تسارعت الأحداث في الآونة الأخيرة مُنبئةً بزوال أسطورة داعش “باقية و تتمدد” ..
فالتنظيم الإسلاموي المتطرف بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة في سوريا و العراق بإعتراف مدوّي من قائده “أبوبكر البغدادي” بالهزيمة النكراء مطالباً مناصريه بالتخفّي و الفرار إلى المناطق الجبلية ..
فعلى الجبهة السورية أعلن الجيش العربي السوري تحرير تدمر مدعوماً من القوة (الجو_فضائية) الروسية و قوات المقاومة الشعبية ، لكن هذه ليست المرة الأولى التي تسقط فيها تدمر بثقلها الجغرافي و الحضاري و الإقتصادي و السياسي بيد داعش ليعاود الجيش تحريرها من جديد ، لكن نستطيع أن نتكهّن أنّها الأخيرة ذلك بسبب محاصرة الجيش العراقي للدواعش في حيّز صغير من الساحل الأيمن في الموصل ، إضافةً إلى إصطفاف بعض الجماعات المسلحة المعارضة و الوحدات الكوردية في مواجهة داعش .. كل ذلك يدل بيقين لا يساوره شكّ أن عمْر التنظيم كدولة وهمية ذات حدود جُغرافية مترامية و نفوذ كبير بات قصيراً جدّاً لا يتجاوز بضعة أشهر .
لكن بالعودة إلى نداء البغدادي بالتوجّه إلى الجبال نجد أنّ الحرب مع التنظيم ستسلك سلوكاً جديداً من حرب العصابات التي قد تمتدّ لسنوات للقضاء على كافة فلول التنظيم الذي قد يعاود التشكُّل في بلدان أخرى و لكن باسم جديد و عناوين مختلفة سيّما و أنّ القضاء على داعش لا يعني القضاء على النهج الإسلاموي المتطرف .
إن إنتصار سوريا بجيشها و مقاومتها و دعم أصدقائها لا يعني بدء حسم الصراع العسكري و حشد القوى لإستعادة الرقة و دير الزور فحسب .
إنّما هو نصر سياسي إستراتيجي يُظهِر الحكومة السورية أمام المجتمع الدولي مُسيطرة على كافة أجزاء البلاد لا كما حاول الغرب إظهارها سابقا كحكومة تابعة لنظام مُحاصر لا يملك من القوة ما يسيطر بها على معاقل قياديّيه و هذا بالطبع سينعكس إيجاباً على مفاوضات “جينيف” القادمة فتكون الحكومة هي المفاوض الأقوى بحيث تفرض شروطها السيادية دون مِنّة من أحد .
أمّا على الجبهة العراقية تمكنت قوات الجيش العراقي و الشرطة الإتحادية مدعومة من فصائل الحشد الشعبي المقاوم من تحرير أجزاء واسعة من الساحل الأيمن للموصل الحدباء مضيّقة الخناق على التنظيم الذي لجأ إلى التخفّي بين المدنيين كدروع بشرية لكسب الوقت ريثما تكتمل إجراءات هروب عناصره إلى خارج الأرض العراقية ..
لكن مهلاً .. لن تنتهي الحرب بتحرير ما تبقى من كيلومترات مُحتلّة فتهديد رئيس الحكومة “حيدر العبادي” الأخير و المُفاجئ بضرب داعش خارج العراق مادامت تُشكّل تهديداً على سيادة العراق و أمنه شكّل صاعقة على قيادة التنظيم الهاربة إلى الصحراء و هذا يعني عسكريّاً أنّ الجغرافيا السورية العراقية المتداخلة أصبحت ساحة حرب واحدة و أنّ داعش أصبح بين فكّي الكمّاشة العراقية شرقاً و السورية غرباً أي بمعنى آخر أنّ المعركة واحدة و لن تتوقف إلّا بالحسم و إنهاء التنظيم كُليّاً و هذا مصداقاً للقول السابق بأنّ تحرير تدمر هذه المرّة نهائي .
العبادي المُستند إلى إنتصارات الجيش و الشرطة الإتحادية و الحشد الشعبي كان له شرف تحقيق الإنتصارات السياسية و إعادة الهيبة للدولة العراقية حكومةً و شعباً ففضلاً عن تصريحاته المدوّية ذات الأثر العملي ليس فقط الخطابي ..
إستطاع أيضا بعمله الدؤوب و الديبلوماسي أن يُعيد نظر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في مسودّة قراره الأخير فيما يخصّ حظر الدخول إلى أمريكا و ذلك بإستثناء العراقيين منه ، و هذا يعني بشكل آخر الإثبات أنّ الشعب العراقي شعب الأصالة و التاريخ و الحضارة لا يمتُّ للإرهاب و التطرّف بصِلة .
إنتصار الموصل أيضاً أعاد العراق إلى صدارة الموقف العربي و أجبر الجار السعودي الّلدود بعدما تفرّد بقيادة الدول العربية بسلاح المال و النفط دون أيّ إرث حضاري أو سياسي ،
أجبره على المجيء إلى أرض الرافدين مهنّئاً بالنصر و مُغيراً موقفه مُكرهاً بعدما روّج في السابق أنّ داعش الشريعة الإسلامية هي الحقّ و ما تتعرّض له هو حصار و تجويع من قبل قوّات صفوية كافرة ضارباً السيادة العراقية بعرض الحائط و المقصود بالصفويين بطبيعة الحال الحكومة الرسمية و تعبير الصفويين هذا إذلالي يُقصَد به أن العراق حديقة خلفيّة لإيران ..!
إذن السعودية وضعت نفسها موضعاً حرجاً و زحفت إلى العراق خجلاً بعدما اعتادت زحف أشباه الحكام العرب إلى البلاط السعودي لتقديم فروض الطاعة و الولاء .
هذا المشهد أكاد أجزم أنه سيتكرر بعد فترة قصيرة من الزمن عندما تبسط الحكومة السورية سيطرتها على الرقّة و تُثبت للعالم مع الشقيق و الحليف العراقي أنّ من بنى بلده على أرض راسخة عمَدُها الحضارة و التاريخ و القانون و السيادة لن تهزمه بضع آلاف من المرتزقة ممن يقاتلون بالمال و لأجل المال متخفّين وراء عنوان الإسلام و الإسلام منهم براء و لن تُركعهم مشيخات البترول و بول البعير الطارئة على الحدث الدولي و السياسي ممن كانوا يرعون الإبل عندما كان العراق و سوريا يقودان الشرق ليس فقط العرب في أواسط القرن المنصرم .
فهل سيحتمل هؤلاء عودتهم إلى مكانهم الطبيعي في زيل الدول الجاهلية المتخلفة و عودة دعاة القومية و العروبة للقيادة من جديد ؟!
سؤال ستُجيب عنه أقدام الأبطال في سوح الشرف و الإنتصارات قريباً جدّاً إن شاء الله .