من حروب النفط إلى محرقة غزة – لماذا العرب في مرمى الهيمنة ؟

من حروب النفط إلى محرقة غزة – لماذا العرب في مرمى الهيمنة ؟

منذ ستينيات القرن الماضي والعالم يتغير بوتيرة متسارعة، التغيرات لم تقتصر على التكنولوجيا والاقتصاد، بل مسّت المفاهيم والمقاييس التي تنظّم حياة البشر. بين عامي 1960 و2025 انتقل العالم من انفتاحٍ ثقافي نسبي إلى تمترس ديني متشدد في بعض الدول، ومن طموحات التحرر القومي إلى غرقٍ في فردانية قصوى تحت شعارات الحرية الجنسية والمثلية في أخرى. أما الاقتصاد العالمي، الذي بُني على أسس التجارة الحرة، فقد تحوّل إلى ساحة صراع عنوانها حرب تجارية متواصلة قادتها الولايات المتحدة منذ حرب النفط 1973، مرورًا بسنوات 1980 و1990، وصولًا إلى “الحرب على الإرهاب” بعد شبهات أحداث 11 سبتمبر 2001 التي وُظفت لتبرير استهداف الإسلام والمسلمين في العالم. تلا ذلك غزو العراق عام 2003، وصولًا إلى مأساة غزة، حيث تتكشف بوضوح خيوط المخططات العميقة التي تديرها دولة المال وشركات السلاح العالمية.

 

الاقتصاد كسلاح حرب

المنطقة العربية لم تكن يومًا بعيدة عن هذه الدوامة، فهي محور الطاقة العالمي ومخزن الثروات الاستراتيجية. عام 1973 مثّل نقطة تحول حين استخدم العرب سلاح النفط ضد الغرب، فكان الرد الأميركي والغربي واضحًا: لن يُترك القرار العربي مستقلًا. ومنذ ذلك الوقت أصبحت أدوات الهيمنة الاقتصادية—من صندوق النقد الدولي إلى سياسات الخصخصة—مفروضة على الدول العربية، لتبقى رهينة الديون والأسواق العالمية.

لم يكن الهدف مجرد السيطرة على النفط والغاز، بل أيضًا إبقاء المنطقة في وضع هش يجعلها سوقًا دائمًا للسلاح والسلع الغربية. فكل حرب في المنطقة كانت ولا تزال فرصة ذهبية لشركات السلاح الأميركية والأوروبية التي تضاعفت أرباحها كلما اشتعلت جبهة.

 

صناعة الخوف وتبرير الغزو

أحداث 11 سبتمبر 2001 شكّلت لحظة فاصلة. فالشبهات التي أحاطت بسقوط أبراج نيويورك لم تمنع استغلالها سياسيًا، بل على العكس، فتحت الباب أمام حملة منظمة لتشويه صورة العرب والمسلمين المقيمين في الغرب. صارت الهوية الدينية مرادفًا للإرهاب في الإعلام والسياسة الغربية، وتحوّلت “الحرب على الإرهاب” إلى مظلة قانونية وأخلاقية لغزو دول بأكملها.

هكذا جاء غزو العراق 2003، حيث اجتمع المال بالنفط بالسلاح: شركات النفط حصلت على عقود بمليارات، شركات الإعمار بنت على أنقاض المدن، وشركات السلاح ملأت الأسواق بمعداتها، بينما تكفلت الدولة العميقة بإعادة رسم الخريطة السياسية بما يضمن استمرار الهيمنة.

 

غزة: المحطة الأشد وضوحًا

اليوم، تقف غزة كمرآة تكشف الوجه العاري لهذه المنظومة. فما يجري ليس مجرد حرب إسرائيلية على الفلسطينيين، بل هو فصل جديد في مشروع السيطرة. هنا يلتقي رأس المال العالمي مع صناعة السلاح: القنابل الذكية والطائرات بلا طيار ليست إلا إعلانات حية في سوق الأسلحة الدولية، تُجرّب على أجساد المدنيين الفلسطينيين قبل أن تُباع لدول أخرى. وفي الوقت نفسه، يُستخدم الدم الفلسطيني لإبقاء المنطقة في دوامة صراع دائم، تُصرف من خلاله انتباه الشعوب العربية عن التنمية الحقيقية وعن مواجهة جذور التبعية الاقتصادية والسياسية.

 

بين المطرقة والسندان

المنطقة العربية اليوم رهينة بين مطرقة دولة المال العالمية وسندان شركات السلاح العابرة للقارات. فكل تحوّل دولي أو أزمة اقتصادية أو مواجهة عسكرية يجد صداه المباشر في العواصم العربية. لم تعد الحروب مجرد معارك بين جيوش، بل باتت أدوات لإدارة الأسواق وصناعة النفوذ.

ومع ذلك، يبقى العنصر الحاسم هو الشعوب ذاتها. فمهما حاولت القوى العظمى تكريس صورة العرب كأمة عاجزة، أثبتت غزة وغيرها أن إرادة المقاومة قادرة على إرباك الحسابات الكبرى. وهنا يكمن التحدي: هل تستطيع المنطقة أن تفلت من قبضة المال والسلاح وتبني مشروعها المستقل؟ أم ستبقى وقودًا لدول الهيمنة ومختبرًا لصناعاتها؟

الخلاصة

من 1960 إلى 2025، لم تكن التحولات العالمية مجرد صدف تاريخية، بل حلقات متصلة في مشروع الهيمنة الذي تديره الدولة العميقة العالمية، دولة المال والسلاح. والمنطقة العربية، بثرواتها وموقعها ومقدساتها، كانت وما تزال قلب هذا المشروع. لكن إذا كان الماضي سلسلة من الاستهدافات، فإن المستقبل يظل مفتوحًا على احتمال آخر: أن تتحول المنطقة من ساحة نفوذ إلى لاعب مستقل، شرط أن تعي شعوبها وفي مقدمتهم العراق الحبيب حيث كان اكبر المستهدفين لأن معركتهم الحقيقية ليست فقط مع الخارج بل أيضًا مع البُنى الداخلية التي كرّست التبعية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات