23 ديسمبر، 2024 5:18 م

من انحطاط الى أحط

من انحطاط الى أحط

مشكلة بعض العرب انهم لا يجدون وقتاً للقراءة، ولئن قرأوا لا يصدقون ما يقرأون او قد لا يأخذونه على محمل الجد. اما الذين يقرأون ويفهمون فأنهم لا يستعملون فهمهم وعلمهم لخدمة المسؤولين او امتهم او قضاياهم بمقدار ما يستخدمونه لخدمة طموحهم وغاياتهم الشخصية.

فالحلف الاستراتيجي الامريكي (الصليبي)، الاسرائيلي (الصهيوني)، الايراني (الصفوي)، الذي تكشف الاحداث كل يوم اهميته بل وخطورته على المصير العربي.

كم من الحكومات العربية توليه اهتمامها؟

وكم من المخططين السياسيين العرب يعملون على تدارك نتائجه وحصر عواقبه؟

صحيح ان اقطاب هذا الثالوث لم يكونا بحاجة الى توقيع او اعلان حلف استراتيجي بينهما كي يتعاونا وينسقا خططهم التفتيتية والعسكرية والاقتصادية…. فأمريكا دولة براغمانية توظف سياستها كما يوظف التجار اموالهم، حيث يوجد الربح، ناهيك عن اسرائيل التي مللنا من تحليل خفايا سياساتها، ايران اليوم، فهي الخطر الجديد، دولة انما تقوم اليوم على انتهاز الفرص التاريخية، ومن الطبيعي ان تستفيد المصالح الستراتيجية الامريكية في الشرق العربي لتقطف اكبر كمية من المكاسب في مختلف الميادين.

فمساندة بعض الدول الاوروبية للقضايا العربية حولته ايران في نظر السياسة الامريكية الى خطر اوروبي على المصالح الامريكية في الشرق العربي والمنطقة العربية قاطبة.

وكفاح الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه تحول الى ارهاب دولي. واجتهاد بعض الاقطار العربية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في التسليح تحول الى خطر لا بد من وقفه وكبحه.

والسؤال هو: هل يستطيع العرب فك هذا الحلف الستراتيجي الخفي؟ او على الاقل التخفيف من انعكاساته السلبية على المصلحة العربية؟ او على الاقل موازنته بحلف استراتيجي آخر؟ ام ان على الاقطار العربية ان تعتبر ايران الولاية الامريكية الثالثة والخمسين والتصرف على هذا الاساس؟

وحتى اذا اعتبر العرب هذا التحالف نهائياً وكاملاً وشاملاً، فأي خطة او اتجاه هو الافضل للرد عليه، التحالف مع قوى كبرى موازية له؟ ام اتباع سياسة حياد وتوازن بين هذه القوى –فقط الكبرى-؟ ام اقامة احلاف جديدة مع دول في افريقيا واوروبا وامريكا اللاتينية؟

ان الاجابة على هذه التساؤلات المصيرية التي لم يكف المسؤولون والقادة والمفكرون العرب عن طرحها منذ ستين عاماً غير ممكنة طالما ان الامة العربية مجزأة الى اكثر من عشرين دولة مختلفة ومتناخرة بل ومتعادية، دول تستورد غذاءها والمواد الحياتية الاساسية، دول يهاجر العلماء والمثقفون منها الى الخارج بعشرات الألوف، دول لا يعجز حكامها عن الالتقاء والاتفاق فحسب، بل تعاني شعوبها ومجتمعاتها من الداخل ازمات سياسية واقتصادية وعقائدية لا تنتظر سوى – عود كبريت- من الخارج لتتحول الى –فتافيت-.

لكن اذا كان الواقع ما هو عليه ووحدة الكلمة او الصف او الموقف صعبة بل ومستحيلة، أفهل نترك اقطاب هذا الثالوث او احده يتحكمان بمصير المنطقة من جهة ونترك انفسنا من جهة اخرى تغرق يوماً بعد يوم في وحول الانقسامات والحروب الداخلية والتخلف الاقتصادي؟

ان البكاء على الاطلال لا يجدي، واتهام هذه الدولة او تلك بتسبيب مصائبنا ونكباتنا وانتكاساتنا اصبح معزوفة قديمة لا بد من الخروج من هذه المآزق التاريخية والمصيرية التي تَجمدنا عندها، مآزق العراق الآن، مآزق لبنان، مآزق سوريا، وفلسطين واليمن وليبيا والبحرين والسودان… ولا نذكر المآزق الاخرى الاخف وطأة.

