عقود واعوام مابرحت ظلالها وتداعيات الاستلاب والقمع التي عاش فيها المجتمع والانسان نتيجة السياسات من شتى اشكال الحكم في العراق تشكل اسبابا لواقع متخلف في مختلف جوانب الحياة.
وهذا الاستلاب الذي صنعته الاحزاب والسلطات التي توالت على حكم البلد , سيما بعد الاستقلال في عقد الخمسينات ولغاية تاريخ جد قريب , هو نتيجة الاستئثار بالحكم وعدم تقبل الاخر والقفز فوق الثوابت الوطنية بالاتكاء على الطائفية والعشائرية والفئوية والمناطقية , فضلا عن الفساد والحروب والصراعات بكل انواعها واشكالها سواء الداخلية منها او الاقليمية . كلها عوامل رئيسة لاختلال واضطراب المجتمع والفرد الذي مازال لايملك الحاضر وفقد موجبات العمل لصناعة المستقبل , وظل يعيش مع الماضي وحرث احداث ووقائع لها ظروفها الموضوعية والذاتية في ذلك الزمن الذي لا يتوجب منه اعادتها في كل حين وانما الافادة منها في الوقت الراهن كي لايقع المجتمع في اخطائها ثانية .
تلك الاخطاء التي حصل معظمها جراء تفشي ثقافة الاستلاب والتغييب والقمع والازاحة للاخر وعدم المشاركة في صنع القرار , بل التأييد فقط لقرارات اتخذتها الحكومات دفعاً للشر والخلاص من الاتهام الذي غالباً مايكون جاهراً من السلطة بحق الرافضين لقراراتها . لذلك ظل المواطن مسلوب الادارة والمشاركة , حتى في ظل الشعارات والقوانين التي تدعي فيها الحكومات الديمقراطية والحرية والشفافية وحقوق الانسان والانتخابات والنقابات والمنظمات والاتحادات والجمعيات التي تشكل مهمازاً للمجتمع المدني , غير انها غدت بمرور السنوات ادوات للسلطة والحزب الحاكم مما افقدها موجبات تشكيلها وحضورها , بل اضحت عوامل ساندة وداعمة للسلطة وقريبة من الحاكم بعيدة عن الشعب الذي استمر مترنحاً تحت مظلة التخلف والجهل والامراض , دون وعي بتداعيات واثر تلك السياسات المؤلمة والفاقدة لبرامج وتدابير وخطط النهوض بالدولة والمجتمع .
والحراك الشاخص في المجتمع الآن جراء ضعف الخدمات انما تجسد بفعل نشر ثقافة حرية التعبير في التظاهرات والحوارات في وسائل الاتصال والتعبير عن الرأي في المدونات وحضور المواطن الصحفي ليشكل ظاهرة في المجتمع العراقي اذ اضحى مصدراً مهماً لوسائل الاعلام ــ المقروء , المسموعة والمرئية ــ فضلاً عن المساجد ومنظمات المجتمع المدني بعيداً عن تأثيرات الاحزاب السياسية المشاركة في الدولة والحكومة .
ان هذا الحراك يعد خطوة لبناء وصياغة المستقبل الجديد القائم على الوطنية والعمل على دحر الافكار والتوجهات والسياسات التي اتسمت بالطائفية والعشائرية والقومية التي تتكئ عليها الاحزاب القابضة على السلطة .
ان الدعوة الى الاصلاح والمساءلة هو بسبب الوعي الجماهيري من جهة وعجز النخب السياسية في ادارة البلد في النواحي السياسية والاقتصادية والادارية من جهة اخرى .
والضرورة تفرض المشاركة الجمعية في عملية الاصلاح الواجب تنفيذها دون التنكيل بالعملية السياسية وانما بدعم محطات العمل الايجابي والنهوض بها ونقد السلبي باتخاذ التدابير والخطط العلمية لمعالجته , والافادة من تجارب الشعوب وايمانها بالتغيير واحترام حق المواطنة والحرص على ان الخلاف ليس بدافع العداء وانما للارتقاء الذي يتطلب الحوار والجهد الاستثنائي والاحساس بمعاناة الناس وليس التسويف والاسترخاء بل الشروع بتطبيق القوانين واشاعة الحق والعدل الذي يعد (اساس الملك).
ان الحراك ايضاً مؤشراً على بدء مرحلة جديدة من ثقافة الحرية وحرية الرأي والتعبير التي تعد أساً للبناء الديمقراطي وشكل الحكم في العراق . اذ ان الشعب الذي كان متفرجاً ومشاهداً للمشهد السياسي أضحى اليوم يسهم بالقرار تحت ضغط نداءاته وتضحياته وتنبيه الدولة في اداء واجباتها , ونشر المساواة سيما في معدلات الدخل وتهيئة فرص العمل والنهوض بالوطن من خلال تطوير الصناعة والزراعة اللذان يشكلان عماداً للارتقاء بالمجتمع والدولة . وخلاف ذلك فأننا يجب ان نلغي المدارس والجامعات , ونشجع الشركات الاجنبية لتصدير النفط ونستلم الاموال , كي نأكل و…… ثم ننام فقط .