18 ديسمبر، 2024 10:43 م

من بغداد إلى إسطنبول رحلة الأيام السبعة

من بغداد إلى إسطنبول رحلة الأيام السبعة

من عاصمة الخلافة العباسية إلى عاصمة السلاطين العثمانيين بون شاسع وكبير ومواقف وذكريات كثيرة، وإحزان مملوه بالألم، وشجون تجبرنا إن نتوقف معاً فيها، انه رحلة مختلفة وبصيغة جديدة.
بدأت الرحلة من ساحة اللقاء عند الساعة السادسة صباحاً وبالاتفاق مع شركة سما النهرين من بغداد إلى اسطنبول ، وكان الخروج من المنزل الساعة الخامسة فجرا ولم أجد سيارة تكسي لكي استطيع الوصول إلى موقع الشركة، انتظرنا حتى كان موعد الانطلاق، وبعد جمع بعض المسافرين بالطريق انطلقت السيارة الكبيرة إلى اربيل وعندها بدأت المعوقات، رغم أنها سيارة كبيرة ولكن المقعد لا يسمح للشخص النوم ولهذا يبقى الواحد مترنح خاصاً من يحتاج للنوم، وكان التوقف الأول عند مطعم في منطقة الطوز حيث هذا المطعم المتفق عليه مع السائق لتقديم الوجبات المجانية له أو الرصيد أو بعض الهدايا من اجل جذب الركاب شرط التوقف عندهم وإنزال الناس عنده.
المعوق الأول كان بعد صعود ركاب من كركوك وهم من أهالي الموصل وعند الوصول إلى اربيل في الإقامة عند منطقة تون كوبري، منع الأسايش دخول أهل الموصل وكان عددهم أربع أشخاص رغم أنهم يحملون إقامة تركية، ولقد قاموا بالتوسل بالاسايش فغضب وقال بلهجة الأكراد هذه السيارة لا تدخل إلى اربيل مطلقا وعليكم العودة، إلى بغداد فطلب من احد الركاب إن يترجم للناس ما قاله، ولهذا اضطر السائق إن يخرج من الإقامة ويتوجه إلى طريق العودة إلى بغداد، وتوقف لأكثر من ثلاث ساعات حتى تم إقناع الأشخاص بالنزول والاتصال ببعض المعارف والمسؤولين ليسمحوا لهم بالدخول من جديد مع إن احد الأشخاص من الذين نزلوا بكى عندما لم يستطيع الدخول لأربيل، وهو يحمل إقامة تركية.
وبعد توقف داخل كراج اربيل وصعود بعض الأشخاص للسيارة وتم التوقف لإنزال البريد الذي كانت السيارة تحمله لاربيل وهذه المحطة التي فيها مكاتب حجز المحافظات الشمالية وكذلك المحافظات التركية، وبعدها انطلقت السيارة إلى دهوك وتوقفت عند المطعم في مكانين، وتم الوصول إلى زخو وبعدها إلى المعبر إبراهيم الخليل ولم نتأخر بالجانب العراقي ، وكان نزول المسافرين من اجل ختم الجوازات فقط والخروج ولكن عند الجانب التركي كان الانتظار فكانت الخطوة الأولى هي إنزال كل الحقائب وإدخالها إلى السونار وكان اغلب أو كل العراقيين يحملون معهم السكائر والشاي وبكمية كبيرة ولما سألتهم قالوا حتى تطلع السفرة مجانا حيث تباع السكائر بثلاثة إضعاف سعر الشراء وكان الموظف التركي الواقف على الجهاز بفتح الحقائب ويقوم بسحب ما يمكن بيده من اجل تقليل العلب أو الشاي حسب قناعته، وهي بمثابة كمرك يأخذها له.
وبعد إكمال التفتيش وقبل ختم الدخول قام بعض السواق بحصر السيارة لأنها تحمل رقم عراقي وهم أتراك فنزل احدهم وكانت مشاجرة كبيرة فضربه احد السواق بعد إن وضع مفتاح السيارة بيده إثناء الضرب مما أدى إلى جرحه وخروج الدم بغزارة وتحولت المشكلة إلى تجمهر الناس وحضور الشرطة وتأخرنا في هذا المكان مايقارب أربع ساعات فلقد وصلنا الساعة الثانية عشر وتحركنا الساعة الرابعة فجرا.
