7 أبريل، 2024 5:27 م
Search
Close this search box.

من تعلم من من هتلر ام الامريكان العنصرية والقتل والدم والشيفونية ؟؟؟؟؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

من التمييز في المواطنة وفنون الدعاية إلى جرائم التطهير العرقي
“التاريخ يُعلِّم؛ لكن ليس له تلاميذ”، تتبادر إلى ذهني تلك العبارة من كتابات الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي، بينما أتصفح قسم التاريخ في متجر لبيع الكتب. وهناك قول مأثور متداول في قطاع النشر مفاده هو أنك لن تخسر مع الكتب التي تدور حول لينكولن وهتلر والكلاب، أو عن الغولف والنازيين والقطط في رواية أخرى. وفي ألمانيا، يُقال إن أغلفة المجلات مؤكدة النجاح هي تلك التي يظهر عليها هتلر أو أي شيء يتعلق بالجنس.

وأياً كانت الطريقة، فإن هتلر والنازية يساعدان في ازدهار صناعة النشر؛ حيث تصدر المئات من العناوين كل عام، يصل عددها الإجمالي إلى عشرات الآلاف. ولكن لماذا تتكدس هذه الكتب بهذه الأعداد غير القابلة للقراءة؟ وقد يبدو هذا سؤالاً شاذاً؛ لأن المحرقة أعظم جريمة في التاريخ. وهي جريمة لا يزال الناس في حاجة ماسة إلى فهمها، فضلاً عن أن انزلاق ألمانيا من ذروة الحضارة إلى أعماق الهمجية يُعَد صدمة أبدية.

والواقع أن الأمريكيين لديهم شهية لا تشبع بشكل خاص تجاه الكتب والأفلام والبرامج التليفزيونية والأفلام الوثائقية وألعاب الفيديو والكتب الهزلية ذات الطابع النازي. فقصص الحرب العالمية الثانية تأخذنا إلى ذكريات الأيام التي سبقت فيتنام وكمبوديا والعراق، عندما كانت الولايات المتحدة تمثل القوة العظمى صاحبة القلب الطيب، التي نهضت لإنقاذ أوروبا التي شلَّتها الشمولية وسياسة الاسترضاء والمهادنة.

إلا أن سنوات ما بعد الحرب شهدت ظهور واستمرار ظاهرة غريبة؛ حيث تم جلب العلماء الألمان إلى أمريكا وبدؤوا العمل لصالح أعدائهم السابقين. وقد فاقت تكنولوجيا الدمار الشامل الناتجة عن ذلك أحلك تخيلات هتلر. ومن بين الكتب الحديثة عن النازية، فإن الكتاب الذي قد يكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى القراء الأمريكيين هو كتاب جيمس كيو. ويتمان «نموذج هتلر الأمريكي.. الولايات المتحدة وقانون صناعة العرق النازي» (دار برينستون). وعلى الغلاف، يحيط بالصليب المعقوف المحتوم نجمتان حمراوان.

ويستكشف ويتمان بشكل منهجي كيف استمد النازيون الإلهام من العنصرية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. حيث يشير إلى أن هتلر في كتابه «كفاحي» يشيد بأمريكا باعتبارها الدولة الوحيدة التي أحرزت تقدماً نحو مفهوم عنصري كأساس للمواطنة من خلال “استبعاد أعراق معينة من التجنيس”. وكتب ويتمان أن مناقشة مثل هذه التأثيرات تكاد تكون من المحرمات؛ لأن جرائم الرايخ الثالث تُعرَّف عادة بأنها “النيفادوم”، أو الانحدار الذي نسميه في كثير من الأحيان “الشر الراديكالي”.

ولا تزال الأدبيات الواسعة عن هتلر والنازية تدور حول عددٍ قليل من الأسئلة الدائمة؛ أولها يتعلق بالسيرة الذاتية: كيف تحول رسام الألوان المائية النمساوي إلى قائد عسكري منظم برز كخطيب ألماني يميني متطرف بعد الحرب العالمية الأولى؟ والثاني سؤال اجتماعي سياسي: كيف أصبح المجتمع المتحضر يتبنى أفكار هتلر المتطرفة؟ والثالث يتعلق بمفترق الطرق بين الإنسان والنظام: إلى أي مدى سيطر هتلر على جهاز الرايخ الثالث؟

وتشير كل هذه الأسئلة إلى اللغز المحوري لمحرقة اليهود، والذي تم تفسيره على نحو متفاوت باعتباره عملاً متعمداً تارة وارتجالياً همجياً تارة أخرى. وفي عصرنا الحالي الذي يتسم بالعنصرية غير المبررة وعودة الاستبداد، تشكل آليات صعود هتلر مسألة ملحة بشكل خاص. فلا يوجد نموذج أفضل، بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في تفكيك الديمقراطية.

