19 ديسمبر، 2024 1:08 ص

من بغداد الى حلب …

من بغداد الى حلب …

قارب مثقوب ووطن منهوب وهروب من التغيير الواجب المطلوب !
لو أردت أن ألخص مسيرة شائكة عمرها 36 عاما بين 1980 – 2016 من العذاب الأسود والهزائم المرة والأكاذيب المفضوحة والخذلان المذل والوعيد الوهمي في طريق الاندحار والانتحار بقيادة قرقوزات عميلة ترتدي البزات العسكرية او المدنية من المحيط الى الخليج ، اصنام تدعي الوطنية والاستقلالية مع أفراخ لهم يقلدون اباءهم ، يركبون الفيراري والبورش والطائرات الخاصة واليخوت المطلية بالذهب ويلعبون بمقدرات شعوبهم الفقيرة القمار ، يأكلون الكافيار ،يدخنون السيجار ، يربون النمور والصقور والجياد الأصيلة النادرة ، يثملون ليلا ويتظاهرون بالزهد والتقى امام الكاميرات نهارا ، يستثمرون وبإصرار في بلاد الغرب اموالهم ويحرمونها على بلدانهم ليتم مصادرتها او تجميدها فور – عزلهم او موتهم – لأنتهيت الى أن الشعوب لا تنتصر بالصراخ والعويل والوعود الزائفة ولا بعبادة قادتها وتبجيل قوانينهم الوضعية ، القبلية ، الفوضوية ، المزاجية ، الهزلية ، بل بتغيير واقعها وتجاوز اخطائها وخطاياها السابقة !!
” فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية” هكذا كنا نملأ الأرض الطافية على محيطات من النفط ضجيجا خلال مسيرات جماهيرية وطلابية غاضبة – بعد ضرب الدوام او تعطيله – منذ نعومة اظافرنا وكان بإمكاننا قطع النفط والغاز العربي عن العالم الغربي لأرباك اوضاعهم بعد ضمان موارد بديلة تعتقنا من عبوديتهم ولو مؤقتا – وابوك الله يرحمه – لو كنا صادقين !!!!
كبرت اعمارنا وإستطالت قاماتنا يصدق فينا قول البغادة ” الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة ” ، لتصغر معها طموحاتنا وتطلعاتنا وبتنا نحلم ولو بالضفة الغربية ولو بغزة ولو بالمسجد الأقصى ولو من دون حائط البراق !! هكذا بعدما كنا نتطلع الى فلسطين كاملة غير منقوصة من النهر الى البحر .. سنون كبر معها الاحتلال الصهيوني وتضخم بخلافنا نحن الذين تضاءلنا ماديا ومعنويا وجيو سياسيا ..ومازالت فلسطين في أيديهم لأن الصهاينة لم يسيروا تظاهرات ومسيرات نصف كراديسها تتحرش بـ” المناضلات” المتظاهرات ممن يضحكن على لا شيء ويوزعن الابتسامات بالمجان تقودهن الرفيقة – الجاموسة – بلباسها الزيتوني  والتي يكفي احدى ثدييها العملاقين الهابطين الى سرتها  لإرضاع كتيبة كاملة من  المتظاهرين ، حليبا ثوريا كامل الدسم !! فيما يحلم النصف الآخر بالترقيات والتز كيات والدرجات والعلاوات لا أكثر ،  تظاهرات تحرير فلسطين بالنسبة لطلبة الثانوية والجامعة كان ثمنها خمس درجات على المعدل السنوي كما وعدنا الأستاذ الرفيق مدير المدرسة بزيه العسكري ( اعدم فيما بعد بتهمة الخيانة العظمى ، لاعجب في ذلك ، اذ ان الشعب كله متهم بالخيانة على طول الخط مالم يثبت وطنيته ! ) ، بمعية الرفيق عميد الكلية بزيه المرقط ومسدسه المتدلي كمسبحة من تحت كرشه الثوري التقدمي المتناسب مع خلفيته الرجعية ( ادين بمحاولة اسقاط النظام – برغم انه أجبن من اسماعيل ياسين – ففر من حبل المشنقة الى حارج البلاد ليعود معارضا بعد 2003 ولتضاف له الخدمات الجهادية – جهادية علي ايش ما أدري – والفصول السياسية والعنصرية والعشائرية وصار احوال يقود تظاهرات – نفس التظاهرات – ولكن بالاتجاه المعاكس وبدرجة 180 !!) .
