17 نوفمبر، 2024 4:41 م
Search
Close this search box.

من جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة وايران؟

من جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة وايران؟

قال الشاعر:
أمور تضحك السفهاء منها … ويخشى من عواقبها اللبيب
(حلية البشر في تاريخ القرن الثالث).
لا يهتم الولي الفقيه بالدين والمذهب والقومية فيما يتعلق بتحقيق مشروعه التوسعي وتحويل حلمه في إستعادة الامبراطورية الساسانية الى واقع ملموس، فكل من ينفذ مشروعه التوسعي يدعمه بالمال والسلاح والتدريب، وهو مستعد أن يضحي بأية قوة تهدد مصالحه العليا، ويقدمها لقمة سائغة لأعدائه. فالرئيس اللبناني ميشال عون مثلا ماروني ومع هذا فقد دعمه، والحوثي زيدي ويخالف المذهب الإثنى عشري بل ان الأخير يكفره، ومع هذا ما يزال يدعمه، والقوى السنية في العراق رغم الخلاف المذهبي لكن مع هذا دعمها بقوة وضمها الى التحالف الشيعي الذي يدعمه، أي (تحالف البناء). وفي ضوء التطورات المتلاحقة على الساحة العراقية بعد الهجوم الذي قام به حزب الله العراقي على معسكر (كي وان) في كركوك، لابد من تحليل الأحداث بتأني وعمق قبل الحكم لتحديد الطرف الذي بدأ بالهجوم ووصلت إمتداداته الى الحوادث الأخيرة.
ـ ان حزب الله العراقي هو الذي تحرش عدة مرات بالقوات الامريكية في العراق وحلفائها في الخليج في المنطقة كالعدوان الإرهابي على منشئات ارامكو في السعودية وغيرها، وكان لا بد لدولة عظمى كالولايات المتحدة ان ترد عليه، والا سقطت في نظر جمهورها على أقل تقدير علاوة على العالم الخارجي، سيما من يتربص بها مثل روسيا وكوريا الشمالية والصين وتركيا.
ـ تصور حزب الله نفسه ماردا لا يجرأ أحد على مواجهته، وأوهام القوة غالبا ما توصل البلد الى هاوية، فقد قام الحزب بالتعرض لعدة مرات على القواعد الامريكية، وكان على الولايات المتحدة ان تعيد له حجمه الطبيعي.
ـ ان الصواريخ التي استخدمها حزب الله ايرانية الصنع، أي من نفس المصدر الذي زود الحشد الشعبي بقنابل الغاز التي ضرب بها الثوار، ولا يمكن لحزب الله ان يقدم على هذه الخطوة الا بموافقة الولي الفقيه، الذي وصف الثوار بالمشاغبين والرعاع، بمعنى ان الحزب العميل يخدم الأجندة الايرانية في هجوماته على القوات الامريكية. ويجر العراق الى ما لاقدرة له على تحملها من نتائج كارثية. ان الحزب الوطني يحمي شعبه ولا يدفع به الى هاوية الحرب من أجل دولة أخرى لأسباب عقائدية. العراق ملك جميع العراقيين، ولا يجوز لطرف ما ان ينفرد بسياسته الداخلية والخارجية.
ـ تبرأ نظام الملالي على الفور من مسؤوليته عن هذه المعركة، مؤكدا بأنه غير مسؤول عن اي هجومات تجري في بلدة أخرى، فجعل العراق في مواجهة الولايات المتحدة، وسبق ان حذرنا بأن الملالي سرعان ما يتبرأوا عن اعوانهم عندما تتهدد مصالحهم، كما حصل في تصريحهم بان الحشد الشعبي هو الذي قصف منشئات النفط السعودية. ولكن العمى والبلادة والإستحمار طغى على حزب الله.
