منذ عام 2005 وحتى اليوم ، القضية تتكرر بذات السيناريو الممل ، فما أن يتم الإعلان عن موعد محدد او تقريبي لإجراء التعداد العام للسكان تحت ظرف ما او بالتزامن مع حدث او لإحداث تغيير مرغوب ، تظهر فيما بعد اصواتا لتعلن استحالة او صعوبة أجراء التعداد لمجموعة من الأسباب ثم يتم تأجيل الموعد إلى آخر جديد لنبقى من دون تعداد معتمدين على بيانات ( المرحومة ) البطاقة التموينية او تخمينات الجهاز المركزي للإحصاء او اعتمادا على أساليب التوافق والاتفاق التي غالبا ما تقود إلى مزيد من الترقيع والتخبط الذي يوسع المظلومية ويبقي عديدا من الأمور بلا معالجات ، ليستفيد من هذا الوضع من يستفيد ، والتعداد العام للسكان ليس ترفا او بطرا او حاجة كمالية وإنما هو ضرورة قصوى في إجراء الانتخابات المحلية والاتحادية وفي إعداد الموازنة وتحديد حجم المشكلات بشكل حقيقي بعيدا عن الاجتهاد والمطامع والأجندات ، وكلما ابتعدنا عن التعداد كلما اقتربنا من الظلم في توزيع الاستحقاقات وتنويع الموارد وحالة عدم الرضا لدى شرائح من السكان ، والحياة بدون تعداد تعني السعي لتوطين مشاكلنا في الفقر والبطالة والأرملة والايتمة والعنوسة وانعدام السكن وانخفاض الرفاهية والسعادة والافتقار لأبسط متطلبات العيش للمواطن الإنسان ، فدولة ريعية تعتمد في تمويل موازناتها ونفقاتها على مبيعات النفط لابد وان تتوفر لها أدوات فاعلة في التخطيط للانتقال إلى وضع أفضل من خلال تحليل المعطيات ، والتعداد السكاني ليس منقذا ولكنه أحد تلك الأدوات إن لم يكن أهمها على الإطلاق ، وإذا كان القرار بإجراء التعداد موجود والإرادة الدولية عبر الأمم المتحدة تدعم التعداد والجهاز المركزي للإحصاء بوزارة التخطيط يمتلك القدرات والخبرات لتنفيذه بشكل كفوء وتكاليفه تضمنه الموازنة الاتحادية فلماذا لم يجري التعداد لحد اليوم ؟؟ ، فهو سؤال يحتاج لجواب .
وفي آخر تحديث بشان الموضوع ، فقد أعلنت وزارة التخطيط، ( الثلاثاء ) ، عزمها إجراء التعداد السكاني في تشرين الأول 2020 ، متوقعة أن يكون تعداد سكان العراق قرابة أل 40 مليون نسمة ، وقال المتحدث باسم الوزارة لـوكالة ( المعلومة ) أن وزارة التخطيط انطلقت بأعمالها وإجراءاتها التحضيرية لإطلاق التعداد العام لسكان العراق قبل ستة أشهر ، وأضاف إن الاستعدادات جارية لإجراء التعداد العام بموعده المحدد في العام المقبل مشيرا إلى انه تم إجراء تعداد تجريبي في أربع محافظات عراقية ، وأوضح إن الغرض منه هو استعداد الفرق ومعرفة معوقات استمارة التعداد و ما هي الإجراءات التي تعيق المشروع والمشاكل لمعالجتها قبل انطلاقه ، ورغم الأمل الذي زرعه هذا التصريح ، إلا إن هناك من تحدث عن صعوبات التنفيذ بالوقت المحدد ، ففي اليوم التالي ( الأربعاء ) أعلنت وزارة التخطيط عن حاجتها إلى 250 ألف عداد لتنفيذ التعداد السكاني وان ذلك يتطلب التعاقد مع الخريجين من خلال تدريبهم ، وان الوزارة قدمت التكاليف التخمينية عن حاجتها لإجراء التعداد لغرض إدراجها بموازنة العام المقبل كما قالت بأنه لا يمكن تعيين موظفين بهذا العدد لإكمال التعداد ، لذلك سيتم إبرام عقود مع الخريجين والمدرسين والمعلمين لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى سنة لإكمال التعداد إذ سيتم إدخالهم بدورات تقوية على إجراء التعداد لتمكينهم من ملء استمارات التعداد في وقت انطلاقه ، ونشير هنا إلى إن التعدادات السابقة التي أجراها العراق للسنوات 1937 – 1997 ( مثلا ) كانت تعتمد على التكليفات للمعلمين والموظفين والتعيين بأجور يومية ( لمدة لا تتجاوز 60 يوم ) والمتطوعين المجانيين ، ونشير هنا إن وزارة التخطيط تنوي تشغيل 250 ألف عداد ل40 مليون من السكان ( إذا كان الرقم صحيح مع وجود المقيمين في الخارج ) مما يعني 160 من السكان لكل عداد خلال ال6 – 12 شهر .