وحتى في ظل استمرار الجدل حول طبيعة قيادة هتلر، يتفق الباحثون إلى حد كبير على أن أيديولوجيته كانت ثابتة إلى حد ما منذ منتصف العشرينيات وما بعدها. فقد كان هاجساه المُلحَّان هما معاداة السامية بعنف وسياسات الإبادة الجماعية. وفي وقتٍ مبكر من عام 1921، تحدث عن حبس اليهود في معسكرات الاعتقال، وفي عام 1923 فكر في فكرة قتل جميع السكان اليهود؛ لكنه أقلع عن تلك الفكرة بشكل مؤقت.

وكانت المحرقة نتيجة منطقية بشعة، فإذا كان لألمانيا أن تتوسع شرقاً، حيث يعيش الملايين من اليهود، فلا بدّ أن يختفي هؤلاء اليهود؛ لأن الألمان لا يستطيعون التعايش معهم. وقد كانت “نبوءة” هتلر بحد ذاتها أمراً منحرفاً. ففي صيف عام 1941، وبينما كان مئات الآلاف من اليهود والسلاف يُقتلون أثناء غزو الاتحاد السوفييتي، ذكر جوبلز ملاحظة هتلر بأن النبوءة قد تحققت بطريقة “خارقة للطبيعة تقريباً”. وهذه لغة يستخدمها المتذوق المعجب بتحفة فنية. وأدت مثل هذه الفظائع الفكرية إلى إعلان تيودور دبليو أدورنو أن “كتابة الشعر بعد أوشفيتز أمر همجي”.

وشجعتِ الإبادة الجماعية الأرمينية في 1915- 1916 الاعتقادَ بأن المجتمع الدولي لن يهتم كثيراً بمصير اليهود. وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة، تحدث هتلر عن القتل الجماعي المخطط له للبولنديين وتساءل: “من الذي يتحدث اليوم عن تدمير الأرمن؟”، وقد وجد النازيون معاونين في كل بلد قاموا بغزوه تقريباً. ففي إحدى المدن الليتوانية، هلل حشد من الناس بينما كان رجل محلي يضرب عشرات اليهود حتى الموت. ثم وقف فوق الجثث وعزف النشيد الليتواني على أكورديون، بينما الجنود الألمان يشاهدون ويلتقطون الصور.

وكانت عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها ستالين وهتلر قائمة في إطار علاقة شبه تكافلية؛ حيث تمنح كل واحدة ترخيصاً للأخرى في دوائر قاسية من الانتقام. فقد حدثت عمليات الترحيل واسعة النطاق لليهود من بلدان الرايخ الثالث في أعقاب ترحيل ستالين لألمان الفولغا. حيث تصور راينهارد هايدريش؛ وهو أحد كبار مخططي المحرقة، أنه بمجرد هزيمة الاتحاد السوفييتي يمكن أن يُترك يهود أوروبا ليموتوا في المعسكرات.

اليهود الذين تم أسرهم من قبل قوات الأمن الخاصة أثناء انتفاضة الحي اليهودي في وارسو يتم استجوابهم في نقطة التجمع قبل الترحيل بولندا ، مايو 1943_موسوعة الهولوكوست

ولم يكن النازيون مخطئين في استشهادهم بالسوابق الأمريكية. فقد نص الدستور الأمريكي على استعباد الأمريكيين من أصل إفريقي. وتحدث توماس جيفرسون عن الحاجة إلى “القضاء على” أو “استئصال” الأمريكيين الأصليين. وفي عام 1856، كتب أحد المستوطنين من ولاية أوريغون قائلاً: “يبدو أن الإبادة، مهما بدَت مخالفة للتعاليم المسيحية، هي الملاذ الوحيد المتبقي لحماية الحياة والممتلكات”. كما تحدث الجنرال فيليب شيريدان، عن “الإبادة والمحو والتدمير الكامل”. ولا شك أن آخرين قد روجوا لسياسات أكثر سلمية؛ وإن كانت تظل قمعية.

