مرّت على بغداد سنوات، لم يكن فيها لمحافظها السابق صلاح عبد الرزاق (المطرود من حزبه – الدعوة الإسلامية – لفساده) ولصاحبه رئيس مجلس المحافظة النائب الحالي كامل الزيدي، من شغل وعمل أهمّ من دهم النوادي الاجتماعية القليلة جداً في العاصمة (لم يتجاوز عددها العشرة) وإغلاقها لأنها تقدّم الخمرة لروّادها من المثقفين وأبناء الطبقة الوسطى، فيما التفجيرات تهزّ العاصمة يومياً تقريباً، ونظام الخدمات العامة منهار تماماً.
يومها طلبتْ إليّ إحدى الفضائيات العربية أن أدلي برأيي في هذا الشأن، فتحدثتُ عن مفارقة كبيرة، هي أنّ المسؤولين الحكوميين الإسلاميين يلاحقون شاربي الخمرة المتستّرين خلف جدران عالية فيما يتركون شباب البلاد لمصيرهم البائس مع المخدرات والدعارة وسواهما. ودعماً لرأيي أشرتُ إلى تقرير رسمي كنتُ قد اطّلعتُ عليه قبل ذلك بأيام قلائل يكشف عن تفشّي ظاهرتي الدعارة وتعاطي المخدرات والمتاجرة بها. وبحسب التقرير فإن بين أكثر المدن تفشّياً لهاتين الظاهرتين المدن الموصوفة بالمقدّسة ككربلاء التي وضعها التقرير على رأس القائمة.
يومها ثارت ثائرة محافظ كربلاء في ذلك الوقت، فأطلق تصريحاً ناريّاً هدّد فيه بمقاضاتي والقناة التي ضيّفتني بتهمة الإساءة الى المحافظة المقدّسة والحطّ من سمعتها. لم يفعلها، فلابدّ أنّ أحد العقلاء من مستشاريه أو مساعديه قد اقترح عليه التريّث والتحقُّق من المعلومات التي استقيتُها من تقرير حكومي.
منذ تلك الأيام حتى اليوم جرت في النهر مياه غزيرة. النوادي العشرة المحترمة التي كانت تقدّم الخمرة خلف جدران عالية لم يعد عددها يُذكر بالمقارنة مع مئات الملاهي والبارات من الدرجة العاشرة التي انتشرت كالفطر في العاصمة، ومعظمها كان في الواقع مواخير ومباغيَ، ما اضطرّ وزارة الداخلية إلى إغلاقها. وكاتب هذه السطور كان بين المنبّهين إلى ظاهرة انتشار هذه المواخير والمطالين بإغلاقها ومن أول المصفّقين لقرار الإغلاق.
تلك المواخير كانت كلّها تقريباً غير مرخّصة وتحظى بحماية تنظيمات وميليشيات”إسلامية”ولبعضها علاقات وثيقة بـ”نقابيين”في مجال الإعلام! وبحسب معلومات مصدرها وزارة الثقافة فإن الوزارة اقترحت على الحكومة إخضاع هذه المحال للقانون من أجل مراقبتها واستيفاء رسوم المبيعات منها بدلاً من تركها لسلطة الميليشيات والعصابات المسلحة.. لم تلقَ الدعوة الأذن الصاغية!
الآن، ثمة أعضاء في مجلس محافظة كربلاء يريدون أن يترسّموا خطى صلاح عبد الرزاق وكامل الزيدي.. إنهم يجأرون بالشكوى من أنّ مدينة كربلاء صارت النساء يمشين فيها عرايا!.. كل هذا من أجل تبرير الدعوة لمنع عرض ملابس النساء الداخلية في محال بيع الملابس.
لم يكن الأمر ليحتاج إلى الحطّ من سمعة نساء كربلاء بهذه الطريقة (يمشين عرايا!).. المشكلة الحقيقية أنّ بعض الإسلاميين مرضى نفسيّاً ولديهم هوس جنسي إلى درجة أن دمى العرض (مانيكانات) والملابس الداخليّة تستثيرهم وتجعل اللعاب وغير اللعاب يسيل منهم!
يا سادة.. عالجوا مشكلة الفساد الإداري والمالي.. عالجوا مشكلة البطالة.. عالجوا مشكلة الدعارة.. عالجوا مشكلة تعاطي المخدّرات والاتّجار بها. هذه هي مصدر الخطر على المجتمع والدين.. أمّا دمى العرض والملابس الداخلية للنساء فليست مشكلة إلا لحفنة من المرضى نفسيّاً وجنسيّاً الذين يمكن معالجة مشكلتهم هذه بإحالتهم إلى مصحّات متخصّصة.