لم تتوفر للدراسه فى منتصف الستينات من القرن الماضى من العوامل المساعده كما هو عليه اليوم, فقد كان انجاز اى عمل ضمن مستلزمات الدراسه يتطلب جهودا مضنيه فى البحث عن مصادر حول الموضوع وثم صياغته بلغه معقوله ويقدم للاستاذ اواحد مساعديه مثبتا على الاله الطابعه. كان نظام الدراسه فى المانيا الغربيه فى الستينات والسبعينات فى حقول الدراسات الانسانيه ينقسم بالتساوى تقريبا الى المحاضرات التى يقدمها الاساتذه حيث تتميز بكثافة حضور الطلبه, والسيمينارات التى تدور حول مواضيع يطرحها الاستاذ ويتم اخيار المشاركه فيها من قبل الطلبه وتتم فى حلقات تتراوح بين الـ 29- 40 طالبا وتلزم المشاركه انجاز بحوث اوليه وبحوث متقدمه تتوافق مع متطلبات المشاركه فى الامتحانات والدرجه العلميه. لم تكن المحاضرات التى يقدمها الاساتذه مشوقه بالرغم من اهميتها, كما ان استمرارها لـ 1,5 ساعه تبعث على الشرود وقلة التركيز, وبعد نصف ساعة تجد العديد من الطلبه يترك القاعه دون ان يترتب على ذلك اى نوع من” العقوبات”. كانت النظريه التربويه فى المانيا تقوم على ان الطلبه فى مرحلة من النضوج فى تحمل المسؤليه وتخطيط مستقبلهم.
كنت اؤكد على المشاركه فى السيمنارات وانجاز ” البحوث” والتى كانت ذو فائدة كبيره فى تطوير مبادى الحوار والنقاش وتطوير الوعى الذاتى والوقوف على الاسلوب والمعرفه ومحتوى اتفكير الذى يقدمه الطلبه فى النقاشات. الا ان المشاركه فى السيمنارات وكتابة البحوث لم تكن بهذه البساطه والسهوله كما اكتب هذه السطور على الكومبيوتر. كانت عملية البحث عن المصادر تلزم زيارة مكتبة الجامعه ومكتبة الكليه التى تحتوى على ادبيات اساسيه حول مختلف المواضيع, وكان مجلدان ضخمان لابد من الرجوع اليهما للتعرف على مصادر تشمل مختلف الانجازات, اولهما هو معجم المؤلفين والتانى معجم المواضيع وهذان المجلدان يمثلون عملا ببليوغرافيا كبيرا يثير الاعجاب والاحترام. ان المشكله تكمن فى توفر هذين المجلدين حيث لا يتوفر منها فى المكتبه اكثر من 1-2 نسخه وغالبا ما تكن تحت تصرف الاخرين ولا يمكن استعارتها خارج المكتبه وبذلك لابد من الصبر وتسجل اسمك فى القائمه لحين تتحاح لك الفرصه, والقضيه لاتنتهى فى الحصول على اسماء مؤلفين ومواضيع منشوره, وانما ان تبحث عنها فى رفوف المكتبه ويمكن ان تكون نافذه او مستعاره من اخرين. كانت البحوث تلزم جهود كبيره لانجازها فى الاوقات المحدده لها, واذا لم يتم ذلك فأن البحث والعناء يتجدد فى السنه القادمه, وغالبا ما يطرح استاذ اخر مواضيع جديده ليس لها علاقه بموضوع السنه السابقه, هذا يعنى تجدد حاله البحث والمثابره والصبر.
