23 ديسمبر، 2024 6:13 ص

من امير المؤمنين الى رئيس جامعة الانبار

من امير المؤمنين الى رئيس جامعة الانبار

لك الرفعة والفخر كله حينما يخاطبك امير المؤمنين علي عليه السلام ويوجه لك ولكل مسؤول يحمل امانة في عنقه جملة نصائح من اروع ما سطرته الاقلام وحفظته الكتب, وقد سعيت لإيصالها اليك بشكل شخصي لكنك أبيت ان تسمعها وقفلت بوجهي الاتصال, وقد ازعجني ما سمعته من اخبارك التي لا تبشر بخير, وبالتأكيد ليس لديك شك بحسن نيتي تجاهك, وأنشر هنا هذه النصائح العظيمة لعلك وغيرك تنصتون لها وتكون لكم دستور عمل لتحفظكم من الزلل والخطايا, فان تشرب المُر لتشفى خير لك من ان تشرب الحلو لتمرض.
والنصيحة الاولى التي يوجهها لك أمير المؤمنين هي ((انصف الله وانصف الناس من نفسك, ومن خاصة اهلك, ومن لك هوى فيه من رعيتك, فإنك إلا تفعل تظلم, ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده)), وهنا ادعوك ان تتجنب الظلم او ان تستمر فيه, فالظلم ظلمات يوم القيامة, وان الله يسمع دعوة المضطهدين, فما بينه وبين دعوة المظلوم حجاب, وعليك ان تعلم ان عدل قائم خير من عطاء دائم, وقيل لا يكون العمران حيث لا يعدل السلطان, وعليك ان تعلم ان اصدق تعريف للعدالة هو الانصاف, وان الدّ اعداء العدالة هو التحيز, فاسأل نفسك :هل أنصفت وعدلت في ادارتك؟ وهل عدلت بين المتخاصمين ؟, وهل مِلت لجانب على حساب اخر؟, وهل تعلم ان الظلم يخرب الديار؟, ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا).
النصيحة الثانية ليقول لك عليه السلام, هي (( اعلم انه ليس شئ بادعى الى حسن ظن الوالي برعيته من احسانه اليهم, وتخفيفه المؤنات عليهم)), وهنا عليك ان تعلم ان احب الاعمال الى الله هو الاحسان الى الناس وكما قال ابن خلدون فان الاحسان الى الناس هي النعمة الكبيرة التي تجعلك تدافع عن رعيتك وتتودد اليهم وتتقرب منهم, وان حقيقة المسؤول تكمن في انه المالك للرعية القائم في خدمة امورهم, وهنا اسألك : هل كنت لينا وسهلا مع موظفيك, أم منغلقا ومتزمتا؟, وهل استخدمت لغة التهديد والوعيد معهم لأنهم علقوا في مواقع التواصل بكلام لم يعجبك؟, وهل وبخت موظفات بكلام جارح امام زملائهن دون مراعاة لخصوصيتهن ؟ وهل اتخذت قرارات بدافع الانتقام والتصفية ضد من لا يدور في فلكك؟, وهنا اذكرّك بما جاء في سورة ال عمران ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك), وأعلم ان افضل ترياق لسم المؤامرات هو الحصول على حب عامة الناس, (فأعطهم من عطفك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه).
النصيحة الثالثة (( ثم انظر في امور عمالك, فاستعملهم اختبارا, ولا تولهم محاباة واثرة, فانهما جماع من شعب الجور والخيانة…)), وهذه امانة ثقيلة ان تختار من بين الموظفين من هو الاكثر كفاء ونزاهة بعيدا عن المجاملات والاتفاقات, وان عليك ان تبتعد عن المتملقين اهل المصالح وهنا عليك ان تقرأ ما قاله ميكافيلي (( ان حواشي الملوك والامراء تعج بالمتملقين, ذلك لان الانسان يحب ذاته وهو يخدع نفسه فيما يخصها)), وهنا اسالك: هل اعطيت لأحد منصبا دون وجه وحق؟, وهل نصّبت احدا لأنه يجاملك وينافق لك ويجمع لك الاخبار من حولك؟, ثم هل كلفت صهرك لتكلفه بمركز مهم في الجامعة؟, فهل تريد ان تؤسس لمبدأ التوارث في رئاسة الجامعة, كما هو الحال في السياسة؟, وهل منعت الباقين من الترشح لمناصب المقدمة في الجامعة فحجبت عنهم استمارة الترشح والذهاب الى الوزارة للمقابلة؟, وهل تعلم الوزارة بانك أخفيتها وحصرتها بدائرة ضيقة من اصحابك المقربين الذين رشحتهم, ألم تقرأ قول امير المؤمنين(( ولا تقطعن لأحد من حاشيتك قطيعة؟)).
النصيحة الرابعة من امير المؤمنين لك ولكل صاحب منصب هي (( واياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء فان ذلك من اوثق فرص الشيطان في نفسه…., واما بعد فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور)), وقد قيل ان هناك ثلاث مهلكات هنّ شح مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه, وقيل الناس لادم وادم من تراب فما لابن ادم والفخر والعجب؟, وقد نهى عليه السلام عماله وولاته بعدم الاحتجاب عن الناس, لأنه يأتي بأخطار عظيمة لا مبرر له اقلها انعدام الثقة بين الافراد والمسؤول, فهل فتحت بابك لكل الناس دون تمييز بين البسطاء منهم وبين اصحاب النفوذ والسلطان؟, وهل وسعت صدرك وخرجت الى العلن وتركت كرسيك ووقفت بين موظفيك تراهم عن قرب وترى معاناتهم وتسمعهم دون عصبية او تهديد او صراخ او توبيخ وتعنيف؟ .
واقرأ بتأن وهدوء بعيدا عن المكابرة ما يقوله الامام علي وهو يخاطبك ويخاطب كل مسؤول مؤتمن (أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة، واحتقاراً وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا [يقربوا] لشركهم، ولا أن يقصوا [يبعدوا] ويجفوا [يعاملوا بخشونة] لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه [تخلطه] بطرف من الشدة، وداول [اسلك فيهم منهجاً متوسطاً] لهم بين القسوة والرأفة، وأمرج لهم بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء إن شاء الله).
اتمنى عليك أن تعي ما جاء في هذه النصائح العظيمة وأن تخلو مع نفسك وتراجع كل كلمة وردت فيها إن انت استوعبتها, وان تبتعد عن مشورة البعض الذين يُجّمِلون لك الباطل فتراه من الحق ويقبحون الحق فتراه من الباطل, وتقبل اسمى اعتباراتي.