22 ديسمبر، 2024 7:04 م

داعش التي يتحدث بها العالم ولم ينتبه لها احد قبل 3 أشهر ، وأخواتها وأشباهها من كل الانجاهات ، ليست مخلوقات فضائية هبطت علينا فجاة من السماء مرسلة من احد الكواكب ، ولا هي نقمة الهية لاختبار قوة ايماننا ….وانما هي ظاهرة قديمة قائمة في التاريخ ليست بأسمها ولكن بأسبابها وبطبيعتها وبسلوكها وباهدافها ….
هي ظاهرة ينتجها ظلم الحاكم ، وتتقوّى بالفساد وتتزوج بالجهل فيتزايد عدد مواليدها واتباعها ويتناسلون اكثر بسبب الممارسات الخاطئة لمعالجتها حتى تتغلغل بين الناس وتكون بديلا للمعارضة عندما تغلق السلطة الابواب امام المعارضة “الادمية” وتنكّل بهم في الشوارع والساحات ….
وتتطور الظاهرة بعد ان تنضج البيئة الحاضنة ، تماما كالبذرة تبقى داخل التربة ولا تورق الا عند توفر الظروف الملائمة وحين لا تلقى متنفسا لها فيسيطر عليها النافخون في النار ، فتموج الانفس الطامعة الى اي خلاص ،فتنقلب حينها الى وحش كاسر يحوّل اتباعه الى دمى دموية بشرية ( تماما كالدمية تشاكي ) ينفذون مايأمرون به كأوامر الهية مهما كانت ، فيكتسحون الارض لأنهم يشترون الموت بالحياة ….
داعش في العراق نتاج سفاح من تلاقح الاحتلال والظلم والفساد والسياسة الغبية والخيبة العسكرية وقصر نظر الحاكم ….ودعونا لا نعمل بنظرية المؤامرة الجاهزة ونلقي باللوم …كل اللوم على الخارج …فالخارج لا يستطيع اختراق صفوفنا مالم نترك له الثغرات في جدار بيتنا …والمال لوحده لا يستطيع تحوبل انسان الى مسخ ادميته وتحوله الى ألة لقتل النفس وقتل الاخرين مالم تتيسر الاسباب الاخرى التي تغذي التطرف وتهيأ له التربة الصالحة للنمو …والدليل لماذا لم تنتشر هذه الظواهر في الازمنة التي كان فيها الصراع بين الناس موجه نحو مواضيع سياسية وحياتية وليس تجاه مواضيع عقائدية ودينية وسط حملات التحريض والنكفير والنبش والضرب على الاوتار الحساسة للمكونات والطوائف لتمس كل ماهو مقدس للانسان ولكرامته وتصل الى تهديد وجوده لمجرد الاختلاف بالراي او العقيدة .
الاحتلال بغزوه غير محسوب النتائج وسياسته التقسيمية ، أسس لاول بذور تطرف في المجتمع العراقي ، فحّل الدولة ليكون بديلها الفراغ وكان من الطبيعي ان تملأه العصابات المنظمة وغير المنظمة لتعيث فسادا …ثم نصّب على دست الحكم دمى ونكرات وحاول اقناع العالم ان اساس المشكلة في العراق ان اقلية كانت تسيطر على الحكم ، لذا يجب اعادته الى الاكثرية ( وهو منطق اعوج لا يستوي وحقائق الواقع فلم تكن المشكلة في العراق قط كاتي صورها وسوقّها وهلل لها من استفاد منها ليبني مجده على اشلاء الدولة المنحلة ) …فزرع بذور التمرد داخل قطاع كبير من المجتمع لم ير في النظام الجديد ممثلا حقيقيا له فيما راى اخرون فيه عدوا يريد الغائه وابادته .