المعاناة الثانيه ترتبط بكتابة الموضوع على الاله الطابعه, وهذا العمل يرهق الذين يجيدون استخدام الاله الطابعه بحكم عملهم الوظيفى او الادارى, فما بالك من طلاب عراقيين لم يسبق لهم التعامل مع هذه الاله الرفيعه اصلا!!. ان الكتابه على الاله الطابعه تمثل للمبتدأ ارهاقا ما بعده ارهاق, بداية من البحث عن مكان الحروف والتعود على وضع الفاصله والاغلاط الكثيره المتكرره التى يجب ان تحذف بواسطة سائل معين ويعاد كتابتها, وحينما تكتشف خطأ املائيا او نحويا فان ذلك يعنى اعادة كتابة الصفحه ووضع الكاربون للحصول على نسخ اخرى. ان امكانية تكليف اخرين بانجاز الطباعه لقاء اجور لم تكن زهيده وكان احيانا لابد منها. لم تبقى محدوديه الوسائل المساعده فقد حصل تطورا كبيرا فى الالات الطباعه وخاصة ما قدمته شركة الـ IBM الاميركيه العملاقه فى صيغة الكرة المعدنيه المتحركه وقاعدة الحروف المنظمه والتى اخذت مساحة اكبر من سابقاتها. منذ النصف الثانى من القرن الماضى حصلت تغيرات كبيرة مهمه فى انجاز الاعمال المكتبيه فقد تم اختراع جهاز الاستنساغ الذى وفر جهودا كبيره فى توفير نسخ متعدده من الموضوع بسرعه كبيره, ثم جاء لاحقا جهاز الفاكس الذى يعمل على ارسال المطبوعات لمسافات بعيده ويعمل كذلك على ادامه التواصل والاستشارات السريعه عن بعد مع الاخرين. لا شك بان اختراع الالله الحاسبه ألـ ” كولكولتر” كان فتحا عظيما وخدمه لاتقدر بثمن قد وضعت فى ايدى الدارسين والعاملين فى مجال العلوم الهندسية والرياضيات تتمتع بقدرة كبيرة على سرعة انجاز العمل وتوفير الجهود والتكاليف. منذ اكثر من اربعة عقود نعيش فى بحبوحة منجزات وابداعات التطور التكنلوجى الرقمى ا”الهاى تيك “” الذى اثر تاثيرا عميقا فى مفردات حياتنا المهنيه والعامه وفى جميع الحقول والمجالات, واصبحت مقولة ” ان العالم قد اصبح قرية صغيره” تعبر عن حقيقه قائمه. اننى سوف ابقى فى مجال عملى وحاجتى المباشره فى استخدام ” الكوميوتر-Computer ” فى البحث عن المصادر وكتابة البحوث على الرغم من الامكانيات الهائله التى يقدمها لك الكوميوتر. انى استخدم “برانامج الورد” والكوكل- Google ” فى البحث عن مصادر ومنشورات حول الموضوع الذى انا بصدده, وسرعان ما تطرح كتب وبحوث عديده لعدد من المؤلفين والباحثين. ان الويكيبيدا- تقدم مواضيع لعدد من الباحثين ولفترات مختلفه وتعتبر ذو فائدة عظيمه والتى يمكن ان تشكل مدخلا عاما وبداية واعده للعمل, كما تتوفر بحوث وماضيع مستقله من تاليف وانجاز عدد من الباحثين والمختصين, هذا بالاضافه التعرف على عدد من المعاهد العلميه المتخصصه التى تقدم منشوراتها والبحوت التى انجزتها والنتائج التى حصلت عليها. ان الاستمرار فى البحث تحت تسمية موضوع ما يقدم عددا كبيرا من الجمعيات العلميه التى تنشط بشكل غير رسمى كموسسات المجتمع المدنى التى لها اهتمامات واهداف معينه, مثل جماعات علم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والبيئه…الخ, عدا جملة من العوامل المساعده الاخرى. ان الكومبيوتر, هذا الجهاز الرائع ذو الامكانيات اللامحدوده فى مجال الكتابه بقدم خدمات فى تصحيح الاخطاء الاملائيه, ويمكن حذف وتصحيح جملة ونقلها من مكان الى اخر دون عناء مع الاحتفاض بالنص. ان هذا القليل مما ذكرته يعتبر نقلات نوعيه فى عملية البحث والتدوين. ان ما كان يمكن انجازه فى بضعة ايام او بضعة اسابيع يمكن انجازه باستخدام الكومبيوتر فى بضعة ساعات ودون عناء وعذابات, وحينما افكر بمرحلة الستينات والسبعينات مقارنة بما نحن علية من تقدم علمى وتنكنولوجى اجد نفسى وكانى فى الجنة الموعوده. فى حقيقة الامر, ان الباحثين والمثقفين , اذا كان لهم الولع والبحث العلمى والانتاج, انهم فى طريق معبد بالورود والرياحين, وكذلك مؤسسات الدوله التى تستطيع ان تحفظ على ملايين الوثائق والفايلات لمختلف الحقول فى بضعة اقراض يمكن استنساخها والمحافظه عليها بسهوله ولا تشغل مكانا كبيرا ويمكن الرجوع اليها بكل سهوله. انه مشروع الساعة ومشروع للمستقبل.