في 6 آذار من العام الحالي كتبت في هذا الموقع مقالة بعنوان ( هل تشهد بغداد حصارا اقتصاديا قريب ؟ ) وتوقعت فيها بعض الأمور التي حصل منها البعض في الأمس القريب , كما توجهت برجاء عراقي لمن يعنيهم الأمر لحسم الأمور بالطرق التي تمنع انتشار الأعمال المسلحة لكي لاتصل لدرجة من الصعوبة في إمكانية السيطرة عليها وقد ذهبت المقالة في حينها وبقي الحال يتطور يوما بعد يوم , ومما ذكرني بها هي التطورات السريعة التي ترافق ما حصل للموصل وتكريت , فالجماعات التي قامت بالتعرض لتلك المدن قد هددت بدخول بغداد في غضون أيام , وسواء مر عدد تلك الأيام أو لم تمر بعد فقد تم استيعاب الكبوة وأدراك الخطر القادم وهو ما دعا المرجعية الدينية في النجف الاشرف إلى إعلان الجهاد الكفائي الذي تسابقت إليه الآلاف كما بادرت كتل وأحزاب إلى استنفار طاقاتها لمواجهة أي صدام قادم داخل بغداد أو في أسوارها أو في مدن العراق الأخرى ومن دواعي الفخر أن يكون الحشد من النسيج العراقي دون اقتصاره على فئة واحدة فحسب , ورغم إن الموقف الأمريكي لم يكون ايجابيا إلا انه أوصل رسالة إلى من يعنيهم أمر الهجوم على بغداد بان الحال من الممكن أن يتغير عندما ابقوا الخيارات مفتوحة إذا وصل الموقف إلى درجة من التعقيد , وكعربون صداقة فقد باشر البنتاغون بإرسال حاملة طائرات لتكون على مقربة من العراق كما باشر بإرسال 275 جنديا لحماية السفارة الأمريكية في بغداد , وأشار وزير الخارجية جون كيري إلى إمكانية استخدام طائرات بدون طيار لمعالجة بعض الأهداف الداعشية والى إمكانية تنسيق الموقف مع طهران لدرأ الخطر عن العراق , ولم تنقطع الأصوات المعبرة عن رفض الإرهاب في العراق من أماكن مختلفة في العالم رغم إنها امتزجت بالدعوات والنصائح إلى تصحيح مسارات العملية السياسية وحل المشاكل الداخلية حيث وصفوا أن الأصل في هذه الوضعية هي ضعف الانسجام بين المكونات السياسية ,وفي الوقت نفسه أعلنت طهران صراحة وقوفها إلى جانب العراق واستعدادها للتدخل العسكري على أن يكون ذلك بطلب رسمي من الحكومة , ورغم إن تركيا لن تعلن موقفها المساند إلى أية جهة إلا إنها بانتظار ما سيؤول إليه مصير المحتجزين الأتراك في الموصل سواء من العاملين في القنصلية أو من سواق الحوضيات التي تنقل الكازاويل إلى العراق , وخلاصة القول إن الوصول إلى بغداد لم يعد سهلا على من أعلنوا النية في دخولها في غضون أيام وان حصل ذلك ( لاسامح الله ) فان معارك ضارية وحامية الوطيس ستحصل في كل شبر من بغداد لان الأمر لا يشابه الدخول الأمريكي سنة 2003 على الإطلاق , ولصعوبة تحقق تلك الأهداف فان العدو ربما يبحث عن أهداف أخرى لتعطيل الحياة في عموم العراق وعندما يستحال العمل العسكري أو يستصعب فأنهم قد يفكرون في الحرب الاقتصادية فشريان الحياة الأساسي في العراق هو النفط وإذا تمكنوا من عرقلة وصول النفط إلى الموانئ الجنوبية فأنهم سيعتقدون بأنهم سيحققون نصرا من وجهة نظرهم اخذين بنظر الاعتبار توقف الصادرات الشمالية سيما في الظروف الأمنية الحالية التي ستجعله معطلا بالكامل لأمد غير معروف , وقد يفكر هؤلاء السعي لإنشاء وضعا مضطربا في المناطق التي تقع فيها حقول النفط مما قد يضطر دول الشركات الأجنبية العاملة في هذه الحقول إلى إجلاء رعاياها وبذلك يتوقف الإنتاج , وإذا ما تم استهداف الموانئ فسيؤدي ذلك إلى توقف الصادرات , وفي الحالتين فان إيرادات الموازنة ستتوقف مما ينشأ صعوبات اقتصادية للسكان في وقت ينتشر فيه تجار الحروب الذين يرفعون الأسعار على طبول الحروب ومنهم من استغل الظروف الأخيرة واقتراب شهر الفضيلة , فرفع الأسعار وربما لا بهدف تحقيق الأرباح غير المشروعة فحسب بل لنشر الفوضى والرعب لدى السكان وهو لا يقل فعلا وأثرا عن تأثير الإرهاب , ولغرض تفويت الفرصة على من يستهدف العراق والعراقيين فانه من الواجب أن تكون هناك جبهتين , جبهة عسكرية لاستعادة ما تمت السيطرة عليه وحفظ كامل السيادة العراقية وجبهة اقتصادية للمحافظة على كل ما يتعلق بمعيشة الناس وموارد الدولة , فالعدو أي كان اسمه ولونه والجهة التي تدفعه باتجاه الإضرار بالعراق قد يستخدم أساليب متلونة وغير منظورة أو معلنة لتحقيق ما يرمون إليه , فقد تكون شعارات دخول بغداد هي مناورة لإشغال القيادات عن مناطق أخرى تحمل أهداف إستراتيجية سواء كانت موارد اقتصادية أو غيرها , فالمعركة خدعة وقد ثبت بالملموس بان هناك داعمين وحاضنات لهؤلاء لم يتم الكشف عنها جميعا ولا نستبعد امتلاكهم خبرات وأدوات وقدرات للمناورة والتكتيك , وخلاصة القول إن التركيز على الأهداف العسكرية لقطعاتنا المسلحة والحشد الجماهيري يجب أن لا يغفل الأهداف الأخرى بحيث تترك أهداف رخوة للأعداء , وهذه ليست دعوة لتشتيت الجهد والإمكانيات البشرية والمادية والمعنوية كما إن الغرض منها ليس لتعقيد الحالة التي يمر بها بلدنا , وإنما لغرض التحسب لكل الاحتمالات فإتحاد عدة تنظيمات في أحداث الموصل وتكريت يبرز بان القضية اعقد مما يستسهله البعض ويجب التصدي المسبق له , ونتمنى أن يستمر الحشد الحالي وان يستثمر بشكله المخطط والصحيح بما يمنع أية كبوة وبما يضمن بان تعاد الأمور إلى سياقها الصحيح فالجميع مهيئون لكي نمضي قدما لسحق كل ما يسيء للعراق , كما نبتهل للباري عز وجل بان يتوحد الجميع في مسمى واحد اسمه العراق وان نتناسى الخلافات ونترفع عن المغريات لاسيما وان البلد على أعتاب عملية سياسية جديدة يتطلع الجميع أن يكتب لها النجاح , كما نتمنى أن لا نعود فنكتب مرة أخرى ونقول لقد اشرنا مرة إلى هذا الموضوع ولم يتم الالتفات عليه .