18 ديسمبر، 2024 11:08 م

من ایلول ١٩٦١ الى ایلول ٢٠٢٣

من ایلول ١٩٦١ الى ایلول ٢٠٢٣

تعد ثورة ايلول 1961  بقيادة الأب الروحي الراحل (مصطفى بارزاني)اول ثورة مسلحة كوردية ضد الأنظمة العراقية بعد الأنقلاب الذي قاده عبدالكريم قاسم ضد النظام الملكي وتغيير النظام من الملكية الى الجمهورية الدستورية، واندلعت الثورة بعد ان تنصل قائد الثورة(عبدالكريم قاسم) عن وعوده التي قطعها للقيادة الكوردية بمنح الكورد الحكم الذاتي ضمن خارطة الجمهورية العراقية. 

حاول قائد الثورة الكوردية الراحل(مصطفى بارزاني) من خلال الحوارات المباشرة والغير المباشرة مع قادة انقلاب 1958 حل القضية الكوردية في العراق عبر الحوار وبطريقة سلمية مقابل استمرار دعمه لحكومة قاسم،الا ان الأخير لم تكن لديه ارادة الحل السياسي، ومع وجود الحوارات كان يعد العدة ويهيئ الجيش للمواجهة العسكرية،وبعد ان شهدت الجبهة الداخلية والخلافات مع البعثيين استقرارا نسبيا،عاد قاسم وامرقادة الجيش بالأستعداد للقيام بالعمليات العسكرية ضد قوات البيشمركة،اذ شنت طائرات القوة الجوية غارات عديدة على القرى والقصبات الكوردية في معظم مناطق كوردستان مستخدمة قنابل النابالم الحارقة حيث تم حرق العديد من القرى واستشهاد العشرات من المدنيين فضلا عن مئات الجرى من النساء والاطفال.

 

وفي عهد عبدالسلام عارف واخيه عبدالرحمن استمر القتال في كوردستان ضد قوات البيشمركة ولكن كلما انطلقت مبادرة للحوار والحل السلمي لم يرفض البارزاني الخالد اية مبادرة ايماناً منه ان القضية الكوردية لا يمكن حسمها عسكريا والسبيل الوحيد لنيل شعب كوردستان لحقوقه القومية العادلة هو بناء نظام ديمقراطي في العراق يؤمن بحقوق الشعب الكوردي عبرالحوار البناء والأرادة الحقيقية للسلام.

 

في ظل تلك الظروف الداخلية والأقليمية والدولية التي كانت تمر بها منطقة الشرق الأوسط استمرالقتال في كوردستان لحين انقلاب البعثيين بقيادة احمد حسن البكرفي 17 تموز 1968 حيث اعلنت قيادة الأنقلاب عن عزمها حل القضية الكوردية في العراق ومنح الكورد حكماً ذاتياً ،الا ان حكومة البعث بعد مرور اربعة اعوام (1970-1974) من المفاوضات العسيرة والشد والجذب مع القيادة الكوردية التي تخللتها بعض الاحداث اثبتت عدم قناعتها بالأتفاقية ، وذلك بتدبير محاولة اغتيال فاشلة ضد البارزاني الخالد ،فضلا على محاولتي اغتيال فاشلة لقتل نجلي البارزاني، الراحل (ادريس بارزاني) وفخامة الرئيس (مسعود بارزاني) وتصفية قياديين اخرين في الحزب في تلك الفترة، في النهاية تنصلت بغداد عن وعودها بتنفيذ اتفاقية 11 اذار وذلك برفضها حسم قضية كركوك وخانقين ومناطق اخرى والجنوح للسلام،وعدت العدة لمهاجمة المناطق الكوردستانية،ما ارغم البارزاني الخالد الى عقد عدة اجتماعات مع قيادة الحزب الديمقرايطي الكوردستاني والقادة الميدانيين لمناقشة الخيارات المتاحة والأستعداد لأية مواجهة محتملة، وفي آذار من عام ١٩٧٤ بدأت القوة الجوية ومدفعية الجيش العراقي بقصف المناطق الكوردية بكثافة وقتل جرح عدد كبير من المدنيين العزل وبذلك فرضت حرب جديدة من قيادة البعث على قيادة الثورة الكوردية استمرت قرابة عام كامل.  