ما العمل؟

سؤال كبير ملح يطرحه رؤوساء الاقطار العربية كل يوم على انفسهم كما يطرحه كل مواطن عربي.

ما العمل، والى اين نسير؟

دعاة الحل الديني هم الذين يهزون اكثر من غيرهم جدران الواقع العربي ويأتي بعدهم اليساريون الذين يحفرون تحت هذا الواقع اساسات اخرى مناقضة كلياً للاساسات الدينية، اما القوميون العرب فانهم بعد غياب الزعيم جمال عبد الناصر وانشغال العراق بأوضاعه… يحاولون المحافظة على ما تبقى من المبادئ القومية المشتركة، ولكن صوتهم يكاد يضيع بين الحالمين بالجنة والداعين الى الفردوس الارضي.

اما الحكومات العربية فهمها ان تجد غذاءً كافياً لملايين الاطفال العرب الذين يولدون كل عام، وان تجد عملا” لملايين العاطلين عن العمل الذين عادوا الى اوطانهم بعد انحسار موجة الازدهار الاقتصادي الاوروبي، وان تسدد ثمن الاسلحة التي استوردتها للدفاع عن حدودها او انظمتها.

أوهل يطلب ممن لا يستطيع ان يرفع عينيه لحظة عن ارض الواقع المرير، ان يرفع بصره ليحدق بعيداً نحو افاق جديدة؟

سألني أحدهم مؤخراً، وكنا في حديثنا قد وصلنا الى هذه الخلاصة المؤلمة – اوَّلاترى اي بصيص نور من خلال هذا النفق المصيري المظلم؟

ووجدت نفسي أقول وفي نفسي ألف حسرة وألف شك. المشكلة الاولى يا صديقي، هي اننا مازلنا نعتقد بأن الحياة او الواقع او المصير هو أحد اثنين، ابيض او اسود، حرب او سلام، ازدهار او فقر، بينما نحن كسائر شعوب الارض دخلنا عصر المصائر الرمادية حيث لا ازدهار ولا سلام بدون ثمن، وحيث لكل شيء حسابه، ولكل ايجابية سلبيات، فنحن نريد مجابهة العالم الصناعي المتقدم علمياً، في الوقت الذي نرفض فيه اتباع الطرق التي اوصلته الى التقدم.

نرفض الروح العلمية ونخاف من الحرية والديمقراطية ونريد استعادة امجادنا دون ان ندرك ان امجادنا او عصرنا الذهبي لم يكن مساحة من الكرة الارضية احتلتها جيوش عربية ولا قصوراً او قلاعاً شادتها بل رسالة انسانية تدعو الى الحرية والمساواة والعدالة حملها دعاة جدد.

اننا اليوم نفضل التراب والحجر على الانسان، والشكل على الجوهر، والعائلة على العشيرة، والعشيرة على القبيلة، والقبيلة على الدولة، والدولة على الوطن، والوطن على الامة… وندعي العكس تماماً.

لقد احتفظنا بسلبيات تراثنا العربي كالعصبية القبلية والثأر، وأود البنات – معنوياً ــــ وكدنا ننسى اجمل ما في هذا التراث، الايمان والشجاعة والكرم والوفاء، واقتبسنا من الغرب مباذلة وهواياته وماديته ولم تقتبس منه الروح العلمية والحرية والديمقراطية والتنظيم المدني، فكيف تريدني ان اجد بصيصاً من نور في هذا الظلام النفساني الذي يخيم على رؤوسنا في هذه الصحراء الرمادية التي نتبه فيها؟

قال- اوَّليس هنالك من معجزة تنقض هذا الواقع وتعيد للانسان العربي ثقته بنفسه وبمصير امته؟

قلت- لقد منت الاقدار على العرب بثلاثة او اربعة قادة تاريخيين كبار جددوا بعثهم ودفعوا بهم خطوات الى الامام، ولكن الاقدار والدول الكبرى ايضاً لم تشأ لهم ان يكملوا المسيرة، اما اليوم فلو لم أكن مؤمناً بان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو آخر الانبياء لقلت – لن يخرج العرب من تيههم الا بنبي يحطم الاصنام القائمة في رؤوسهم ونفوسهم ويبعث فيهم القيم التي تحررهم وتوحد صفوفهم وتبرر وجودهم ودورهم في عالم اليوم.

*[email protected]