22 نوفمبر، 2024 12:34 م
Search
Close this search box.

من الذي يخسر في المواجهة الامريكية – الايرانية ؟!!

من الذي يخسر في المواجهة الامريكية – الايرانية ؟!!

قد لايعجب هذا المقال الكثيرين ممن يتمنون امراً لا ارى انه قابل للتحقيق في ظل عجزنا وهواننا على أنفسنا وعلى الناس حداً بلغ ببعضنا ان يظهر الفرح لان طائرة إسرائيلية قصفت هدفاً ايرانياً على ارض وطننا ؛ حريٌ بِنَا ان نحزن ، فلماذا توجد ايران اصلاً في ارض وطننا حتى تقصفها اسرائيل ، وكيف حصل ان تسلمت ايران لواء وشرف المواجهة مع العدو الصهيوني وكانت حتى الامس القريب تتواطأ معه على أقدارنا ومصيرنا بعد ان ذاقت مر الهزيمة حين تجرأت يوماً على استفزازنا .. ولعل كل السبب في خيبة أمنياتن يكمن في عدم رغبة بعض نخبنا رؤية الواقع كما هو وخلطها بين الحقيقة والأماني .. وهذه المقالة هي محاولة في رؤية الحقيقة ،،،

حتى بضعة ايام مضت بدا الموقف في الأزمة بين الولايات المتحدة وايران جامداً وكل طرف باقٍ على مواقفه منذ بداية الأزمة التي اندلعت بعد أعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي . احد الاسباب الرئيسية وراء مثل هذا التصور هو غياب الحوار المباشر بين الطرفين وغياب الحوار غير المباشر من خلال الوسطاء ؛ لقد كانت المعطيات واضحة ولاتشي باي موقف خلاف ذلك ، ولكن يبدو ان التوقعات بشأن صدام عسكري وشيك ومباشر بين طرفي الأزمة لم تكن في محلها .

تفيد الأخبار ان لايران من ” اهل الفزعة ” عدد غير قليل من الدول والكتل الدولية ، وان سياسة ترامپ التي تحمل عنوان ” الضغط الأقصى ” لها مفهوم اخر لدى الامريكان غير الذي نفهمه من المعنى اللفظي للعبارة ؛ انها تعني كما يبدو – مما نلمسه من اجراءات محددة – الضغط الى الحد الذي يثير القلق في صفوف القيادة الايرانية من تداعيات اثاره في الحياة اليومية للإيرانيين ، على الاّ يصل ذلك حد الانهيار الفعلي لاقتصاد البلاد ؛ من هنا كانت سياسة الاستثناءات في المرحلة الاولى من العقوبات ، أعقبتها سياسة غض النظر بالنسبة لبلدان ذات أهمية حيوية للاقتصاد الايراني مثل العراق ودبي ، ولنا ان نتذكر ان اوباما شكل فريق عمل لمتابعة العقوبات قبل عقد الصفقة النووية ودق جرس الانذار ان ظهرت اي تصدعات كبيرة في بنية الاقتصاد الايراني لغرض تعديل السياسة ؛ ولعل اكثر الاوهام انتشاراً بين بعض المراقبين في المرحلة الحالية هو تصور ان ايران باتت معزولة تعاني من ضغوط اقتصادية كارثية جراء العقوبات الامريكية ، وان ايران تلقي بنفسها الى التهلكة ، غير ان تقريراً اقتصادياً متخصصاً عن ايران اصدره ” المجلس الأطلسي ” مؤخراً يشير الى ان كلاً من العقوبات الامريكية والاجراءات الاوروپية المضادة لم تفلح في تحقيق أهدافها المرجوة بسبب نقص فادح في المعلومات عن الاقتصاد الايراني سواء من ناحية اليات ادارته او موارده الحقيقية جراء سياسات التكتم الشديد التي تفرضها السلطات الايرانية !!

