كيف تتحرك المخابرات الاسرائيلية في البلدان العربية والافريقية؟ وما هو دور الموساد في هذا المجال؟
السؤال الان اجاب عنهما كتاب صدر في الولايات المتحدة في الثمانينات بعنوان – الحلقة المفقودة: اسرائيل تسلح من… لماذا؟ ويتضمن معلومات في منتهى الخطورة عن الحلقة الاسرائيلية في بعض الاقطار العربية. ولاهمية المعلومات الواردة فيه، اقدم هنا قراءة لأبرز المحطات في هذه الحلقة، تاركاً ذوي العلاقة نفي او تأكيد المعلومات الواردة فيه على الرغم من مرور (كذا) سنة على حدوثها.
حرب حزيران 1967، نبهت الدول النامية الى الخطر الاسرائيلي، وبدأت هذه الدول في قطع علاقاتها مع اسرائيل، الا ان بعض هذه الدول وجدت انها لا تستطيع الاستغناء عن الدعم الاسرائيلي، فبقيت الاتصالات مستمرة على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية.
التحرك الاسرائيلي الاول في اتجاه الدول العربية استهدف لبنان، حتى قبل قيام الكيان الاسرائيلي، اذ دعا المفكرون الصهاينة منذ البداية الى اقامة دولة مارونية في لبنان، وقامت علاقات بين اسرائيل واطراف لبنانية تدعمت مع مرور الوقت. وبعيداً عن كل تفاصيل التعاون الاسرائيلي – اللبناني، يكفي القول ان – جيش لبنان الجنوبي- المتعامل مع اسرائيل في الجنوب اللبناني كلف الحكومة الاسرائيلية نحو (250) مليون دولار وذلك بين العامين 1975و 1977.
ومنذ العام 1958، تكثفت المساعدات الاسرائيلية للمتمردين الاكراد في الشمال العراقي بقيادة مصطفى البارزاني، الا ان اتفاقية الجزائر في العام 1975، اقفلت الباب الايراني الذي كانت تمر من خلاله المساعدات الاسرائيلية الى المتمردين الاكراد.
بين العامين 1960 و 1970، كانت اسرائيل تدعم الملكيين في اليمن الشمالي في الحرب الاهلية الضارية التي عاشتها البلاد، وكان الهدف الاسرائيلي من هذه المساعدات دعم نظام معتدل وتمكينه من الاستمرار في السيطرة على باب المندب. وفي الوقت نفسه وجدت اسرائيل في الحرب الاهلية في اليمن فرصة لا تعوض من اجل ابقاء القوات المصرية بعيدة عن قواعدها وبالتالي تحييدها في اي مواجهة عسكرية مع مصر.
اما قابوس سلطان عمان، فان صداقته مع الاسرائيليين قديمة وقوية، وقد نشأت هذه الصداقة وتطورت بفضل الدور الذي قام به الاسرائيليون في تصفية ثورة اقليم ظفار في مطلع السبعينات وتدعيم حكم السلطان.
ان اختراق الساحة العربية لم يمنع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من الاستمرار في تطبيق نظرية بن غوريون الداعية الى التعاون مع تركيا وايران واثيوبيا، وهكذا، قامت علاقات متينة بين اسرائيل وتركيا اعتباراً من العام 1958، واتخذ هذا التعاون كل الاشكال الممكنة – مبيعات اسلحة، مساعدات تقنية، وتنسيق في مجال الامن والمخابرات – واقامت المخابرات الاسرائيلية – الموساد- مكتباً قوياً لها في العاصمة التركية انقرة.
اما التحالف المركزي مع ايران، فانه تأثر كثيراً في بداية الاطاحة بالشاه، الا ان اسرائيل عرفت كيف تستعيد مواقعها تدريجياً وتتحول الى بائع مدافع واسلحة وقطع غيار الى النظام الاسلامي.
اما الخط الاسرائيلي في اتجاه اثيوبيا، فقد عبر عنه شمعون بيريز في العام 1966، عندما قال ان المطلوب هو استغلال ثقل اثيوبيا العسكري والاقتصادي والسكاني من اجل خلق مصر ثانية في افريقيا تعادل القوة المصرية في القارة السوداء. الا ان اسرائيل كانت بدأت في اختراق اثيوبيا في العام 1955، عندما استقرت في اديس ابابا شركة اسرائيلية (انكودا) لتصدير اللحوم الاثيوبية. وكانت هذه الشركة غطاء لنشاط المخابرات الاسرائيلية في البلد، فقد اصبح مكتب الموساد في العاصمة الاثيوبية مستودع اسلحة وخلية عمل تطال منطقة البحر الاحمر كلها.
