19 ديسمبر، 2024 12:58 ص

من الفساد الاداري في وزارة النفط …. نموذج للادارة المتهرئة

من الفساد الاداري في وزارة النفط …. نموذج للادارة المتهرئة

اثناء تواجدي في احد العيادات الطبية الشعبية مصاحبا لأحد اقاربي اثر اصابته بوعكة صحية. رأيت صديقاً لم اراه منذ فترة ، وقد نسج الحزن على وجهه غبرة ً صفراء ، وكأنه اصبح مستقراً لللآم . دنوت منه وسلمت عليه ، نهض متثاقلاً كأنه ينتزع جسده من مقعده انتزاعاً ، ليرد عليَ السلام . تحمدت له السلامة متسائلاً عن حاله الذي لم اراه فيه وهو في اشد حالات العوز والفاقة ، لا يضيق بالهموم والمتاعب . اجابني وكأن مرارة الحياة في فمه ، يحمل ما لا طاقة له باحتماله ( أنه ظلم ذوي القربى ). فأن اردت معرفة ما ادى بي الى هذا الحال يمكنك زيارتي في البيت لأطلعك على متاهة لا اعرف اين مخرجها .
   ذهبت اليه لأعرف ما انغص عليه عيشه . بدأ كلامه بقوله ، ما سأتحدث به هو حقيقة لا يشوبها خيال . وهو نموذج فيه تجسيداً لموضوعك الاخير الموسوم ( مدرسة الادارة العراقية….تهور وتشتت وارتباك ) المنشور في موقع كتابات. انك تعرف انه في الثمانينات تم القاء القبض عليَ من قبل جهاز امن النظام البائد اثناء ألوظيفة وحكم عليَ بالسجن خمسة سنوات ونصف وفق المادة 225 ومصادرة اموالي المنقولة وغير المنقولة من قبل محكمة الثورة الجائرة اثر تقرير تضمن منا ؤتي للنظام البائد والتهجم عليه . قضيت فترة الحكم في قسم الاحكام الخاصة ببغداد ، بعد ان عانيت وعائلتي فيها العوز والفاقة . وبعد اطلاق  سراحي فٌصلتْ من الوظيفة مما اضطرني للعمل كعامل بناء مرة وأخرى ابيع الخضار في السوق لتوفير مصدر للمعيشة ولو كان بحد الكفاف وكذلك توفير مبلغ الايجار للدار التي كنت اسكنها ،استمد ارادة الحياة من امل رغم اني اجهله . وتمضي السنوات وأنا على هذا الحال لحين انهيار النظام البائد الذي حسبت أنه الامل المرتجى .راجعت دائرتي ( احدى مؤسسات القطاع النفطي ) ، وقدمت طلباً لإعادتي للوظيفة ملحقاً معه مقتبس الحكم الصادر من محكمة الثورة ووثيقة حصلت عليها أثر سفري الى بغداد رغم الظروف الصعبة في ذلك الوقت من مكتب الادلة الجنائية مثبت فيها مادة الحكم ومدته والمحكمة التي اصدرته وفقاً لطبعات اصابعي التي تم مقارنتها بالوثائق التي كانت تخص محكمة الثورة . وهي المستمسكات التي تم على اساسها المصادقة على اعادتي للوظيفة فيما بعد واعتبار قرار الاعادة جاء صحيحاً من قبل لجنة التحقق من صحة اعادة المفصولين السياسيين التابعة الى رئاسة الوزراء.
  وعدت الى الوظيفة بما يشبه التسول والاستجداء ، وليس اعادة لحق من حقوقي التي اغتصبها النظام الظالم البائد .لما تحملته من معاناة المراجعات بين الدوائر والتنقل من محافظة الى اخرى سعياً وراء هذه الاعادة . واكتفيت براتب يؤمن لي مصدر للمعيشة ( لا اكثر من هذا) بعد ان اتضح ان الامور اتجهت الى القياس بمكيال المحسوبية والمنسوبية والولاءات الحزبية وتوافق المصالح . وكان راتبي الاسمي في ذلك الوقت741ألف دينار لكوني خريج الدراسة الاعدادية . وفي سنة 2007 فوجئت يأن هذا الراتب كان 910ألف دينار ، اثر ذلك راجعت الحسابات ضناً مني بأن هناك خطا ما . ولكني علمت بعدم وجود خطأ وان الزيادة في الراتب حدثت وفقاً لتوجيه تضمنه كتاب وزارة النفط ذي الرقم 19285 في 16/11/2006 . واستمر