وكما أخطات اميركا في غزو العراق بناءا على معلومات الاستخبارات التي تفيد بامتلاك العراق لقدرات تسليح نووية وكيماوية وبايولوجية …ثم تبين عدم صدق هذه المعلومات …أخطأت مرة اخرى في تقدير حجم التحديات التي قد يواجهها الاحتلال في الداخل بسبب تقارير المعارضة الخارجية الكاذبة التي زينت له الغزو…ففوجئ بالمقاومة للاحتلال ، وفوجئ بان المعارضين الاشاوس لا يمتلكون على الارض اية قوة او معرفة حقيقية بشؤون البلد…فتخبط في سلسلة اجراءات اعتباطية كلفته الاف القتلى والجرحى ومليارات الدولارات ….ليسحب قواته من البلد في كانون الاول 2011 ، لكن بعد ان ترك العراق خرابا تفتك به القاعدة – الوليد الشرعي للوجود الاميركي – من جهة ، وعصابات الجريمة وميليشيات الاحزاب والدول المجاورة .
من الناحية الاخرى …قامت احزاب السلطة ….تسيّرها عقد طائفية وفئوية وجهل سياسي وقلة خبرة وتجربة في الحكم بتعزيز سياسة الاحتلال التقسيمية ولم تنفتح على الناس وتعاملت مع فئات عديدة في احسن الاحوال كأناس غير مرغوب بهم أوكأغراب وكان هؤلاء السياسيين (الغرباء أصلا ) اصبحوا يحكمون العراق بفرمان الهي ، وان العراق قد تم تسجيله طابو باسمائهم ليقرروا من هو العراقي الجيد ومن هو غير الجيد .
من ناحية اخرى لم تستفد السلطة من الخروج العسكري الاميركي لتعديل سياساتها في الداخل ، فعملت بمشورات الطارئين على الدين والسياسة لكي يزداد الشرخ في النسيج الوطني ولتفرخ القاعدة تنظيمات اشد تطرفا واكثر تنظيما ، خاصة بعد ان بات اكثر من 2 مليون عراقي في المهجر و3 مليون مهجر في الداخل ومئات الاف العاطلين والناقمين والمسجونين وملايين المهمشين ….يشكلون لبنة معارضة واسعة ناقمة لم يجر التعامل معها جيدا فتم تحوّل بعض هؤلاء بعد يأسهم من اي تغيير سلمي ، فيما تم استغلال اخرين من التنظيمات المسلحة …ليكونوا وقود التمرد الجديد .
بالنسبة للمقاتلين الاجانب ( ان كانوا مع داعش او مع الطرف الاخر ) …نسأل انفسنا : من الذي جاء بهم ؟ فبغض النظر عن الجهات التي جندتهم واستقدامهم الى العراق وسوريا ، الا ان الموضوع الاساسي يبقى مسألة اقتناع هؤلاء عن مبدأ فيما يقدمون عليه ….فهم لم ياتوا طمعا في مال او منصب وهم يعرفون ان الموت هو نصيبهم في كل الظروف …الذي جاء بهم ماخلفناه من صورة عقائدية بسياساتنا الهوجاء والجاهلة التي لا تمت الى العصر بصلة …فالقت على صراعنا مع بعضنا صفة المذهبية والطائفية التي اججت النفوس وساعدت المتطرفين في دعوات الجهاد التي لا اصبح صوتها مسموعا في كل انحاء العالم …
اوجدنا داعش اذن بسوء استشرافنا للمستقبل وعدم التقييم الحقيقي لقدراتنا على دحر الارهاب ودحر اسباب الفتنة التي تغذي الارهاب …فسمحنا للمحتل الغادر ان يفلت من العراق بخروج شبه مشرف وهو الذي كان على باب قوسين او ادنى من ان يعلن اندحاره …ورفعنا عنه تكلفة ومسؤولية اصلاح شؤون العراق ومحاربة الارهاب …واقنعنا انفسنا كذبا ونفاقا بقدرتنا على القيام بهذه المهمة …وعند اول تجربة في الرمادي والفلوجة …بانت نقاط الضعف لدينا …ثم جاءت الطامة الكبرى في الموصل وتكريت في حزيران …لتنهار القطعات بشكل مأساوي .
