18 ديسمبر، 2024 10:11 م

من الرابح؟ روحاني ، ترامب والتظاهرات

من الرابح؟ روحاني ، ترامب والتظاهرات

سواء تصاعدت حدّة التظاهرات في المدن الايرانية او تمكّن الرئيس روحاني من احتوائها وانهائها كما حدث في عام 2009 ، فانها من دون شك ستترك اثارها في الداخل الايراني وفي محيطها الاقليمي . الظروف الاقليمية تغيرت بشكل كبير . في 2009 لم يكن قد بدأ ما سمّي بالربيع العربي ، ولم تكن ايران متورطة في مشروعها التوسعي بهذا العمق ، ولم تكن علاقاتها مع دول الخليج العربية بهذا الشكل من التوتر ، وغادر باراك اوباما الرئاسة الامريكية وجاء محلّه ترامب ، وحطّ بوتين رحاله في سوريا ، وسيطر الشاب محمد بن سلمان على مقاليد المملكة في السعودية .
دوافع التظاهرات الايرانية اقتصادية في الغالب ، أما اذا استمرت فستتحول الى سياسية . لقد سوّقت ايران روحاني قبولها بالاتفاق النووي عام 2015 ، على اساس ان من شأن هذا الاتفاق ان يرفع العقوبات . ووعدت الشعب الايراني بان الاعباء الاقتصادية التي تحّملها المواطن اثناء العقوبات ستزاح عن كاهله . وبعد مررور سنتين ونصف على ابرام الاتفاق ورفع العقوبات وحصول ايران على المليارات من ارصدتها المجمدة ، أكتشف الشباب الايراني الباحث عن فرص كريمة للعمل ، ان الاموال التي حصل عليها بعد رفع العقوبات لم تستثمر في ايران بل استثمرت في مكان آخر . فتجنيد الالاف من باكستان وافغانستان والعراق واليمن وسوريا ولبنان وفسطين وغيرها من الاماكن وتدريبهم وتسليحهم وزجهم في حروب ليس للشعب الايراني له فيها ناقة ولاجمل هو من استنفذ مليارات الدولارات من اموالهم .
اكتشف الشباب الايراني ان أمواله قد استثمرت في مجالات لا علاقة لها بتقدم ايران وازدهارها ولا برخاء شعبها بقدر ما كانت ارضاءا لطموحات بعض قادتها في التوسع وتصدير الثورة ، مستفيدين من الجهد العالمي في محاربة داعش . بيد ان نتائج الانتصار على داعش لم تسر وفق ما يهوى هذا البعض، فنفوذها في سوريا قد تقلص ، بعد ان تعدد المنتصرون على داعش في سوريا ، واصبح الاقوياء ( الروس والامريكان ) هم وحدهم من يقرر مصيرها . فعندما اعلنت ايران انها انتصرت على داعش في سوريا ، صحح بوتين المسار بكلمات قالها امام الرئيس السوري بشار الاسد وبحضور كبار القادة العسكرين الروس في سوتشي بتاريخ 19/11/2017 بالتأكيد على ان الانتصار في سوريا قد تحقق بفضل جنرالاته وبفضل قوات الجيش العربي السوري , وكرّرها بوتين ثانية في قاعدة حميميم الروسية في 11/12/2017 وهو يعلن سحب قسم من قواته من سوريا. وبدوره لم يترك ترامب مناسبة التوقيع على ميزانية الدفاع الامريكية في 12/12/2017 قبل ان يعلن انتصار الولايات المتحدة على داعش في العراق وسوريا . في وقتها لم تقل سوريا الاسد شيئا ولم تعلق ايران وفضّل السيد سليماني الاحتجاب عن الاضواء . ان الاوضاع قد بدأت بالتغير ، ومن الواضح ان نفوذ ايران في لبنان وسوريا لم يكن كما كان الوضع عليه قبل اشهر قليلة ، ونظرة الى خارطة سوريا في مطلع عام 2018 ترينا من يدير دفة الصراع هناك. فسوريا الان بين حافتي المقص الروسي – الامريكي في اسوء الاحوال ، او توافقاتهما في احسن الاحوال ، وتراجع تأثير حزب الله في لبنان. اما في اليمن ، وبعد مقتل علي عبد الله صالح ، فاللقمة اصبحت اصعب بكثير من ان يبتلعها انصار الله ، واذا لم يخرجها من فمه فسيغص بها .
ردود الفعل الاقليمية ازاء التظاهرات في ايران مترددة ، وفي الغرب متحفظة مع دعوة النظام في ايران الى احترام حرية التظاهر والتعبير ، ولكن الامر في امريكا مختلف ، فتغريدات ترامب واقوال نائبه مايك بنس قوية ضد النظام في ايران الى الدرجة التي تعهد بها نائب الرئيس بعدم خذلان المتظاهرين ، و أوربا توافقه على ذلك بأستحياء. وما يزيد الوضع ارتباكا ردود افعال ترامب غير المتوقعة ، وصعوبة المراهنة على مؤسسات الدولة العميقة في امريكا في ضبط بوصلته ، فقد بدا عصيا عليها كحصان جامح يصعب ترويضه ، وهو رجل يدير سياسة الولايات المتحدة بعقلية مدير تنفيذي لشركة يربح كثيرا ولا يخسر الا بالربح القليل ، و اكثر ما يستلهم هذه القاعدة في تعامله مع الشرق الاوسط وايران والعراق تحديدا .
ان عين ترامب الان متوجه صوب ايران ، فالتظاهرات ستوفّر له فرصة مناسبة للتحرك . فاذا ازداد زخمها ستطيح بالحكومة أو ربما بالنظام ، وان تمكّن الرئيس روحاني من اخمادها فستزيد من عزلة ايران الدولية والاقليمية وستضعف مشروعها التوسعي . وعليه ، وفي الوقت التي يتحين فيه ترامب هذه الفرصة ، ستعمل ايران على تجنب المواجهة مع أمريكا ، الاّ ان ذلك لن يتحقق من دون ان تعيد النظر في سياستها التوسعية ، ومن دون التوصل الى توازن اقليمي يضمن استقرار المنطقة وأمنها . وبعكس ذلك فستواجه ايران احتجاجات أكبر وأعمق ، وربما تشكل تحديا وجوديا لها كأمة وشعب .