لقد ارتبط المعدل السنوي والشوارب المفتولة الى الأعلى يساريا ، او الى الأسفل يمينيا بتحرير الأرض ولذا فأن المسيرات التي يغيب عنها – الجنس اللطيف من الوزن فوق الثقيل والطبل والمزمار ولا يسوق المرقطون قطعانها كالأغنام تكون اقل اقبالا وووثورية ونضالا …اعداؤنا لم يجعجعوا كما جعجعنا نحن، ولم يعدوا الطلبة بمعدلات اضافية مقابل خدمة ما يعتقدونه صوابا لنصرة قضيتهم الكبرى وهي ليست كذلك ، ولم يقفوا وقفة العلم كل يوم خميس ليطلقوا العيارات النارية وسط المدرسة الابتدائية ، لا طلائع ولا فتوة ولا جيش شعبي ولا مهمات خاصة ولا جيش قدس، بل قالوا وفعلوا ..هددوا ونفذوا ..توعدوا وصنعوا علما انهم كانوا بلا شوارب ولا لحى ولا بدلات زيتوني ولا مرقط لأن الكلية والمدرسة ليستا ثكنة عسكرية بالمرة ولا يجب ان تكون كذلك ، مؤسسات تربوية عدد المخبرين فيها يفوق عدد الطلبة والمدرسين ومن كلا الجنسين !! ما تبقى من فصول المسرحية التراجيدية اكملها لكم لاحقا .
استيقظنا بعدها على اخبار الصرب والكروات وهم يغتصبون نساء البوسنة والهرسك المسلمات ويذبحون رجالهم ويفجرون مساجدهم ويجرفون اراضيهم ويهدمون منازلهم ، خرجنا جريا على العادة في مسيرات غاضبة تندد بما يجري للمسلمين هناك – لم يكن آنذاك فيس بوك لنمارس من خلاله النضال الإلكتروني المزعوم كما نفعل اليوم فنحرر اراض ونفتح مدنا و ونفك اسرى ونهزم اعداء ونضع خططا ونصوغ ايدولوجيات واذا ما اعترض احدهم على ما نقول فهو خائن ، رعديد ، حاسد، حاقد ، مدفوع نضع على حسابه – بلوك – ونحن نرتشف النسكافيه مع بقايا الفنكر جبس – احتفاء بالنصر المبين !!
استمر مسلسل المسيرات الغاضبة والتظاهرات الحاشدة ، واستمرت معها الأبادة الجماعية للشعب الشيشاني على يد الروس بقيادة بوتين ذاته عضو الكي جي بي السابق ، لأنها ارادت الاستقلال والغاء التبعية للكرملين بعد قتل قائدها جوهر دوداييف في المغرب ، ومن ثم في البانيا على يد الصرب والكروات ايضا ، وبعدها في كشمير على يد الهندوس ، وقبلها في تايلند على يد البوذيين ، وخلالها في الفلبين حين سحق المسلمون عن بكرة ابيهم بتراثهم ومساجدهم واراضيهم ومزارعهم … بدورهم نحر الصوماليون على يد الأميركان ، قسمت السودان بعد حرب اهلية طاحنة استمرت سنين طوال أذكى نيرانها الغرب انتهت بفصل الجنوب  الغني بالثروات عن الشمال الفقير المسلم ، انفصلت تيمور الشرقية المسيحية خلالها عن إندونيسيا بمؤامرة دولية وتحريض من الغرب فيما قمع اقليم آتشيه المسلم بعدما اراد تقليد التجربة ، قمعت ثورة الحجارة في فلسطين مرارا بالحديد والنار ، حوصرت وقصفت غزة حتى الموت ، احتلت افغانستان بعد 11 سبتمبر عقب قصف عنيف استمر لأسابيع تسبب بمقتل 36 الف افغاني ، حوصر قبلها العراق بذريعة اسلحة دمار شامل وهمية ، اجتيح بعدها اميركيا ما أسفر عن مقتل مليون ونصف المليون عراقي بحسب النيويورك تايمز ، استمر مسلسل النحر في بورما بوذيا ، في سوريا ، في اليمن ، في ليبيا ، والعراق ومازلنا نتوعد ونثق بمن يتوعد هاتفين – يا فلان شيل ايدك ، هذا الزمط ما يفيدك !! 
