من المسؤول عن سقوط الموصل ؟…أجابات من التاريخالتاريخ يعيد نفسه ..هي مقولة اثبتت صحتها عبر حركة التاريخ وفلسفته التي تفرض على المجتمعات تكرار متوالية قد تختلف فيها الظروف والحثيات وطبيعة الاحداث ، تبعا لعوامل الزمن والجغرافية ، لكنها تفرز النتائج نفسها وردة فعل متشابهة لدى البشرية عبر العصور ، على الرغم من ان التاريخ في الكثير من الاحيان قد صور هذه الاحداث حسب رغبات وميول وتوجهات الاقلام التي خطته ، وفي خضم هذا التاريخ بقي العقل العربي والاسلامي يبحث دائما عن شماعة يعلق عليها جميع هزائمه وانتكاساته وضحية يوجه اليها سهامه عبر نظرة احادية كانت السبب الرئيسي في تخلفهم وتراجع نتاجهم الحضاري ..حين سقطت بغداد بيد المغول سنة 1258 ميلادي وسقطت معها الخلافة العباسية التي كانت متمثلة باخر ملوك بني العباس المستعصم بالله ..في ظروف واحداث شابها الكثير من الضبابية والغموض ، وشكلت انعطافة كبيرة في حياة العرب والمسلمين ، لذلك حاول البعض نقل احداثها بطريقة لايمكن تجريدها من البعد الطائفي والعنصري ..وذلك للتنصل من حالة الخنوع والضعف والفساد التي ادت الى هذا السقوط .. فحمل الفكر القومي الطائفي العربي نتيجة سقوط بغداد بيد المغول في رقبة وزير المستعصم (ابن العلقمي )..ونهالت عليه الشتائم واللعنات على مر التاريخ واتهامه بالخيانة وقيامه بتسليم بغداد الى المغول ..كما ذكر ابن كثير في تاريخه واشار اليه بعبارة (ابن العلقمي صاحب الجريمة النكراء بتسليم بغداد الى المغول ) ..والسبب وراء هذا الاتهام كون ابن العلقمي من الطائفة الشيعية ..وتناسى ابن كثير وغيره من المؤرخين الذين حاولوا تفسير ماحدث في اطر طائفية مقيته ، بان الفترة التي سبقت سقوط بغداد بيد المغول كانت فترة تعاني فيها الامة الاسلامية من التفكك والضعف وكان الفساد يدب في كل مفاصل الدولة والخليفة مشغول باللهو والخمر ..كما اشار الهمذاني في كتابه (هولاكو)..ان ابن العلقمي ماهو الا واحد من بين العشرات الذين كاتبوا هولاكو لاخذ منه الامان لطوائفهم ، وان الكثيرين من رجال الدولة العباسية وعلمائها قد كاتبوه لنفس الغرض ..ولم يتخذ ابن العلقمي هذا القرار الا بعد ان اسس جيش كبير لمحاربة المغول ورفض الخليفة المستعصم تجهيزه بالمال والسلاح..وبعد قرون من هذه الحادثة كان هناك سقوط لمعقل اخر من معاقل العرب والمسلمين شكلت نهايته تراجيديا محزنة لنهاية حلم حصلو عليه بقوة السلاح وافاقوا منه بقوة السلاح ايضا ..انها غرناطة اخر مدن الاندلس التي صمدت بوجه التحالف المسيحي المقدس لامارتي ليون وقشتالة ..والتي باعها ملكها ابي عبد الله الصغير بحفنة ضغير من اكياس الذهب والتي لم يحصل عليها ، فغادر مملكته هاربا بعد ان سلمها لحاكم قشتالة الامير فرناندوا ، وذهب يبكي وهو يقف ناظرا اليها وقد استبيحت هي واهلها المسلمين من قبل الفاتحين الجدد فقتلوا وعذبوا تحت عنوان محاكم التفتيش ، كما اشار الكاتب عبد الله عنان في كتابه (نهاية الاندلس ) ..لينهي هذا الصراع الذي في داخله كلمات امه التي شكلت جدلية منطقية تفسر فلسفة الهزيمة عبر التاريخ ، حين قالت له ..(ابكي بكاء النساء على ملك لم تحفظه حفظ الرجال )..