18 ديسمبر، 2024 9:12 م

من المسؤول عن دماء البصريين؟؟؟

من المسؤول عن دماء البصريين؟؟؟

تابعت العديد من التصريحات والكتابات لمن يسمون بالمتصدين للوضع العراقي السياسي والاعلامي بخصوص الوضع المزري والمتفجر في البصرة والاسباب التي ادت الى سقوط ضحايا واحراق بعض المكاتب والمؤسسات والمقرات التابعة للاحزاب والدولة , وكلها مازالت تحوم في اطار التخوين تارة وفي اطار سوق التهم للمتظاهرين دون ان يهب الجميع الان لوقف نزيف الدم في البصرة وتنفيذ مطالب المتظاهرين وهي مطالب مشروعة وتنفيذها ممكن تماما في ظل الاموال المتراكمة التي هي من حق البصرة سيما وان البصريين يطالبون بالقدر المتيقن والادنى من حقوقهم المشروعة في توفير المياه الصالحة والكهرباء وتبليط الشوارع والمجاري وتنظيف مياه الانهر ذات الروائح الكريهة واعادة تاهيل البنى التحتية للمحافظة وفرز قطع الاراضي للسكن بدل البيوت العشوائية وهذه المطالب المحقة والانسانية لاتحتاج الى قرارات مكلفة ولم تكن ذات تمويل طائل.
البصرة – اخوتي في الله – تعيش منعطفا خطيرا واستثنائيا لايقف عند الحدود الجغرافية للمحافظة , بل يهدد الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي والامني وحتى الاجتماعي على مستوى الدولة العراقية , والحراك الجاري في البصرة مرشح للانتقال الى المحافظات الجنوبية والوسط في القادم من الايام , لان المشكلة لاتكمن في الوضع البصري رغم انه يحتل الصدارة بل ان غالبية محافظات الجنوب والوسط تعاني من نفس هذه الاشكاليات .
ان مايجري في البصرة هو خليط من مطالب مشروعة واسقاطات سياسية وترسبات نفسية , وان استمرار هذا الوضع بصورته الحالية دون حل ناجع وجذري من قبل المسؤوليين سيفتح الابواب امام عاصفة من الفتن والصراعات والمخاضات والتدخلات الخارجية , كما انه فتح بالفعل الباب امام تنظيمات سياسية متناقضة للدخول على خط الازمة والترحم على النظام السابق علما بان غالبية الحراك الاحتجاجي الراهن هم من الاعمار الفتية – الشبابية التي لم تعاصر النظام السابق ولم تعرف سياساته الظالمة الا انها مخدوعة بابواق ومؤسسات النظام الصدامي المقبور التي تتحمل الحكومة الحالية الوزر في التعاطي معها باشكال وعناوين مختلفة للبقاء في السلطة , ان سبب وقوع الشباب في شراك الاخرين هو ان الحكومة الحالية وعلماء الدين والاعلاميين لم يستيطعوا استقطاب هذه الفئات العمرية – الشبابية التي تركت بلاعمل وبلا امل لتكون فريسة لافكار جهنمية سيما وان حيوية وغضاضة الشباب تدفع هؤلاء للقيام باعمال خطيرة تكون ارواحهم ضريبة للشحن الفكري المزيف والمبرمج من خلال ادوات ومؤثرات اعلامية صادمة وجذابة في نفس الوقت .
استغرب لماذا غط الجميع في نوم عميق خلال ثلاثة اشهر من الصراخ والعويل في البصرة وكل ما قامت به الحكومة المركزية والمحلية هي مجرد وعود فارغة ومجاملات شكلية لم تفض الى حلول جوهرية , واذا كان البعض يصف ما يحدث في البصرة على انه مخطط صيغ في تركيا او في السعودية او في واشنطن فاين كانت اجهزة الامن ومخابرات السلطة , واذا كان البعض يسرب هذه التقارير وهي تقارير مكشوفة وظاهرة للعيان فلماذا لم يتم لملمة الموضوع منذ اليوم الاول لانطلاق شرارة الاحداث .
صحيح ان العقلاء يرفضون هذه النتائج المتمثلة باشعال الحرائق في البصرة والقتل واطلاق الرصاص والغازات السامة ,لانها غير مبررة طالما ان المسار الخاص للتظاهرات هو السلمية والمطلبية , لكن كما يعلم الجميع بان انحدار الوضع لهذه الدرجة تتحمل مسؤوليته الحكومة والاحزاب والاعلام والطبقة السياسية الحاكمة لانهم بالاساس هم مشاركون في ذبح البصرة وفي حرمانها من حقوقها ,فمنذ ايام الصيف الحارقة كان البصريون يستغيثون فلا يغاثون ويصرخون ولا مجيب بل ان الخط الاعلامي والسياسي للحكومة يطالب المتظاهرين بالابتعاد عن اعمال الشغب وعدم السماح للمندسين من الدخول الى معمعة التظاهرات دون ان يكلف هؤلاء انفسهم عناء البحث عن اسباب وخلفيات هذه الحالة ودون ان يتحرك هؤلاء بمنطق المسؤولية والامانة لمعالجتها ووضع الحلول الشافية لها ، وكل ماصدر عنهم هو وعود واقوال شكلية مشفوعة دائما بتوجيه اللوم الى المتظاهرين او سوق اتهامات فارغة لاتعي حقيقة مايجري .
صحيح ان هناك مخاوف من مجريات هذه الاحداث وهي مخاوف مشروعة وحقيقية ولكن هل اتخذنا الاجراءات العملية لمواجهتها وهل شحذنا الهمم وانتخينا لاحتواء الوضع بصورة عملية وجلية وحيوية وليس مجرد زيارات مكوكية للمسؤوليين واجتماعات دعائية وتصريحات انفعالية اعلامية لان الحدث كبير وخطير وكنا حذرنا منه مرارا لان مايجري هو انتفاضة بكل معنى الكلمة وان الناس فقدوا الثقة بالحكومة وبالمسؤولين وبالاحزاب مما يعني اعادة نظر في الواقع السياسي العراقي خاصة وان القيم المقدسة باتت مهتزة بنظر الكثيرين وان سبب ذلك يعود الى الطبقة السياسية التي تتصارع على الحكم دون ان تتوحد وتشكل الحكومة بالسرعة الممكنة واذا ما تسائلت عن سبب هذا الوضع ياتيك الجواب بان الامريكان لايريدون ذلك وان السعوديين لايريدون ذلك وان البعثيين يقفون وراء ذلك , وهكذا نضع فشلنا وضعفنا وتمزقنا على مشاجب الاخرين دون ان نتقي الله في اعمالنا ودون ان ناخذ الواقع الخطير الذي يمر به العراق بل المنطقة والعالم باسره بعين الاعتبار , نحن اليوم امام امتحان عسير ومرحلة خطيرة واذا لم يتفق الجميع على برنامج عمل واضح وشامل لانقاذ البصرة من محنتها , فان العراق مهدد بداعش جديدة وبسفياني جديد وبسفك دماء جديدة وانا لله وانا اليه راجعون والعاقبة للمتقين .