الغريب ان وكالات الأنباء لا تسمي الأشياء بأسمائها فهي تصر على ترديد عبارة ” نظام بشار الأسد يقصف المواطنين  العزل بالبراميل المتفجرة ”  فيما الحقيقة الدامغة هي : ” حزب البعث العربي اللا إشتراكي  الذي يقوده بشار الأسد يقصف الأبرياء بالبراميل المتفجرة بمعية مع حظروا نسخته في العراق وجرموها بأسناد روسي !!”.
أتعلمون لماذا ؟ لأننا متفرقون ، مشتتون ، مختلفون ، متخلفون ، لأن لا قيادة مركزية موحدة لنا ، لأن لا مرجعية دينية ولا سياسية مسموعة لدينا ، لأننا نعد بما لا يمكننا الوفاء به ، لأننا نتوعد بما لا يمكننا انفاذه ،لأننا نثق بمن يتكفل بحمايتنا ودعمنا لوجستيا مع علمنا بأقلاسه سياسيا وعسكريا ، لأننا نهرول خلف كل راية حمراء او صفراء ، خضراء او سوداء من دون ان نتثبت ، هل هذه راية عمياء ام مبصرة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها !! لأن القواعد والحواضن الجماهيرية عندنا تشكل على اساس الترهيب وكسر العظم والتبعية عن طريق القهر لا على اساس المحبة والرأفة والتراحم والأقناع ولذا فهي سرعان ماتتخلى وتنكص وتتنصل وتنتقل الى الصف الآخر وبقناعة ، لأننا نهرف بما لانعرف ، لأننا عندما نطالب بالأخذ بالأسباب الدنيوية انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم – انتم اعلم بأمور دنياكم – يقال لنا هذه نظرية تقدمية مخالفة للشرع من بنات افكار العلمانيين ، لأننا عندما نطالب بالأخذ بأحكام الشريعة الغراء يقال لنا هذه رجعية – مخالفة لأسس الدولة المدنية – لأننا لانريد فهم المتغيرات الدولية ولا الأقليمية ، لانريد ان نطلع على تجارب الأمم التي ابتليت قبلنا بما نبتلى به اليوم ،لأننا لانريد ان نصوغ برنامجا عمليا واقعيا مستنبطا من استقراء واقع العالم وقراءة ماضيه لنتخطى الغامه وشراكه كي لانقع كما في كل مرة بالفخ ، لأننا نسير كالعميان خلف كل ناعق يظهر من لامكان هكذا فجأة ومن دون مقدمات – ليضحك علينا بكلمتين معسولتين تضرب على الوتر الحساس فتطرب لها آذاننا – ولو قادنا الى الجحيم ، النتيجة ” لاحظت برجيلهه ولاخذت سيد …قشطة ” و المحصلة غرق قاربنا المطاطي المثقوب وسط بحر لجي ماله من قرار، مليء بأسماك القرش ..ليبدأ مسلسل البكاء والعويل و جلد الذات والمسيرات والهتافات ذاتها كتلك التي انطلقت بلا جدوى تباعا على مدار 36 عاما ، من دون ان نغير من واقعنا شيئا قط ، كي لاتتكرر المأساة مستقبلا على اقل تقدير والله يقول ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ، فهل سنغيرانفسنا كما امرنا الباري عز وجل ليتغير مانحن فيه؟ ام سنكون ممن قال فيهم جل في علاه : ” أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ “.
اودعناكم اغاتي

أحدث المقالات

أحدث المقالات