ـ لم يستنكر الهجوم الامريكي على معسكرات حزب الله الا حزب الله اللبناني وميليشيات الحشد الشعبي الولائية. وبيان فقير من قبل مرجعية النجف التي تناست صمتها المريب عن الإعتداءات التي قامت بها ميليشيات الحشد الشعبي طوال السنوات الماضية ضد القوات الأمريكية واستحضرت هذا الهجوم فقط، وتجاهلت اكثر من عشر هجومات قامت بها ميليشيات الحشد الشعبي ضد القوات الأمريكية منذ اندلاع الثورة العراقية الكبرى في تشرين أول.
ـ من يتشدق بسيادة العراق كمرجعية النجف وبعض النواب والمسؤولين، نقول له اي سيادة هذه وميليشيات مسلحة تقوم بإعتدات على قوات امريكية دون علم قائدها المزعوم (القائد العام للقوات المسلحة). ان الدول ذات السيادة تتعارض مع وجود الدولة العميقة. العراق بلا سيادة، انه ولاية تابعة لنظام الملالي، والحكومة والبرلمان والقضاء تحت امرة ولاية الفقيه وذيولها، وهذه حقيقة من ينكرها جاهل او مستحمر او عميل لإيران. في دولة يقتل فيها اكثر من (600) متظاهر ويعوق (3000) متظاهر ويجرح (25000) متظاهر دون تقديم قاتل واحد للقضاء من العيب جدا الحديث عن السيادة، ومن الأجدى ان ندس نعالا بفم من يتحدث عن سيادة العراق او نظامه الديمقراطي.
ـ ان حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق وبقية الميليشيات الولائية تتحمل دماء الثوار من جهة والقتلى العراقيين جراء الغارات على القواعد الأمريكية من جهة أخرى، وليس القوات الامريكية لأن ميليشيا حزب الله هي التي بدأت الهجومات، وكان عليها ان تتوقع الرد القاسي بعد ان نفذ صبر الأمريكان من هجوماتها.
ـ أبلغ الامريكان القائد العام للقوات المسلحة المخلوع عادل عبد المهدي عدة مرات بأن عليه ان يحمي القوات الأجنبية في العراق التي جاءت لتدريب الجيش العراقي والحرب على الدواعش، سيما ان اتفاقية الإطار الستراتيجي حددت هذه المهمة بوضوح، لكن القائد العام فشل في ترويض الميليشيات الولائية التي لا تأتمر بأوامره، كما صرح زعمائها مثل هادي العامري وقيس الخزعلي والمقبور ابو مهدي المهندس وواثق البطاط وغيرهم. بل اعطاها هو وسلفه حيدر العبادي الغطاء السياسي والقانوني للعمل بمسرحية دمجها بالقوات المسلحة العراقية.
ـ أبلغت الإدارة الأمريكية القائد العام للقوات المسلحة بأنها سترد على الجهة التي استهدفت قاعدته في (كي وان) قبل وقت مناسب، لكن يبدو ان القائد المخلوع تصور أن الأمر لا يتعدى التهديد، ولا ينفذ الأمريكان المهمة كما جرى في الحالات السابقة، دون ان يعي المستحمر بأن هجوم حزب الله الأخير تمخض عنه قتيل وعدد من الجرحى الأمريكان، وليس خسائر في المعدات فحسب، سيما ان الهجوم تزامن مع أعياد الميلاد، ان وقع انباء عن قتلى وجرحى امريكان في العراق سيهز وجدان الشعب الامريكي، وسيطالب بالرد.