غير ان الأهم كما يبدو هو ان ايران مازالت تمتلك وجهين ، تماماً كما كانت طوال تاريخها ؛ وجه للعلن ولشعبها ومناصريها في الاقليم المأخوذين بنجاحاتها الاقليمية غير عابئين بالبحث في العوامل التي قادت اليها ، ووجه للسياسة الواقعية التي شكلت على مدى التاريخ الحديث لايران منهاج عملها وتراثها السياسي .

فما الذي يجري حالياً على الصعيدين الدولي والاوروپي بشأن الأزمة ، والى اي حد يبدو طرفاها رهناً لمواقفهما المعلنة في البدء ؟!

انتهت قمة السبعة الكبار التي عقدت في فرنسا نهاية الأسبوع الماضي بتكليف الرئيس ماكرون لمواصلة اتصالاته بالجانب الايراني ، وتم تكليف وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا لمتابعة المباحثات وصياغة موقف بشأن الصفقة النووية وقضية حماية الملاحة في مضيق هرمز والخليج العربي ؛ كما جرى الحديث عن لقاء مباشر بين روحاني وترامپ أيلول / سپتمبر القادم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة ، وعلى اثر ذلك أعلن محمد فائزي مدير مكتب الرئيس روحاني ان وفداً ايرانياً سيصل پاريس خلال ايام قليلة لبحث كافة المواضيع . من جانبه كرر الرئيس الايراني موقف ايران داعياً الولايات المتحدة الى القيام بالخطوة الاولى باعتبارها الطرف الذي بدا الأزمة واشترط رفع العقوبات من اجل تحقيق اللقاء بترامپ . اما الاوروپيون فقد عبرت عن موقفهم السيدة موغيريني وخلاصته الدعوة للمحافظة على الاتفاق النووي ومواصلة الحوار . جرى ايضاً ، على الصعيد الاوروپي ، طرح أفكار عن تخفيف جزئي للعقوبات على ايران والمضي في عمليات تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة في الخليج العربي ، علماً ان بعض الدول الاوروپية لديها وجود عسكري بحري هناك مثل بريطانيا وفرنسا رغم التحفظ على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ، وتحفظها ايضاً على موقف ايران الخاص بتخفيف التزامها ببعض قيود التخصيب النووي واحتجاز ناقلة نفط بريطانية .

على الجانب الامريكي يبدو الموقف اقل تشدداً واقل اندفاعاً نحو مواجهة عسكرية مع ايران . لقد أبدى ترامپ انفتاحاً على قضية اللقاء مع روحاني واعتبر مقترح اللقاء مع روحاني خلال أسابيع قليلة امراً واقعياً ، وكان وزير الدفاع الامريكي قد صرح بان بلاده لاتسعى لمواجهة مع ايران بل تريد الانخراط دبلوماسياً معها من اجل التباحث لحل المواضيع الخلافية .

عملياً وعلى الارض تقوم اسرائيل ، وبموافقة امريكية واضحة ،  بأخذ زمام المبادرة بين أيديها قدر ماتتطلبه مقتضيات آمنها ” بكفكفة ” الوجود العسكري لايران او أذرعها من المحيط الذي قد يشكل تهديداً . هي تواصل استهداف مخازن الاسلحة والصواريخ الايرانية في العراق وسوريا دون رد ، وليس واضحاً ماهي خطواتها القادمة تجاه حزب الله اللبناني في لبنان ، غير ان المؤشرات تفيد بانها تتهيأ لعمل واسع النطاق ضد كل لبنان فيما لو تعرضت لعمل ما من جانب الحزب ، رغم قناعة بعض المراقبين ان ايران راعية حزب الله لن تجازف بدفع الحزب الى عمل من شأنه فتح مثل هذا الباب . سيكون الحذر هو سيد الموقف لدى الطرفين ، وهذا يعني ان الوضع القائم ونفوذ حزب الله في لبنان مرشح للاستمرار وهو ماتسعى اليه ايران في هذه المرحلة .