هذا الحال حتى بداية سنة 2012 ، حيث اعيد الراتب الى 741 ألف دينار ، راجعت الادارة لمعرفة السبب ، اخبروني بأن الكتاب الذي بموجبه تم زيادة الراتب ، ألغي بكتاب وزارة النفط ذي الرقم 29009 في 13/11/2011 فأعيد الراتب الى ما كان عليه . لم أأبه لهذا الامر واستمر راتبي عند هذا المبلغ لكني فوجئت هذا الشهر بوقف صرف راتبي . راجعت الحسابات لمعرفة السبب ، اخبروني بأني مطلوب مبلغ فروقات قدره 16 مليون و452 ألف دينار ويجب عليَ تسديده لان كتاب تخفيض الراتب جاء بأثر رجعي .
  والذي ادهشني وزاد من معاناتي أن هذا الاجراء لم ينفذ على كل المشمولين في الكتاب الاول المتضمن زيادة الراتب . لان البعض من هؤلاء تم تغيير عناوينهم الوظيفية الى( مدير) أثر المحسوبية والمنسوبية والولاءات الحزبية وتوافق المصالح ، ليتجنبوا شمولهم بإعادة تخفيض الرواتب الذي تضمنها الكتاب الثاني وكذلك تجنب تسديد مبلغ الفروقات. رغم انهم حاصلين على نفس تحصيلي الدراسي (الاعدادية) ومنهم من كان عنوانه الوظيفي (معاون ملاحظ) . مما يوحي بأن كتاب زيادة الراتب ومن ثم تغيير العنا ويين الوظيفية لم يكن الا وسيلة للخداع لتمرير مصلحة هؤلاء ، والذي كان ضحيتها انا وأمثالي من الرعايا . والآن لم يعد امامي اما تسديد مبلغ الفروقات أو استقطاع نسبة من الراتب . مما ادى الى شعوري بظلم اخذ يدفع بي نحو اليأس الذي بدأ يطفئ الروح المعنوية عندي والذي اخشى أن يدفع بي الى انهيار نفسي بدأت آثاره على شكل انتكاس في صحتي .
  تأملته وهو يعصر رأسه بكلتا يديه ، فرأيت فيه رجلاً يعيش في عتمة الحزن وقد علت وجهه صفرة توجست منها خيفةً . طلبت أن انقله الى الطبيب ، لكنه أجابني وماذا ينفع الطبيب مع نفس اسقمها ظلم قساة القلوب ممن يحسبون قوتهم تكمن في مناصبهم وجاههم ، يكيلون للمواقف بمكيالين ، مكيال يضمن مصالحهم ومصالح فئة معينة أما لأثر المحسوبية أو المنسوبية أو مراعاة للتوافقات والولاءات السياسية التي ابتلى هذا الوطن وبقية الشعب بها . والمكيال الاخر ليس فيه إلا الضرر والإرهاب المعنوي المتمثل في قرارات جائرة وظالمة توجه لآخرين لا تجمعهم صلة أو مصلحة مع اصحاب القرار .
  اجبته ، ما أظلم هؤلاء وما أقسى قلوبهم ، فبدلاً من اشاعة الالفة ونشر قيم المحبة والتعاون ، تراهم يمتلكون قلوباً لا تعرف العدل والرحمة ، لصوص في اثواب ساسة وإداريين .نسوا أو تناسوا ما هو مصير الطغاة والظالمين ، وما مصير صدام وجلاوزته وإذنابه ،عنهم ببعيد .والذي ما اطاح بسلطانه وعرشه وجبروته وطغيانه الا التهور ولوعة المضطهدين ودعاء المظلومين .
 ارفع يديك يا صديقي بالدعاء على هؤلاء عسى أن يتسلط عليهم من يذيقهم مرارة الظلم ،وأن يبتلوا بآلام الامراض ، ويقاسون من أنواع الاسقام ، ما يجعلهم يبغضون حب المال والجاه والسلطان . ولا يغنيهم هذا بشي اذا ما حرموا من راحة البال وطمأنينة النفس ليعرفوا بأن كل ما يسعون للحصول عليه الى زوال . فبئسأ وتعساً لمن يجني ماله ويرتقي بمنصبه وجاهه على حساب بؤس الاخرين وشقائهم .
 وليكن لنا سلوى بقول الشاعر محمد مهدي الجواهري وهو يخاطب امثال هؤلاء :
أي طرطرا يا لك من           قبرة بِمَعْمَـــــــــــــــــــــــــــرِ
خلا لكِ الجوٌ وقــــــد           طاب(فبيضي واصفـــــــري)
ونقري من بَعدهــــم            ما شئتِ أن تنقــــــــــــــري