23 ديسمبر، 2024 6:09 ص

من الذي انشلع ومن الذي انقلع ؟

من الذي انشلع ومن الذي انقلع ؟

جميل هو المصطلح الذي استخدمه سماحة السيد مقتدى الصدر ( شلع قلع ) , والذي قصد به توجيه تهديد للسيد رئيس الوزراء في حالة عدم اتخاذه خطوات سريعة وجريئة للقضاء على الفساد المستشري في كل مفاصل الحكومة والدولة .
ولكي يثبت سماحته أنه جاد في متابعة مطلبه الاساسي شارك وألقى خطبة مؤثرة في اول مظاهرة نظمها اتباعه الذين تجاوز عددهم كثيرا كل المظاهرات التي نظمها ابناء الشعب على مختلف مكوناتهم في ساحة التحرير منذ بدء عملية التظاهر التي بدأت قبل اشهر .
أول من انزعج وامتعض وعارض , بالسر والعلن , خطوات واجراءآت السيد الصدر بشأن مكافحة الفساد هو حليفه في التحالف الوطني السيد نوري كامل المالكي رئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف دولة القانون , اما بقية مكونات التحالف الذي يضم كل الاحزاب والتكتلات الشيعية في العملية السياسية , فقد أدانوا بصمت الخطوات الصدرية , عندما سكتوا ولم يعلقوا لا بالتأييد ولا بالمعارضة وكأن الأمر لا يهمهم ولا يعنيهم , وكأن السيد مقتدى الصدر ليس عضوا بارزا في تحالفهم الشيعي الذي يترأسه السيد ابراهيم الجعفري .
قيل ان اول مظاهرة صدرية في ساحة التحرير كانت مليونية , لكن البعض انكر ذلك , هذا الأمر ليس مهما بالنسبة لي لكن المهم ان عدد الذين لبوا نداء القائد ( كما يطلق عليه اتباعه ) كان اكبر بكثير من كل المظاهرات السابقة , الى درجة اذهلت حلفائه قبل معارضيه , فسكتوا الا السيد المالكي الذي لم يتحمل السكوت فأعلن انه يؤيد الاصلاح ويعارض التظاهر .
عندما حضر السيد الصدربنفسه التظاهرة الاولى التي سبق له ان قال انه سيلقي خطابا مهما اثنائها وأنه سيتولى امامة المتظاهرين في صلاتهم , قيل ان خبرا وصله يفيد بوجود مؤامرة لاغتياله , لكن ذلك لم يثنه عن القاء خطابا سمعه وشاهده كل العراقيين , أما بالنسبة للصلاة فقد طلب من اتباعه تأديتها كل في مكانه .
كل السياسيين , بكل طوائفهم , الذين طالبوا رئيس الوزراء باجراء اصلاحات لمكافحة الفساد , اكتفوا باطلاق التصريحات الرنانة من دون اتخاذ اي اجراء عملي , عدا السيد مقتدى الصدر الذي دعى اتباعه للاستمرار بالتظاهر في كل انحاء العراق , مما أدى الى حصول مشاركة واسعة من قبل مواطنين ليسوا من اتباع التيار الصدري , كما ان المرجعية الدينية ابدت مؤازرة حذرة ومتابعة دقيقة لما يجري حرصا منها على تحقيق اصلاح حقيقي .
عندما شعر السيد مقتدى ان تجاوب السيد رئيس الوزراء ليس بالمستوى المطلوب شعبيا , وان كلمته هو اصبحت مسموعة من قبل كل ابناء الشعب ( ليس القيادات ) لأهمية مطالبه , قرر تنظيم اعتصام سلمي على محيط المنطقة الخضراء التي اطلق عليها اسم ( المنطقة الحمراء ) .
هذا القرار لم يعجب الكثيرين كرئيس الوزراء الذي مضت عليه شهور وهو يحمل راية الاصلاح من دون جدوى , وكذلك قادة الاحزاب والتكتلات السياسية , ثم ان بروز اسم ( مقتدى الصدر ) ونجاحه في اتخاذ خطوات جريئة ضد فساد شمل جميع مؤسسات الدولة وكل الاحزاب السياسية , سيجعل منه شخصية يتطلع اليها العراقيون ويتمنون نجاحها في تحقيق اصلاح حقيقي طال نتظاره .
القيام باعتصام على مدى امتار من دواوين الحكومة والبرلمان ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والسفارة الامريكية وبقية السفارات الاوربية ودوائر اخرى قد تكون مجهولة لدى الشعب العراقي , هو أمر أقل ما يقال عنه انه مثير للاستغراب , ومع ذلك فقد قرر السيد مقتدى المضي في مشروعه وهو مقتنع ان اتباعه لن يخذلوه .
بعض معارضي السيد الصدر تمنوا ان لا يعتصم لأنه قد ينجح , وبعضهم تمنوا أن يعتصم لأنه قد يفشل وينتهي ويريحهم .