وهنا يخرج علينا السيد اوباما في مقابلة صحفية في البيت الابيض ليعترف بان استخباراته – التي تميز جنس الطير الطائر في سماء اي بلد ان كان انثى او ذكر – اخطأت في تقدير قدرات داعش خاصة وان عناصر القاعدة التي طردت من العراق الى سوريا عادت بعد ان اصبحت اكثر تنظيما وقوة ( والظاهر ان الاميركان بعد 11 سنة بالعراق لا يعرفون شيئا لحد الان عن العدو ) ….والادهى من ذلك اعترف ايضا ان الاستخبارات بالغت في تقدير قوة الجيش العراقي وقدرته على دحر الارهاب ( وكأن القادة العسكريون الاميركيون الذين اشرفوا على بنائه قد تباهوا بانهم تركوا ورائهم جيشا بمستوى تدريب الجيش الاميركي ) وانه فوجئ بانهياره …..
وهكذا نصبح في كل مرة ضحية اخطاء تقديرات استخبارات السيد بوش اولا ثم اوباما ثانيا ….وخطا تقديرات القيادة العراقية وثقتها الزائفة بنفسها وسياساتها العرجاء وتقارير مجموعة من القادة العسكريين الذين ان لم يكونوا جهلة فهم مجموعة من المتملقين والتجار المهتمين بتجارتهم اكثر من اهتمامهم بالدم العراقي وبمصير البلد ….
والان وقد بدأت حرب التحالف الدولي على داعش وقد رحنا نبوس ايدي دول العالم : ان تعالوا اقصفونا وانقذونا ( مع الحفاظ بالطبع على سيادتنا حسب تصريحات السياسيين اللغويين وهرائهم الذي يخلط الستراتيجية بلعبة المحيبس )…ومع تعثر هذه الحرب وهي في بدايتها ، فاننا نخشى من اخفاقات اميركية وعراقية جديدة تزيد الطين بلة ، ومنذ الان بشرنا الاميركين ان العراق سيكون ميدانا مفتوحا وملعبا لتدريب طائراتهم وسيعقبها حتما تدخلا بريا فينعاد الاحتلال وكانك يا ابو زيد ماغزيت…وان بقي هناك في مكان ما من ارض القهرين حجر على حجر …ابشركم سيتم في المدة المفتوحة للعبة الحرب الجديدة التي تفتقد لصافرات الحكم وكارتاته الحمراء ..
ان لم نرض بداعش اليوم …سيظهر من هو اشد منها واخطر واكثر تطرفا ….فالى من نوجه الملامة في خلق داعش وامثالها ؟ ه العبرة بقتل اكبر عدد من الدواعش فيما الاف غيرهم يحلون محلهم ، ام العبرة في القضاء التي تسببت في خلق داعش ومثيلاتها …؟ وهل الحل بخلق فتنة جديدة عبر الحشد الشعبي وكأننا في صراع قبائل من عصر الجاهلية ولسنا دولة تحترم نفسها وتحصر السلاح بيد جيش مهني يجب تقويم ادائه من جديد بمساعدة خارجية مقننة وبمجالات محددة ؟
كلمة اخيرة : أن واتت الاميركيين ، وعلى الرأس منهم رئيسهم اوباما ، شجاعة الاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليته …فهل يمتلك أي من المسؤولين العراقيين هذه الشجاعة ؟ أم هم على عهدهم مصرون بكونهم ملائكة ومعصومين لا ياتيهم الخطأ لا من تحت ولا من فوق ….وان الامر كله لا يعدو ان يكون الا “مؤامرات ” خارجية خاصة بعد اختصار الاتهام القديم لثلاثي المرح ” القاعدة والصداميين والبعث المجرم ” وتوحيده بـ” داعش ” التي اصبحت تضم كل من يقول لا وكفى ، واصبحت توحد لاول مرة ( والحمد لله على الوحدة ) دواعش الشيعة ودواعش السنة حسب اخر تصنيف لمختار العصر السابق ….