23 ديسمبر، 2024 1:33 ص

من الذي يدفع الملايين ..الى زيارة الحسين..؟

من الذي يدفع الملايين ..الى زيارة الحسين..؟

ما هي الدوافع والاهداف وراء سير الملايين الى مرقد الامام الحسين؟ كيف نفسر هذا الفعل البشري والمجتمعي الكبير والمثير..؟
هذه الاسئلة حاصرتني وانا اشاهد مثات الالاف حولي… من الاجانب..!

ولا يمكن للمفكر العراقي ان يتجاهل هذا الحراك الضخم.. محاولا ان يفهم ملابسات الزيارة المليونية ومقدماتها المادية والتاريخية والدينية.. فضلا عما نجده من اهمال لها.. اوتسطيح من قبل مثقفينا، واهتمامهم باحداث فردية وتافهة..!

وبالرغم من اهمية الموضوع، الا ان المقام –هنا- لا يسمح الا بالقليل المختصر.. وهي محاولة لتصويب الفهم عند البعض، الذي يدعي ان الزيارة يحركها رجال الدين او الحكومات او الاحزاب (1).. وسنوضح ان اغلب هذه العناوين يرفض الثورة الحسينية ويحاول اخماد روحها وذكراها.. اما خضوعهم لشعائرها فهو ليس اختيارا بل اضطرارا (2).

……. مناقشة التفسير المادي:

اذا ناقشنا موضوع المسيرة الجماهيرية الضخمة والعفوية من البلدان المجاورة الى مرقد الامام الحسين ..فضلا عن محافظات العراق.. انطلاقا من فهم مادي.. نقول:

اولا: يقال ان ايران وراءها..؟ ويفترض ان يفسر لنا –ذلك القائل- ما علاقة ذلك بقدوم الزائرين من دول الخليج وباكستان والهند ونيجريا..!

وهل يقصد ايران قبل 1980 ام بعدها.. لان الزيارة الاربعينية كانت منذ اكثر من 1000 عام ولا زالت..(3).

ثانيا: نظرية العوامل التاريخية او العقل الجمعي لا يمكن لها ان تعلل ذلك (الحراك) الضخم.. لان المسلمين الشيعة –تاريخيا- لم يكونوا جماعة ذات تخطيط وفعل جمعي (4).

ثالثا: العلة هي الاحزاب والعناوين الدينية، لاسباب طائفية او سياسية. او حفاظا على وجود الشيعة ومصالحها. وبالرغم من ذهاب الكثير الى هذا التفسير. الا ان تلك العناوين (الدينية والسياسية) لم يثبت لها القدرة على التحريك الجمعي، غالبا، بل بالعكس (5).

……. مناقشة التفسير الديني:

وهي اطروحة (التخطيط الالهي العام لتربية البشرية).. وهي بايجاز:

ان ذلك التخطيط يتضمن التحشيد العقائدي والعاطفي والحركي نحو مفهوم (الثورة) تمهيدا لثورة بشرية كبرى تنتج دولة عادلة تنقل البشرية الى واقع جديد من الرفاهية والسعادة التي توفر مناخا مناسبا للتكامل البشري الذي يولد – به – المجتمع المثالي المنفتح على الغيب

والحقائق الالهية.. سيرا نحو الادارة البشرية للكون – كله – وتحقيق منزلة الخلافة الانسانية التي نص بها القران الكريم بقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.

الا ان هذا الهدف قد يتحقق بواسطة:

اولا: القواعد الشعبية.

ثانيا: النخب الدينية.

ثالثا: شخص معين.

ويبدو ان القران الكريم قد اوضح السنة الالهية، باعتماد (شخص) في تنفيذ المشروع الالهي، غالبا.

يضاف الى ذلك ان الثورة الحسينية – كما ذكرنا – تمهد لثورة كبرى.. هي ثورة (المنقذ) او (المخلص) او (المهدي).. وهذا ينتج – بالضرورة المنطقية – ان يتولى ذلك القائد الالهي ترتيب المقدمات –المسيرات- ليستفيد منها للتمهيد لثورته.. لماذا:

اولا: انه يستفيد من المسيرة المليونية لاجل اللقاء المباشر مع قواعده الشعبية القادمة من بلدان مختلفة.

ثانيا: ان يستثمر الزيارة المليونية لضخ وبث مفاهيم وتوجيهات جديدة وثورية في هذا التجمع.

ثالثا: توفر هذه المسيرة – المستقلة – جوا امنا له للحركة والتاثير.

لذا، يبدو ان المحرك هو ذلك (الثائر العالمي) الذي فوضه التخطيط الالهي لترتيب مسيرات مستقلة، تحرك الواقع الراكد، وتمهد للثورة ضد الحكومات الفاسدة والاحزاب المنافقة وضد تجار الدين (6).

وللحديث بقية.

هوامش:

(1) ومن عاش تفاصيل الزيارة الاربعينية، يفهم بوضوح، ان هذه العناوين (رجال الدين او الحكومات او الاحزاب) لم ولن تقدم شيئا مفيدا للزوار، بل تدخلها انتج الضرر والاذى. وعلى سبيل المثال، فصلت الحكومة العراقية –الحالية والسابقة- بين الزائرين ووسائل النقل، مما نتج عنه –اكيدا- الاذى والتعب لهم. فضلا عن محاولاتها المزعجة لاستغلال هذه الزيارة اعلاميا. اما تعاون افراد الجيش والشرطة – نسبيا- هو بسبب العاطفة الدينية منهم.

(2) كما اضطر الهدام الى تغيير موقفه تماشيا مع الضغط الشعبي الغالبي.

(3) تاريخيا.. نشات الزيارة في العراق وليس ايران السنية ، سابقا.

(4) الموقف الشعبي ضد حكومة مسلم بن عقيل وضد ثورة الامام الحسين عام 61 هجري.. يثبت ان العقل الجمعي ليس مع الثورة والتغيير .. فضلا عن الموقف العصري من ثورة السيد محمد باقر الصدر.. يضاف الى ذلك عدم تشخيص العقل الجمعي الشيعي لمصالحه، في الفترة الاخيرة، وفيها اعطاها لابو ما ننطيها.. لذا .. لا يمكن ان نجعل من العقل الجمعي الشيعي مخططا لحراك ، مراعيا لمصالحه العليا، بل العكس.

(5) غالبا، ينزل رجال الدين الى مستوى الجمهور للحفاظ على المصالح الخاصة وليس العكس، يستثنى من ذلك المرجعيين الصدريين، فقد كانا ينهضان بالمستوى الشعبي بفتاوى وقرارات صادمة .

(6) وهو لا يحتاج الى (الشهرة) و (الاعلام) .. فقد يلتقي بهم – مستقبلا- باية طريقة موضوعية، تمكنه من تحطيم المفاهيم التقليدية المتوارثة ثم ضخ المفاهيم الثورية التي تخدم المشروع الالهي.