحديث وقد فرضت نفسها على سلوك جميع الركاب في النقاشات بعض الموجودين لا يتجرؤون أن يرفعوا صوتهم ويتهامسون بهدوء عما يحدث والبعض الأخر يتساءلون والبعض يجيب عن الأسئلة بثقة عالية كأنه العارف بحقيقة ما يحصل في البلد …. وبقينا على هذا الحال إلى أن نزلنا من السيارة…. وللحديث بقية