في اليمن يبدو ان الولايات المتحدة تتوجه نحو البدء بحوار مباشر مع الحوثيين الذين تدعمهم ايران من اجل تسوية النزاع في اليمن ، وهذا يعني الاعتراف بهم قوة سياسية شرعية وطرفاً اساسياً في آية تسوية محتملة ، وذلك يُسعد ايران بكل تاكيد ويمنح نفوذها اعترافاً امريكياً على الساحة اليمانية اياً كانت مكانتهم في مستقبل الوضع النهائي في اليمن .

النمط المنهجي الذي تستخدمه الولايات المتحدة لمواجهة خصومها على الساحة الدولية يتكون من عدة شعب : شيطنة الخصم وتصويره شراً مطلقاً لاسبيل للتفاهم معه الا بالنار والغضب ، ثم بذل المساعي لاستصدار موقف اممي يتم اتخاذه غطاءاً لتبرير العمل العسكري ضده ، وان تعذر ذلك فالعمل على تشكيل تحالف يعمل خارج اطار الامم المتحدة ؛ في حالة ايران لم يصل الامر حتى اللحظة الى اي من هذه المستويات . هنالك لوبي إيراني قوي داخل الولايات المتحدة تمكن من اعاقة عملية الشيطنة المطلقة رغم كل ما تقوله الادارة ، وهنالك من يعمل وبفاعلية ملموسة على تصوير ايران موطناً لحضارة تاريخية وانها رغم طبيعة نظامها ، الذي يتربع على عرش القرار فيه معمم ، افضل حالاً من نظرائه العرب حلفاء الولايات المتحدة . رؤساء الجمهورية فيه يتم انتخابهم وهنالك مؤسسة تشريعية منتخبة ويتم تداول السلطة بشكل سلمي ، واما المعمم المتربع على هرم السلطة فهو استجابة طبيعية لمنظومة المعتقد الديني السائد في البلاد ؛ فِي قضية اللجوء الى الامم المتحدة فهو امر خارج الصدد لان الذي خرج على الشرعية الاممية وخرق قراراً ملزماً وفق الفصل السابع هي الولايات المتحدة وليست ايران ؛ ولعل ذلك هو ذاته السبب الرئيسي لإعاقة تشكيل التحالف الدولي كخيار بديل . هنا تقف الولايات المتحدة منفردة وأقرب حلفائها المهمين ، بريطانيا ، مازالت تحتفظ لنفسها ببعض المسافة عن الموقف الامريكي ، وكان قيامها بالافراج عن ناقلة النفط الايراني غريس ١ رغم المطالبة الامريكية بمصادرتها مؤشر واضح على ذلك .

اذن لايبدو حالياً ان هنالك نذر مواجهة وشيكة بين الولايات المتحدة وايران واذرعها ، ولكن تترك الحرية لاسرائيل لابعاد ماتراه خطراً على آمنها من جانب ايران وبوسائلها وبدعم سياسي امريكي ، اما بقية الحلفاء في المنطقة فان عليهم ان يتخذوا من جانبهم مبادراتهم الخاصة للمحافظة على أمنهم تجاه اي تهديد إيراني باستثناء التهديد العسكري المباشر ، لان مثل هذا التهديد يعتبر خطاً احمر في السياسة الاقليمية للولايات المتحدة منذ عهد ادارة كارتر التي تبنت برنامجاً يقوم على التدخل الامريكي المباشر في المنطقة اذا ماعمد اي طرف اقليمي للإخلال بخارطة توزيع منابع النفط ، وهي ذات الستراتيجية التي عملت بموجبها ادارة بوش الأب حين شنت حربها على العراق بعد دخوله الكويت ، وقتها ذهب الرئيس بوش الى الكونغرس بعبارة واحدة أساسية طلباً للتخويل بشن الحرب : العراق اصبح يهيمن على ٢٠٪‏ من احتياطي النفط العالمي وهذا يمس مباشرة بالامن القومي الامريكي ، وقد كان له ما اراد .