ـ على الشعب العراقي والبرلمان التفكير: لماذا تحتفط ايران بمستودعات ذخيرة وصواريخ بالستية في العراق، سيما في القاعدة الايرانية (جرف الصخر)، وديالى وصلاح الدين وغرب العراق؟ اليس هذا الأمر يتعارض مع السيادة الوطنية؟ اليس هذا يعني ان العراق اصطف مع نظام الملالي ضد الولايات المتحدة؟ الا يعني هذا ان العراق هو الذي جعل من أرضه ساحة لتصفيات الحسابات الأمريكية الايرانية؟ اليس وجود هذه الصواريخ الايرانية في مستودعات عراقية يشكل تهديدا للأمن القومي العراقي؟ اليس وجودها في مناطق سكنية يهدد حياة المدنيين كما حصل في تفجيرات مدينة الصدر؟
ـ قصفت القوات الامريكية ثلاثة قواعد لحزب الله في العراق وموقعين له في سوريا. لماذا لا يسأل العراقي نفسه ما سبب وجود معسكرات لحزب الله العراقي في سوريا، اليسوا هؤلاء مرتزقة؟ وهل يحتاج النظام السوري المجرم الى مرتزقة العراق، وقد أرسل الى ليبيا (1600) مرتزقا سوريا؟
ـ بدلا من ان يتعظ حزب الله العراقي من الدرس الأمريكي الأخير، ويأخذ العبرة بانه ميليشيا طفيلية لا يمكن أن تقف أمام القوى العظمى، ما زال يتشدق بقوته الفارغة ليجر العراق الى ساحة حرب بين الولايات المتحدة وايران، المقبور ابو مهدي المهندس سبق أن هدد ” ان الرد على القوات الامريكية في العراق سيكون قاسيا جدا، وان المعركة مع امريكا مفتوحة على كل الإحتمالات، ولا خيار سوى المواجهة” ودفع المهندس ثمن حماقاته مع رفيق عمره وسيده سليماني. من جهته صرح وزير الدفاع الامريكي (مارك أسبر) بالقول: سنتخذ مزيدا من الإجراءات إذا لزم الأمر من أجل الدفاع عن النفس، وردع الميليشيات وايران”، بمعنى أن الحرب بالنيابة قد بدأت، وسيدفع العراق ثمنها بدلا من ايران.
ـ ما يجب أن يؤخذ بنظر الإعتبار ان صواريخ حزب الله على القواعد الأمريكية نجم عنها خسائر في ارواح جنود عراقيين، لأنهم يعملون مع القوات الأمريكية أو يتدربوا من قبلها، وهذا يعني ان حزب الله يتحمل دماء الجنود العراقيين القتلى. الصواريخ لا تميز بين الامريكي والعراقي يا عملاء، الا يكفيكم قتل الثوار العراقيين لتقتلوا الجنود العراقيين؟
ـ تركت الولايات المتحدة مهمة التحقيق عمن استهدف قواتها الى الجهات الأمنية العراقية، ويبدو ان هذه الجهات سوفت الموضوع كالعادة، وهذا ما حدا ببعض النواب والمحللين الستراتيجيين الأمريكان بالسخرية من نتائج التحقيقات العراقية، وقالوا انهم سينسبونها كالعادة الى الدواعش او جهات مجهولة، اي (طرف ثالث)، دون تسمية هذا الطرف، ويبدو ان الأمريكان توصلوا من خلال تقنياتهم الإستخبارية الى أن حزب الله العراقي هو الذي استهدفهم، سيما انهم يسيطرون على الأجواء العراقية بالكامل.
ـ توقع حزب الله ان الرد الأمريكي سوف لا يتجاوز العقوبات على قيادات في الحزب، وربما يقتصر على عقوبات اقتصادية مثل تجميد الأموال او مصادرتها كما جرى في العمليات السابقة التي قام بها حزب الله، سيما ان العراق يمر بمرحلة صعبة بسبب الثورة العراقية. صحيح ان الولايات المتحدة قد تتغاضى عن الخسائر في المعدات كما فعلت عندما استهدف الحرس الثوري الإيراني إحدى طائراتها التجسسية المسيرة، لكن الظروف أختلفت، وان الخسائر البشرية أكبر من ان تتغاضى عنها الإدارة الأمريكية، انه جهل وغباء سياسي من قيادة حزب الله وزعيمهم المقبور.
الآن يمكنك ايها القاريء الفاضل الحكم على الطرف الذي جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الأمريكية الايرانية. قال تعالى في سورة النحل/118 (( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يَظلمون)). الدم العراقي ليس واحد كما يزعم البعض، دماء الثوار ليست كدماء عناصر الميليشيات التي تستهدفهم، وليست كدماء المرتزقة العراقيين الذين يقاتلون في سوريا. الدماء الزكية هي الدماء الوطنية فقط، وليست دماء العملاء الذين يوجههم الخامنئي.

أحدث المقالات