وعندما اندلعت الثورة الاريترية في العام 1961، كانت اثيوبيا في أمس الحاجة الى الدعم الاسرائيلي من اجل قمع انتفاضة العرب في هذا الاقليم ومنعهم من الحصول على الاستقلال، وقام ضباط اسرائيليون بتدريب القوات الاثيوبية على حرب العصابات وبتنظيم الاعمال اللوجستية في الجيش الاثيوبي.
ولقد شكل السودان ايضاً مركزاً مهماً لتحركات الموساد منذ الخمسينات، وقد ركزت اسرائيل على السودان لانه يحتل موقعاً استراتيجياً في المنطقة. وهكذا، بدأت اسرائيل في اقامة علاقات مع حزب الامة المنفتح على الغرب والمعادي لمصر. وفي العام 1963، حولت اسرائيل اهتمامهاً الى الجنوب السوداني، وراحت سفارات اسرائيل في اغندا واثيوبيا وتشاد وزائير تدعم الخط المفتوح مع ابناء الجنوب السوداني.
وفي العام 1969، استقرت لجنة عسكرية اسرائيلية في منطقة توريت السودانية القريبة من الحدود الاوغندية التي اباحها الرئيس السابق ميلتون موبوتو للاسرائيليين، وصارت شحنات الاسلحة تصل الى المتمردين الجنوبيين بصورة منتظمة، وصار ضباط اسرائيليون يشرفون على قوات التمرد في حين ان ثلاثين ضابطاً من المتمردين خضعوا الى دورات تدريبية في اسرائيل.
وعندما وضع اتفاق اديس ابابا 26/ 2/ 1972، حداً مؤقتاً لمشكلة الجنوب، رأت الحكومة الاسرائيلية، ان الثغرة المفتوحة لها في السودان قد اقفلت، الا انها استفادت عملياً من اغلاق ملف الجنوب واقامة علاقات جيدة مع الرئيس جعفر نميري، وقد استقر مكتب للمخابرات الاسرائيلية في الخرطوم حيث باشر نشاطه في المنطقة. لكن سقوط النميري في نيسان/ 1985، منع تطور العلاقات الاسرائيلية- السودانية.
اما الصومال فقد دخل في الدائرة الاسرائيلية في منتصف الثمانينات، وكانت حكومة بريتوريا العنصرية تلعب دور الوسيط في العلاقات الوليدة بين البلدين وتقوم بمهمة ساعي بريد بين العاصمتين.
وقد تم لقاء بين الرئيس الصومالي السابق سياد بري ووزير الخارجية في جمهورية جنوب افريقيا بيك بوتا في كانون الاول/ 1984، وأسفر هذا اللقاء عن زيارة قام بها عبد الرحمن علي حسين صهر الرئيس الصومالي الى اسرائيل وذلك في شباط/ 1985، استمرت الزيارة خمسة عشر يوماً وتم في خلالها عدد من اللقاءات
والاتصالات مع المسؤولين الاسرائيليين، وانتهت الزيارة بتوقيع اتفاق ثنائي بين البلدين قضى بأن تقدم اسرائيل الى الصومال مساعدات في مجال الامن.
في المغرب العربي، كانت اسرائيل تنسق مع فرنسا في مجال المعلومات حتى العام 1960، وقد اشترك اسحق رابين ومناحيم هرتزوغ في عمليات نفذها الجيش الفرنسي في الجزائر ضد الثورة. وبعد ان ظهر ان فرنسا بدأت تستعد لترك المنطقة صارت اسرائيل تدعم التيار اليميني في الجيش الفرنسي الذي تحول الى منظمة ارهابية تعمل من اجل البقاء في الجزائر.
وفي خلال تصويت الامم المتحدة على قبول الجزائر المستقلة في العام 1962، كانت اسرائيل صاحبة الصوت الوحيد المعارض، وبعد الاستقلال انحصرت العلاقات الاسرائيلية المغربية في زيارات ودية يقوم بها بين الحين والآخر مسؤولون اسرائيليون الى المغرب.
ثلاثون دولة افريقية استفادت من المساعدات الاسرائيلية، وانظمة كبيرة استمرت بفضل الدعم الاسرائيلي. والسؤال- ماذا فعل العرب لمحاربة وجود اسرائيل في قلب قارة صديقة؟
* الكتاب
The Israeli Connection, who Israel Arms and why, By, Benjamin Beit, New York 1988.