وفي إطار الخلافات فقد كشفت مصادر إعلامية عن وجود مناقشات بشأن إجراء التعداد وتتعلق بإدراج خانة ( القومية ) في استمارة تعداد السكان المقبل ونقلت ( العربي الجديد ) عن المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية ، قوله أن تعداد 2020 سوف لا يتضمن سؤالاً عن المذهب أو الطائفة وهو مطلب كان قد ورد مراراً عبر أحزاب ذات طابع ديني ، لافتاً إلى أن وزارته تمكنت من خلال جهود حثيثة من عدم إقحام هذا الأمر في التعداد ، ولكنه أشار إلى وجود خانة القومية في التعداد ، وإلى خروج مقترحات عدة بعضها مؤيد لبقاء هذه الخانة وبعضها معارض في وقت يفضل البعض الآخر تغيير صيغة السؤال المطروح بهذا الشأن ، وأوضح في هذا الصدد أن الوزارة ماضية في محاولة التوصل للمعالجة العملية معتبراً أن فقرة القومية ليست قضية معقدة ، وفي إطار الخلافات أيضا أشارت تصريحات إلى أن التعداد المرتقب لا يرتبط بالمادة 140 وملف المناطق ( المتنازع ) عليها ، لأن المادة 140 تتحدث عن إجراء إحصاء سكاني في كركوك وباقي المناطق أما التعداد فهو شامل لكل المحافظات العراقية ، كما أشارت إلى أن أي إشراف أممي لن يرافق التعداد السكاني المقرر إجراؤه بل سيحصل العراق على الدعم من منظمات من ضمنها صندوق الأمم المتحدة للسكان الداعمة لجهود وزارة التخطيط والحكومة العراقية من خلال ( تطوير الخبرات ، الاستشارات ، إدخال التقنيات الحديثة ، آلية عمل التعداد الإلكتروني الذي سيجري استخدامه للمرة الأولى في البلاد ) ، واعترف الناطق باسم وزارة التخطيط ( عبد الزهرة الهنداوي ) في حديث صحفي ، انه على مر السنين الماضية كان سبب تأخير عملية التعداد هو الجانب السياسي ، مبينا إن هناك جهات سياسية قامت برفع دعوى قضائية على الوزارة و إن جميع الدعاوى التي أقيمت ضدها رفضت من قبل القضاة المعنيين ، مؤكدا إن التعداد السكاني عملية ميدانية لن تتأثر بالوضع الأمني والسياسي الأمر الذي جعل القضاء يرفض تلك الدعاوى ، وبين إن عملية التعداد مهمة جدا لأية دولة لأنها توضح الصورة الحقيقية للواقع وتبين الكثير من الجوانب مثل حاجة البلد للمدارس والدوائر الخدمية والصحية وكم يحتاج من وسائل النقل وغيرها من الجوانب الحياتية ، وقال وزير التخطيط نوري صباح الدليمي عن التزام وزارته ، بالإجراءات الـفـنـيـة لإنـجـاح الـتـعـداد الـعـام لـلـسـكـان المـزمـع إجراؤه فـي الـبـلاد عـام 2020 بعد أن تم تشكيل الهيئة العليا للتعداد برئاسته ، كـاشـفـا عــن قــرب قيامه بزيـــارة لمـصـر لـلاطـلاع عـلـى تجربتها ليتسنى بـعـدهـا إجراء الـخـطـوات الـفـعـلـيـة لإنجاح الــتــعــداد لاســيــمــا إن الوزارة عــازمــة عـلـى إقامة التعداد بـمـوعـده المــحــدد وسيشمل جـمـيـع المــحــافــظــات بضمنها محافظات إقليم كـردسـتـان .
ورغم الحماسة والصراحة المطمأنة التي يبديها المسؤولين في وزارة التخطيط فان هناك حاجة لإعطاء ضمانات حقيقية ومؤكدة لإجراء التعداد العام بموعد وتوقيت ملائم ويتم الالتزام به ، ففي ضوء الحراك الجاري حاليا في البلاد والذي ولد مع مطالب المتظاهرين والمعتصمين فان هناك حاجة حقيقية لمجموعة من الاستحقاقات تعتمد على التعداد السكاني ، ومنها على سبيل المثال الاستفتاء على الدستور بعد الانتهاء من تعديلاته وإجراء انتخابات مبكرة اعتمادا على المناطق المتعددة ، حيث ستنشأ الحاجة لمعرفة عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي الحقيقي وليس الافتراضي على مستوى البلاد والمحافظة والقضاء لتوزيع المناطق الانتخابية ، كما إن هناك حقوقا مسلوبة ويجب إيقاف الظلم في هدرها وتتعلق بمستويات المدنية والحاجة لتركيز الخدمات وتنويع الاستثمار ومعالجة الظواهر الاجتماعية التي تفتك بأبناء الشعب الواحد لمصلحة منتفعين ، والتعداد من الممكن أن يوفر بيانات تحدد اتجاهات الزراعة والصناعة والتجارة بضوء الموجود والمطلوب بما يضع أولويات وشروط الإنتاج والاستيراد والاستهلاك وغيرها من التفاصيل ، ونتائج التعداد تعبر عن احتياجات واستحقاقات لا تتعلق بالجانب السياسي فحسب وإنما بأمور الحياة ومستقبل البلاد والمشكلة إن هذه الأمور باتت عاجلة ولها أسبقيات ولكن التعداد يسير ببطء مثل السلحفاة ، فقد حدد له تشرين الأول القادم موعدا للتنفيذ وبعد ذلك قد يحتاج إلى 6 شهور على الأقل لإعلان النتائج والتحليلات ، مما يدعوا الأجهزة المعنية في التخطيط لولوج الوسائل والإجراءات التي من شانها تقريب موعد التعداد وتعجيل إظهار النتائج بأقصر وقت والواقعية في تحديد الحاجة للموارد البشرية مع مراعاة جودة المخرجات ، وهو أمر ممكن التحقيق من خلال التعاون مع الجهات المحلية والدولية ، والاهم من ذلك هو عزل كل ما يتعلق بالتعداد عن الأيدي التي تسببت بتغييبه وتأخيره كل هذه السنوات سواء كانوا من السياسيين او السراق والفاسدين فهم بأهداف واحدة وان اختلفت التسميات والمسميات والأساليب .