المهم ان الاعتصام الصدري قد تم بنجاح باهر ومن دون معوقات ومن ضمنه اعتصامه هو داخل المنظقة الخضراء . لقد كانت تلك خطوة جريئة بحق , قضت على الأقاويل التي أثارها منتقدوا قائد التيار الصدري من أنه سيتراجع كما فعل في مواقف سابقة .
لقد جذب انضباط المعتصمين الصدريين والتزامهم بما اوصاهم به قائدهم من وصايا , نظر المراقبين الذين كانوا يتوقعون حدوث اعمال شغب , فأشاعوا ان السيد مقتدى قد اجرى اتصالا مع السفارة الامريكية طمأنهم فيه ان المعتصمين لن يدخلوا المنطقة الخضراء , اذا كان هذا الاتصال قد جرى فعلا فانه سيحسب له وليس عليه , لأن الاعتصام كان موجها للحكومة التي هي صاحبة الشأن في اجراء الاصلاحات وليس للسفارة الامريكية .
الامر المهم ان الاعتصام الذي دعى اليه السيد مقتدى الصدر قد نجح نجاحا باهرا اذهل حلفائه من الشيعة اكثر من اعدائه , فظهر السيد نوري كامل المالكي مرة ثانية على شاشات الفضاءيات ليقول بالحرف الواحد ان الاعتصامات هي اعمال غير شرعية وغير دستورية , وأكد ان كلمة اعتصام غير مذكورة في الدستور العراقي .
لم يعارض السيد المالكي اعتصام سماحة الصدر دفاعا عن رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي , فهو يعمل على اسقاطه منذ اول يوم تولى فيه رئاسة الوزراء , لكنه فعل ذلك للتقليل من سمعة و سطوة حليفه السياسي في الائتلاف الوطني سماحة مقتدى الصدر الذي اثبت لكل العراقيين وفي مقدمتهم حلفائه الشيعة أنه يمتلك تأثير جماهيري حقيقي يفوق بكثير قدرة كل الساسة الشيعة في العملية السياسية وفي مقدمتهم السيد نوري كامل المالكي نفسه .
في ردة فعل سريعة , أزاء اعتصام السيد الصدر , سارع السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء الى تبني خطة ذكية, أساسها تشكيل حكومة تقنية ديموقراطية ( تكنوقراطية ) مستقلة وليست حزبية . تلخصت الخطة في تقديم قائمة تضم وزراء اكفاء وطنيين مستقلين بدلا من الوزراء الحاليين الذين ينتمون الى الاحزاب السياسية التي يسودها الفساد , وان قائمة الوزراء هي من اختيار لجنة خاصة شكلها العبادي . ذهب السيد العبادي بنفسه الى مجلس النواب وعرض على
النواب مظروفا مغلقا سلمه الى رئيس المجلس السيد سليم الجبوري يضم اسماء الكابينة الوزارية الجديدة .
في هذه المرحلة فاجأ السيد الصدر كل الذين يشتركون بالاعتصام , والذين يتابعون حملته الجريئة لاجبار الحكومة على الاصلاح وكل الشعب العراقي بأن اعتصامه قد انتهى بعد ان حقق ما يصبو اليه , وطلب من اتباعه المعتصمين انهاء اعتصامهم وشكرهم على ما بذلوه من جهود , وأن يعودوا الى قواعدهم سالمين , فعادوا , وهكذا انتهى الاعتصام الصدري قبل ان يفتح السيد سليم الجبوري المظروف الذي سلمه له رئيس الوزراء حيدر العبادي .
ما الذي جعل سماحة مقتدى الصدر يتصور ان اهدافه التي اعتصم هو واتباعه من اجلها قد تحققت ؟ ان ما فعله رئيس الوزراء هو خطوة وليست حلا . فالوزارة ما زالت كما هي , والمناصب ما زالت تباع , ومزاد البنك المركزي مازال جاريا , والاموال مازالت تغسل .
يقال والعهدة على الراوي أن السيد نوري المالكي يمتلك صوتا عاليا يسمعه كثيرون داخل وخارج العراق , وانه تمكن من ايصال صوته الى جهات خارجية ابلغت السيد مقتدى ان اهدافه تحققت , وان من الافضل له ان ينام في بيته وليس في خيمة داخل المنطقة الخضراء فوافق سماحته وعاد الى بيته بصحبة اعوانه المعتصمين .
لقد اعلن سماحة السيد مقتدى الصدر مرارا لابناء الشعب العراقي , أنه في حالة عدم تحقق اهدافه في مكافحة الفساد فانه سيلجأ الى الشلع والقلع , الا ان هذا الشعب المسكين ( اقصد الشعب العراقي ) وانا منهم , لا نعلم حتى الآن , بعد ان تابعنا باهتمام عملية اعتصام السيد مقتدى واتباعه , من الذي انشلع ومن الذي انقلع ؟ فكل شيء باق على حاله .