وخلُص المؤرخ إدوارد فيسترمان، في كتابه «حرب هتلر الشرقية وحروب الهنود» (دار أوكلاهوما) إلى أنه نظراً لأن السياسة الفيدرالية لم تفرض رسمياً “الإبادة الجسدية للسكان الأصليين على أسس أو خصائص عرقية”، فإن هذه الحرب لم تكن إبادة جماعية على أساس مبدأ المحرقة. وتبقى الحقيقة أن عدد السكان الأصليين للأراضي الأمريكية قد انخفض في الفترة بين عام 1500 وحتى عام 1900 من عدة ملايين إلى نحو مئتي ألف.

والواقع أن موهبة أمريكا في الحفاظ على جو من البراءة الراسخة في أعقاب الموت الجماعي قد بَدَت لهتلر كمثال يحتذى به. فقد أشار مراراً وتكراراً إلى الغرب الأمريكي في الأشهر الأولى من الغزو السوفييتي. وقال إن “الفولغا سيكون المسيسيبي الخاص بنا. وأوروبا -وليس أمريكا- هي ما ستكون أرض الإمكانات غير المحدودة. وسوف تكون بولندا وبيلاروسيا وأوكرانيا مأهولة بأسر من الجنود المزارعين الرواد، كما سوف تمر الطرق السريعة عبر حقول الحبوب. أما شاغلو هذه الأراضي الحاليون -عشرات الملايين منه- فسوف يجوعون حتى الموت”.

تم فصل أطفال السكان الأصليين في أمريكا عن أسرهم ووضهم في معسكرات تعليمية تحظر استخدام اللغة الأصلية والأسماء القبلية وكل ما يتعلق بهوية الهنود الحمر، 1879_مكتبة الأرشيف الوطني

في الوقتِ نفسه، ودون أي شعور بالتناقض، انخرط النازيون في الرومانسية الألمانية القديمة تجاه الأمريكيين الأصليين. وقد كان أحد مخططات جوبلز الأقل ميلاً إلى المباركة، هو منح المكانة الفخرية الآرية لقبائل الأمريكيين الأصليين، على أمل أن تتمرد ضد مضطهديها. والواقع أن علماء النسل الأمريكيين لم يخفوا أهدافهم العنصرية، وقد كانت وجهات نظرهم منتشرة إلى الحد الذي جعل ف.سكوت فيتزجيرالد، يظهرهم في رواية «غاتسبي العظيم».

وقد كان برنامج التعقيم القسري في كاليفورنيا سبباً مباشراً في استلهام قانون التعقيم النازي عام 1934. وهناك أيضاً أوجه تشابه شريرة، وإن كانت مصادفات في أغلبها، بين تقنيات الموت الأمريكية والألمانية. وفي عام 1924، نُفِّذت أول عملية إعدام بواسطة غرفة الغاز في نيفادا. وقد ذكر سكوت كريستيانسون، في تاريخ غرفة الغاز الأمريكية، أن العامل المبخِّر “زيكلون- بي” الذي تم ترخيصه لشركة “سياناميد” الأمريكية من قِبل شركة ألمانية، كان يعتبر عاملاً مميتاً؛ ولكن وجد أنه غير عملي.

وعلى الرغم من ذلك؛ فإنه تم استخدامه لتعقيم المهاجرين عند عبورهم الحدود. وهي ممارسة لم تمر دون أن يلاحظها جيرهارد بيترز؛ الكيميائي الذي قدم نسخة معدلة من “زيكلون-بي” إلى أوشفيتز. وفي وقتٍ لاحق، تم تجهيز غرف الغاز الأمريكية بمزلق يتم إسقاط الكريات السامة فيه. وأوضح إيرل ليستون، مخترع الجهاز، أن “سحب رافعة لقتل رجل هو عمل شاق، في حين أن صب حمض داخل أنبوب هو أسهل من ناحية التوتر؛ فهو أشبه بسقي الزهور”. وقد تم تطبيق الطريقة نفسها في أوشفيتز لتخفيف الضغط العصبي على حراس المعسكر.