وكان سقوط غرناطة نتيجة حتمية لتداعي الممالك الاسلامية في الاندلس وهزيمتها جميعا امام المد الصليبي ، وبقائها لاكثر من قرنين تحاول الصمود وحدها في وسط عدائي دون الحصول على اي مساعدة من المسلمين او من راعية العالم الاسلامي اّن ذاك الدولة العثمانية ..وهنا السؤال التاريخي الكبير ..هل ان ابن العلقمي وملك غرناطة ابي عبد الله الصغير وغيرهم العشرات ممن خانوا او تخاذلوا وتامروا على اوطانهم يتحملون المسؤولية التاريخية لوحدهم ..؟..ان الاجابة على هذا السؤال تحتاج الى نظرة موضوعية عميقة ودراسة منطقية للاحداث وبتجرد بعيدا عن الميول والرغبات التي تمليها علينا انتماءاتنا وتخندقاتنا ..فلا يمكن باي شكل من الاشكال ان تنهار وتنهزم الامم وتضمحل الممالك والحكومات وتنتكس مالم يوجد في رحمها وبين ثنايا حراكها السياسي والاجتماعي خلل كبير افرزه كم هائل من المشاكل المتراكمة ادت الى حدوث هذه الهزائم ..وما هؤلاء الاشخاص الا ادوات بسيطة نتجت عن تداعي المنظومة الاخلاقية والاعتبارية لهذه الامم تلاها تداعي منظومتها الامنية والتعبوية التي ادت الى سقوطها بيد الغزاة والمحتلين ، وماخيانتهم وتخاذلهم الا القشة التي قصمت ظهر البعير ، وهنا نأتي الى بيت الشاهد..عن حين غفلة من الزمن والتاريخ سقطت الموصل بيد الارهاب العابر للحدود وحواضنه ، وأنهارت المنظومة الامنية بين ليلة وضحاها هناك وفي بعض المدن العراقية الاخرى دون مواجهات او قتال .. بطريقة دراماتيكية تداخلت فيها الخنادق حول من هو المسؤول عما حدث ، وبصورة تعكس هشاشة الوضع الذي كان قائما على الارض ..والذي ادى الى هذه الانعطافة الخطيرة في تاريخ العراق الحديث ..وهنا لايمكن تبرئة محافظ الموصل وقياداتها الامنية مما حدث وتحميلهم المسؤولية القانونية والاخلاقية لخيانتهم وتخاذلهم وتسليمهم ثاني اكبر مدن العراق الى اعتى قوى الشر والظلام التي عرفتها البشرية والمتمثلة بداعش وحلفائها الذين يحلمون بعودة الامس القريب ، لكن ما المحافظ والا القيادات العسكرية التي سلمت هذه المدينة الا انعكاسة حقيقية لواقع سياسي وامني ضعيف ومضطرب استمر الاحد عشر سنة ، ساهم الجميع فيه بلا استثناء ومن ضمنهم امريكا ، وناتج لصراعات حزبية وفئوية تجاهل فيها قادة العراق الجدد المسؤولية التاريخية الملقات على عاتقهم في بناء الدولة العراقية الجديدة بعد الانهيار الذي تلا دخول قوات التحالف الى العراق عام 2003 واستغل الخونة والمتامرين هذا الخلل والضعف ونفذوا مخططهم الاجرامي الجبان ..وكادت ان تحل الكارثة لولا تصدي المرجعية لهذا الخطر الداهم واصدارها فتوى الجهاد الكفائي ، دفاعا عن الوطن والمقدسات والاعراض والتي ولدت زخما جماهيريا استطاع ان يعيد امتلاك زمام المبادرة من جديد وارجاع الثقة للمواطن العراقي التي اصيبت بهزة عنيفة ..وهنا على الجميع استغلال هذا لزخم الذي ولده حضور المرجعية الدينية والعمل على اعادة النظر بكل ما حصل وبناء منظومة امنية جديدة قوية يقف خلفها نظام سياسي متماسك يؤمن المنتمين اليه بالعمل من اجل خدمة ومستقبل الانسان العراقي بعيدا عن الانتماءات الحزبية الضيقة والعناوين الطائفية والقومية ، التي كانت السبب الرئيسي في هذه الكبوة التي حصلت.