هل يمكننا الحديث في هذه المرحلة عن كسب وخسارة لاي من اطراف الأزمة ؟! في تقديري انه من المبكر جداً الحديث عن ذلك ، الولايات المتحدة لاتخسر بحكم تفوقها المطلق ، وايران لاتخسر ايضاً لانها مازالت ، رغم ضيق خياراتها ، تحتفظ بموقف دولي مقبول وتحظى بدعم اوروپي وروسي وصيني دبلوماسي رغم تعرضها لبعض الانتقادات بسبب تخفيف التزاماتها في قضية تخصيب اليورانيوم ، لكن موقفها ومعظم نفوذها في الاقليم ليسا موضع اعتراض من جانب اي طرف دولي باستثناء الخلاف حول بعض تفاصيل مديات هذا النفوذ وأدواته . يبدي الاوروپيون بعض التحفظات حول التسلّح الصاروخي ولكنه ليس تحفظاً مطلقاً ، بل هم يتحفظون على تلك الصواريخ ذات المدى المتوسط ( ١٠٠٠-٢٥٠٠ كم ) التي يمكنها حمل رؤوس غير تقليدية والتي تسمى الصواريخ حاملة عربات العودة  Re-entry Vehicles ، وخاصة من طراز شهاب ٣ب الذي يمكنه تغيير خط طيرانه عدة مرات اثناء توجهه نحو الهدف ، ويُعتقد انه قد يكون قادراً على تخطي منظومة 2 Arrow الاسرائيلية المضادة للصواريخ  ؛ تسوية هذا الموضوع ليست عقدة كبيرة لايمكن تخطيها مقابل أثمان سياسية ، وهذا يعني شيئاً له أهمية حيوية لايران ؛ الصواريخ من هذا النوع هي أسلحة ردع ستراتيجي وليست صالحة للاستخدامات الميدانية التكتيكية ، وبالتالي فهي قابلة للمقايضة لقاء بديل ستراتيجي كالاعتراف بايران من قبل خصومها بانها قوة اقليمية شرعية ذات نفوذ يتناسب مع هذه المكانة على ان لايشكل تهديداً  امنياً لهم ، وبذلك تكون ايران قد تنازلت عن ترسانتها من هذه الصواريخ واحتفظت بالمعرفة التقنية الخاصة بها وبنفوذ مؤطر ولكن معترف به في الاقليم ، اي انها تتخلى عن الوسيلة مقابل وصولها للهدف دون حاجة لاستخدام تلك الوسيلة..

اذن في ظل هذه المعطيات ، هل تبدو المناورة على الموقف الامريكي من قبل بعض الاطراف مثل دول الخليج امر في محله .. اعتقد ان المشكلة تكمن أساساً في ضعف النظام السياسي العربي – الخليجي اكثر منها في الموقف الامريكي ومدى جديته . الولايات المتحدة قوة عظمى لديها حساباتها الخاصة ، وقد أشرنا لبعضها أعلاه ، وجيشها ليس قوة مرتزقة او شركة حروب خاصة تخوض حرباً بثمن مدفوع ، وليس من بين حساباتها مواجهة ايران حول قضية نفوذها الاقليمي تحديداً لصالح من يدفع ، ويبدو لي ان رؤية اوباما راسخة في العقلية الامريكية وخلاصتها ان الولايات المتحدة ستذهب للدفاع عسكرياً عن دول الخليج لمواجهة اي خطر عسكري خارجي وخاصة الايراني ، ولكنها لاتستطيع فعل شيء ازاء الاخطار الداخلية التي تستدعي النفوذ الايراني . ان غياب الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة عقلية الطغيان المطلق لفرد حاكم وحاشيته هما مصدر الجذب الذي يمنح ايران فرص نفوذها في المنطقة وليست جاذبية خاصة تتمتع بها ايران لانها لاتمتلك اياً من عناصر هذه الجاذبية باستثناء انها صارت موئلا لقلة طائفية من الساخطين المستثمرين في عثرات مجتمعاتهم التي يسببها فساد الحكام وطغيانهم وغرورهم ،،،

Sent from my iPad

أحدث المقالات