فعندما أشاد هتلر بالقيود الأمريكية المفروضة على التجنيس، كان حاضراً في ذهنه قانون الهجرة لعام 1924، الذي فرض حصصاً وطنية وحظر أغلب الآسيويين تماماً. وكان هذا من وجهة نظر المراقبين النازيين دليلاً على أن أمريكا كانت تتطور في الاتجاه الصحيح، على الرغم من خطابها المضلل عن المساواة. ولقد لعب قانون الهجرة أيضاً دوراً ميسراً في المحرقة، وذلك لأن نظام الحصص منع آلاف اليهود، بما في ذلك آن فرانك وعائلتها، من الوصول إلى أمريكا.

وفي عام 1938، دعا الرئيس روزفلت إلى عقد مؤتمر دولي بشأن محنة اللاجئين الأوروبيين؛ وقد عُقد هذا الاجتماع في مدينة “إيفيان-لي-بان” الفرنسية، ولكنه لم يسفر عن أي تغيير جوهري. وفي رد ساخر، قالت وزارة الخارجية الألمانية إننا نجد أنه من “المذهل” أن تشجب بلدان أخرى معاملة ألمانيا لليهود ثم ترفض استقبالهم. ويستعرض براين كريم في كتابه «الألمان.. مشروع الأسرار ودولة الأمن القومي» (دار جونز هوبكنز)، التاريخ المشبوه لفيرنر فون براون وزملائه من برنامج (فاو-2).

فعندما تم القبض على براون عام 1945، أدرك أن السوفييت سيصبحون العدو اللدود التالي للمجمع العسكري الصناعي الأمريكي، وروَّج بدهاء لفكرة برنامج أسلحة عالي التقنية لدرء التهديد البلشفي. وقد كان قادراً على إعادة تشكيل معظم عملياته داخل الحدود الأمريكية، باستثناء عمالة العبيد. وقد تم تنظيف السجلات، وتجاوز إجراءات نزع النازية (التي اعتبرت “محبطة”)؛ وتم تسريع عملية الهجرة. وكان إدغار هوفر قلقاً من اليهود في وزارة الخارجية الذين كانوا يطرحون الكثير من الأسئلة حول خلفيات العلماء.

ولعل نقاط الاتصال المخيفة هذه ليست أكثر من حواشي لتاريخ النازية. لكنها تخبرنا أكثر عن أمريكا الحديثة. مثل صبغة ملونة تتدفق عبر مجرى الدم، فتكشف عن نقاط الضعف في الوعي الوطني؛ حيث يُعد انتشار الدعاية التي تنادي بتفوق البيض على شبكة الإنترنت آخر فصولها. وفي عام 1990، ذكرت مجلة “فانيتي فير” أن دونالد ترامب كان يحتفظ بكتاب لخطب هتلر بجوار سريره.

وعندما سُئل عن ذلك قال: “لو كانت لديّ هذه الخطابات، وأنا لا أقول إنها لديّ، لما قرأتها قط”. ومع ذلك منذ أن دخل ترامب معترك السياسة، تمت مقارنته مراراً وتكراراً بهتلر؛ لا سيما من قِبل النازيين الجدد.

إن الفنان السياسي في المستقبل لن ينعم بالهالة العتيقة لفاغنر ونيتشه. ومن المرجح أن يستمد الإلهام من الأساطير الحديثة المغروسة في الثقافة الشعبية. فالنموذج البدائي للطفل العادي الذي يكتشف أن لديه قوى استثنائية، هو النموذج المألوف في الكتب الهزلية وأفلام الأبطال الخارقين، التي تُعرض على المراهقين وتمنحهم شعوراً مفاده أن العالم يعاني خللاً عميقاً وأن السلاح السحري قد يبطل اللعنة.

وبضربةٍ واحدة، يتبوأ الدخيل الخفي مركز التفوق، في ساحة معركة من الخير المطلق ضد الشر المحض. وبالنسبة إلى معظم الناس تظل هذه القصص خيالية، ووسيلة لتجميل الحياة اليومية. ولكن ذات يوم، قد يحاول أحد الحالمين عديمي الرحمة، أو منعزل لديه “فكرة ملتبسة عن كونه محتفظاً به من أجل عمل عظيم” تحويل المجاز إلى واقع. وربما يكون هناك الآن متخفياً خلف الضوء الأزرق لشاشة الكمبيوتر، مستعداً، وينتظر اللحظة المناسبة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب