22 نوفمبر، 2024 9:01 م
Search
Close this search box.

من الذي “يسلّم العراق ترابا”؟

من الذي “يسلّم العراق ترابا”؟

في تعليق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن وضع العراقيين في بلاد المهجر قال: “السنة يهاجرون والشيعة يهاجرون ويعيشون جنبا الى جنب في بلاد الغرب ولايتجرأ بعضهم على بعض! إذن، المشكلة في بلدهم وقوانينهم وشيوخهم وحكامهم”..!

لم يكن شخص مثل بوتين يطلق وجهة نظره هذه جزافا، فهو يعي جيدا أين يصل صدى تصريحاته والى أين يمتد مدى مقولاته وآرائه، بل حتى (عطساته)، لاسيما والعالم اليوم بات أشبه بقرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال الإلكترونية. ووصفه هذا قطعا معيب لو أدركه القائمون على حكم العراق، فقد كان حريا بهم أن ينتهزوا سقوط النظام القمعي، وزوال الطاغية الدكتاتوري، وسن سنة حسنة في تعامل جديد مع الوضع الجديد في العراق الجديد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. إذ كان الأولى بهم أن يتنبهوا الى أن البلد في دور نقاهة -إن صح التعبير- وفي حال كهذه عليهم إيلاؤه عناية خاصة، لاسيما وأن أغلبهم كان معارضا للحكم السابق، وعليهم السعي الجاد والدؤوب في قلب الصورة المشوهة للحكومة السابقة، ورسم صورة جديدة زاهية، والعمل على كسب ثقة القاعدة الجماهيرية لشعب أثقلته الحروب وعبثيات النظام السابق، علاوة على الأنظمة التي سبقته وتعاقبت على احتلاله وحكمه، فهل كان ساسة مابعد 2003 كذلك؟. للأسف ومن سوء حظ العراقيين أن أغلب من تسنموا مراكز القيادة في مؤسسات البلد وهيئاته ووزاراته ومجالسه الرئاسية، لم يعيروا أدنى أهمية لمصلحة البلد، فتركوا أهواء التدخلات الخارجية –فضلا عن الداخلية- تعبث باستقراره وسلامه وسلامة أمنه، فتداعت هذه المعطيات الى ماهو أكثر منها شرا وتأثيرا سلبيا على حاضر البلاد ومستقبلها، وشيئا فشيئا سار البلد الى الهاوية بكل سلاسة وسهولة، وفق جدول وسياق معتمد مسبقا، فأدخلوه في أنفاق مظلمة غير نافذة إلا الى الخراب والدمار، فيما كان شغلهم الشاغل سرقة خيراته بما تكنزه أرضه من ثروات، كما أنهم اعتمدوا سياسة (يامغرّب خرّب) فأجهزوا على حضارة وادي الرافدين التي بناها منذ قرون سكانه وقاطنوه، وبهذا فإنهم عملوا بنهج صدام ذاته، ذاك النهج الذي كان يتبجح به المقبور بقوله في أكثر من محفل؛ “سأسلّم العراق تراب”..!.

على أرض مساحتها 437,072 كم مربع، يقطن منذ بضعة آلاف من السنين شعب اختلفوا في قومياتهم وأديانهم وأطيافهم، وتبعا لهذا فقد اختلفت عاداتهم وتقاليدهم ومفردات يومياتهم، وصار لكل فئة منهم فولوكلور خاص بهم، وتراث يميزهم عن أٌقرانهم، مع هذا كله وعلى سعة أرضهم وتنوع تضاريسها، فقد توحدوا جميعهم في الولاء والانتماء لرقعة الأرض الصغيرة التي نشأوا فيها وترعرعوا عليها “أبا عن جد”. تلك المساحة من الأرض أطلق عليها منذ الأزل أسماء عدة منها؛ بلاد مابين النهرين، وباليونانية ميزوبوتاميا، وأوروك، وكذلك أرض السواد. كما تخصصت كل مدينة فيها باسم لها، يتغير على مر التاريخ والسلطات الحاكمة، فالعاصمة بغداد على سبيل المثال تقلبت بين أسماء عدة تبعا لهوى حاكمها ونزواته، إذ صار لها من الأسماء؛ (بغداذ وبغذاد وبغذاذ وبَغْدِينُ وبغدان ومَغْدان) ثم أطلق عليها دار السلام. ومع كل متغيرات السياسة لم يتأثر العراقيون بفئاتهم وقومياتهم ودياناتهم بتلك التغيرات، فعاشوا في عراقهم وتعايشوا رغما عن أنف حكامهم مهما جاروا وظلموا.

إنه لمن المؤلم اليوم القول والإقرار بأن ساستنا الجدد هم الذين سيسلمون العراق ترابا لاصدام..!

[email protected]

من الذي “يسلّم العراق ترابا”؟
في تعليق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن وضع العراقيين في بلاد المهجر قال: “السنة يهاجرون والشيعة يهاجرون ويعيشون جنبا الى جنب في بلاد الغرب ولايتجرأ بعضهم على بعض! إذن، المشكلة في بلدهم وقوانينهم وشيوخهم وحكامهم”..!

لم يكن شخص مثل بوتين يطلق وجهة نظره هذه جزافا، فهو يعي جيدا أين يصل صدى تصريحاته والى أين يمتد مدى مقولاته وآرائه، بل حتى (عطساته)، لاسيما والعالم اليوم بات أشبه بقرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال الإلكترونية. ووصفه هذا قطعا معيب لو أدركه القائمون على حكم العراق، فقد كان حريا بهم أن ينتهزوا سقوط النظام القمعي، وزوال الطاغية الدكتاتوري، وسن سنة حسنة في تعامل جديد مع الوضع الجديد في العراق الجديد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. إذ كان الأولى بهم أن يتنبهوا الى أن البلد في دور نقاهة -إن صح التعبير- وفي حال كهذه عليهم إيلاؤه عناية خاصة، لاسيما وأن أغلبهم كان معارضا للحكم السابق، وعليهم السعي الجاد والدؤوب في قلب الصورة المشوهة للحكومة السابقة، ورسم صورة جديدة زاهية، والعمل على كسب ثقة القاعدة الجماهيرية لشعب أثقلته الحروب وعبثيات النظام السابق، علاوة على الأنظمة التي سبقته وتعاقبت على احتلاله وحكمه، فهل كان ساسة مابعد 2003 كذلك؟. للأسف ومن سوء حظ العراقيين أن أغلب من تسنموا مراكز القيادة في مؤسسات البلد وهيئاته ووزاراته ومجالسه الرئاسية، لم يعيروا أدنى أهمية لمصلحة البلد، فتركوا أهواء التدخلات الخارجية –فضلا عن الداخلية- تعبث باستقراره وسلامه وسلامة أمنه، فتداعت هذه المعطيات الى ماهو أكثر منها شرا وتأثيرا سلبيا على حاضر البلاد ومستقبلها، وشيئا فشيئا سار البلد الى الهاوية بكل سلاسة وسهولة، وفق جدول وسياق معتمد مسبقا، فأدخلوه في أنفاق مظلمة غير نافذة إلا الى الخراب والدمار، فيما كان شغلهم الشاغل سرقة خيراته بما تكنزه أرضه من ثروات، كما أنهم اعتمدوا سياسة (يامغرّب خرّب) فأجهزوا على حضارة وادي الرافدين التي بناها منذ قرون سكانه وقاطنوه، وبهذا فإنهم عملوا بنهج صدام ذاته، ذاك النهج الذي كان يتبجح به المقبور بقوله في أكثر من محفل؛ “سأسلّم العراق تراب”..!.

على أرض مساحتها 437,072 كم مربع، يقطن منذ بضعة آلاف من السنين شعب اختلفوا في قومياتهم وأديانهم وأطيافهم، وتبعا لهذا فقد اختلفت عاداتهم وتقاليدهم ومفردات يومياتهم، وصار لكل فئة منهم فولوكلور خاص بهم، وتراث يميزهم عن أٌقرانهم، مع هذا كله وعلى سعة أرضهم وتنوع تضاريسها، فقد توحدوا جميعهم في الولاء والانتماء لرقعة الأرض الصغيرة التي نشأوا فيها وترعرعوا عليها “أبا عن جد”. تلك المساحة من الأرض أطلق عليها منذ الأزل أسماء عدة منها؛ بلاد مابين النهرين، وباليونانية ميزوبوتاميا، وأوروك، وكذلك أرض السواد. كما تخصصت كل مدينة فيها باسم لها، يتغير على مر التاريخ والسلطات الحاكمة، فالعاصمة بغداد على سبيل المثال تقلبت بين أسماء عدة تبعا لهوى حاكمها ونزواته، إذ صار لها من الأسماء؛ (بغداذ وبغذاد وبغذاذ وبَغْدِينُ وبغدان ومَغْدان) ثم أطلق عليها دار السلام. ومع كل متغيرات السياسة لم يتأثر العراقيون بفئاتهم وقومياتهم ودياناتهم بتلك التغيرات، فعاشوا في عراقهم وتعايشوا رغما عن أنف حكامهم مهما جاروا وظلموا.

إنه لمن المؤلم اليوم القول والإقرار بأن ساستنا الجدد هم الذين سيسلمون العراق ترابا لاصدام..!

[email protected]

أحدث المقالات