وبعد إن تحركنا بوقت قليل توقف السائق بحثا عن الطعام ونزلنا في مطعم قريب من الحدود، وكان طعام الإفطار والشاي وكلها على الطريقة التركية فاستغل صاحب المطعم العراقيين في عملية التصريف حتى يستفاد من الموجودين .
وصادفنا لمرتين سيارات شرطة أوقفتنا وأخذت جميع الجوازات وتم التأكد من الحقائب وكانوا يبحثون عن صناديق كبيرة للسكائر لأنها ممنوعة حسب ادعهم.
ملاحظات كثيرة إثناء تواجدي في العاصمة اسطنبول اسردها على سبيل المثال للحصر،
فاغلب المتاجر والمحلات تقفل باكرا، وتفتح بعضها منذ الفجر وفهم ناس عمليون يحبون بلدهم ويحبون عملهم فهو يحاولوا إن يبدع في إنتاجهم.
وإثناء خروجي من المسجد لاحظت لأكثر من مرة إن هناك من يقوم بتغير اتجاه الحذاء باتجاه الخروج وعند سؤالي عن السبب اتضح أنها طريقة للترحاب بنا.
في إحدى مدنهم المشهورة بكثرة بيع المخدرات وكثرة الجريمة، وضعت لها خطة خلال خمس سنوات، فتحولت المدينة إلى أجمل المناطق السياحية، بتنظيم بنائها ونظافة طرقها وجمال حدائقها، وفيها وادٍ كانت المياه الأسنة فيه، تحول إلى مكان رائع فيه الألعاب الرياضية والحدائق المعلقة والمطاعم الجميلة، وسألت عن هذه التجربة لأعرف هذه التجربة وتحويل المدينة من رمزا للجريمة، إلى مدينة سياحية تمتاز بالتكافل الاجتماعي بين الجيران والاهتمام بالفقير والمعاقين.
وبعد معرفة الخطة التطويرية، شاهدت كيفية التعامل مع الفقراء، بحيث يحفظ لهم كرامتهم ولا يشعرهم بذل السؤال، وذلك من خلال صرف بطاقة لكل فقير يشتري بها ما يحتاج إليه شهريا من الأسواق، وقد تفاعل معها الفقراء وأشعروا باحترام وتقدير لذاتهم.
وعلمت إن هناك فرقة تطوعية تتكون من خمسين شابا، يجلسون على الكراسي المتحركة لذوي الاحتياجات الخاصة، ويجوبون كل أسبوع في شوارع المدينة، فيكتشفون الطرق التي لا تصلح لسير كرسي المعاق، فيرفعوا فيها تقريرا ليتم تسويتها وإصلاحها.
أدهشتني كثرة ألعاب الأطفال التي رأيتها بالمدينة، وعلمت إن القانون في تركيا لا يسمح لأي تاجر يبني بناية تجارية ليس فيها حديقة ومكان مخصص لألعاب ، وإلا لا يسمح له بالبناء ولا يرخص له ، وحسب ما حصلت من معلومات فإن في المدينة أكثر من ألف بناية تجارية للسكن.
شاهدت أكشاك صغيرة جدا فسالت ما هذه البيوت الخشبية بالطرقات والتي عملتها البلدية للقطط ا أو الكلاب لضالة بالشوارع، فتحتمي فيها ليلا أو وقت البرد ، وقد تم توزيع هذه البيوت في كل شوارع اسطنبول.
مثل هذه المشاريع الاجتماعية من أشخاص حريصين على خدمة الناس وكسب قلوبهم ليحققوا لهم العيش الاجتماعي الآمن.
واختم بكلمة جميلة للأديب أحمد أمين عندما قال:هل تعرف الفرق بين الحرير الطبيعي والحرير الصناعي وبين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة ؟..
فإذا عرفت ذلك،عرفت الفرق بين التدين الحقيقي والتدين الصناعي.
تذكرت هذه الكلمات وأنا أرى الأتراك، فالمشاريع التي يقيمونها مستمرة لا تتوقف، وهم منطلقون في خدمة الإنسانية.
فهناك فرقا واضحا بين من يحمل الدين برأسه، ومن يحمله بقلبه، وهناك فرق بين من يتغنى بالدين، ومن يكون الدين همه ويعمل لتحقيقه، وهناك فرق بين من يكثر الكلام بالدين، ومن يعمل به، وهناك فرق بين المتدين صاحب المشروع الذي يعمل من أجله، كما أن هناك فرقا بين المتدين الحقيقي والصناعي.