 

وبعد انهياراتفاقية اذار واندلاع القتال من جديد ومن ثم التوقيع على اتفاقية الجزائرالخيانية بين شاه ايران وصدام حسين ، بوساطة من الرئيس الجزائري في ذلك الوقت (هواري بومدين) في 6 آذار من عام 1975 منح صدام نصف شط العرب وبعض المناطق الحدودية العراقية لأيران مقابل سحب يدها عن دعم الثورة الكوردية، ما ادى الى انتكاسة الثورة ونزول قوات البيشمركة  من الجبال الى بيوتهم بعد اعلان قرار عفو عام عنهم من قبل النظام ولجوء عشرات الاف اخرين منهم مع القيادة الى ايران. 

 

وبعد انتفاضة عام 1990 التي اعقبت احتلال العراق للكويت وسيطرة قوات الجبهة الكوردستانية التي تشكلت من معظم الاحزاب والقوى السياسية الكوردية ودحر وطرد قوات النظام من جميع المدن والقرى الكوردستانية  وتشكيل حكومة وبرلمان كوردستان،استمرت حكومة اقليم كوردستان بأدارة المنطقة وشرعت ببناء البنى التحتية المدمرة من الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس وتقديم خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات البلدية بأدق تفاصيلها ،فضلا على احياء قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والقيام بحملة عمرانية كبيرة في جميع المدن والمناطق الخاضعة لأدارة الأقليم،بحيث اصبح الأقليم الناشئ انموذجا ناجحا بكل المقاييس مع حيث توفير الأمن والاستقرار وجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية. 

 

بعد التغيير الذي حصل في العراق نتيجة اسقاط نظام البعث على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية،كان للكورد اسهامات كبيرة ودور فاعل في التغيير وحماية المنشآت الحكومية التي تعرضت للسلب والنهب وشاركوا في بناء النظام الجديد وكتابة الدستور والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية،هذه المرة لم توقع اتفاقية سلام بين الكورد والدولة العراقية،بل كتابة دستورجديد في البلاد بوصفه صيغة عقد بين جميع العراقيين،صوت له اكثر من 80% من العراقيين بنعم و تم الأعتراف بحقوق الشعب الكوردي في مواد وفقرات منه كما تم الاتفاق على حل المشكلة الأزلية(كركوك والمناطق الكوردستانية الاخرى) بين الجانبين وفق المادة ١٤٠ وهذه المرة كان الشعب العراقي طرفا شاهدا بل ضامناًعلى حل القضية الكوردية من خلال تصويته على الدستور،لكن بعد مرور عشرين عاما على التغيير ورغم تشكيل مايقارب  ٨ حكومات متتالية،وبدلا من ان يحصل تقدم كبير من اجل حل القضية الكوردية الا اننا نلاحظ حكومة بعد حكومة وسنة بعد اخرى التراجع عن تنفيذ الدستور والتنصل عن غالبية بنوده وضرب الاتفاقايات والمواثيق والعهود عرض الحائط الى ان وصلنا الى التصادم المسلح في ٢٠١٧.

 

من خلال هذا الأستعراض للأحداث وتعامل الانظمة العراقية مع القضية الكوردية خلال اكثر من قرن نصل الى هذه الحقيقة وهي ان العقلية التي حكمت العراق في العهدين الملكي والجمهوري ومنذ اندلاع اول ثورة كوردية مسلحة في العراق والى اليوم الذكرى 62 لثورة ايلول العظيمة هي نفس العقلية لكن بمسميات جديدة لا تؤمن بالحل الديمقراطي العادل للقضية الكوردية وتحاول فرض ارادتها اما بقوة السلاح او استخدام سياسة التجويع وفرض الحصار الأقتصادي التي تستخدمها بعض القوى السياسية المتنفذة.

 

ان تنصل حكومة السوداني التي تهيمن قوى الأطار التنسيقي على قراراتها وتديرها من خلف الستار عن تنفيذ بنود قانون الموازنة الخاصة بمستحقات اقليم كوردستان الدستورية التي صادق عليه مجلس النواب والأتفاقية الموقعة بين تحالف ادارة الدولة والكورد في قضية عودة مقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى كركوك وما رافقتها من احداث دامية دلالة واضحة وبرهان قاطع لا يقبلان الشك ان ديدن حكام العراق في التعاطي مع القضية الكوردية من ايلول ١٩٦١ الى ايلول ٢٠٢٣رغم تباين ايديولوجياتهم مبني على الكذب والخداع والنكوص بالعهود، وينبغي للقيادة الكوردية الحصول على ضمانات دولية او ضمان طرف محايد ثالث قبل التوقيع على اية اتفاقيات مستقبلية مع بغداد.