22 ديسمبر، 2024 8:31 م

من الحرب الصليبيَّة إلى الحرب الصهيوـ وهابيَّة

من الحرب الصليبيَّة إلى الحرب الصهيوـ وهابيَّة

بعد قرابة السبعين عاماً من العداء أقنع الحلف الصهيوـ وهابي  العرب بأنهم على خطأ كبير في موقفهم تجاه دولة إسرائيل, وأنها لم تكن الخطر الحقيقيَّ عليهم, ولم يرفع شعار دولتك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل لأغراض الهيمنة، بل لكي يشمل التحضُّر الصهيوني أوسع ما يمكن من الرقعة الجغرافية, وإلا فإن الحقائق الديموغرافية السكانية تقف حائلاً دون ذلك، والدليل هو إنَّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقع تحت سيطرة إسرائيل الاقتصادية وتفوُّقها العسكريِّ بدون الحاجة إلى احتلال مباشر يستنزف طاقاتها واكتفت بحدودها الجغرافيَّة .  
 وإنَّ العرب بحاجة الى وجود إسرائيل؛ ليشكلوا رقماً صعباً في موازين القوى العالميَّة, وهي متفضِّلة في أن تكون مصدر الإشعاع لظلماتهم الجاهلية , والشراكة مع اليهود تعطي الشرعية لوجودهم الإنسانيِّ على مستوى العالم وتأشيرة الدخول إلى العولمة, وإنَّ ما حصل تجاه إسرائيل منذ التأسيس عام 1948 لا يختلف عما واجهه أيُّ مصلح أو نبي عندما يكذِّبه قومه .
 تغلَّب التحالف الصهيو ـ وهابي بعد صراع ومجالدة وتضحيات على الصعيدين الداخلي والمحيط الإقليمي,  وتقنَّع  بالسلام والتطبيع ونبذ الكراهية والانفتاح الاقتصاديِّ والثقافيِّ والسياحيِّ، ويدعو العرب إلى فكِّ الارتباط بعقدة التاريخ، والتعامل بالحقائق الجغرافية، والنظر باتجاه المستقبل وما يمكن أن ينتج عن التزاوج بين العقليَّة اليهوديَّة والمال العربيِّ من آفاق العلم والثقافة والتحضُّر والديمقراطيَّة، وفُرِضَت هذه القناعة على العرب بعد هزائم متتالية آمنت بعدها بحقِّ إسرائيل بالوجود أسوة بعباد الله, وأكثر من ذلك اكتشفت الوهابيَّة العروبيَّة أنَّ اليهود أقرب شعوب العالم إليهم وهم من نفس النسيج(العرقي) أي أنهم أبناء عمومة يجمعهم الانتساب إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، فاليهود أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم, والعرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم . فإسحاق وإسماعيل هما أخوان أبناء سيدنا إبراهيم!!
 فإسرائيل ليس في سياستها أو أيديولوجيَّـتها تهويد العرب عكس أطراف أخرى (العدو الحقيقي) التي تهدف إلى تصدير ثورة الإصلاح وتعمل على تغيير جذريٍّ في مذهبيَّة العرب، والتشكيك برموزهم المقدَّسة وحضاراتهم الجاهليَّة و الراشديَّة والأمويَّة والعباسيَّة والأندلسيَّة والأيوبيَّة والمملوكيَّة والعثمانيَّة والوهابيَّة.
بعد وفاة عبد الناصر عام 1970تصدَّى للنفاق القوميِّ كلٌّ من صدام حسين و معمر القذافي وحافظ الأسد، وعلى الرغم من كونهم أجبن من أن يشكِّـلوا خطراً على إسرائيل إلا أن دفعهم باتجاه الكراهية لها شكَّـل عاملَ قلقٍ .
ــ من هو العدوُّ اللدود للعرب ؟ !!
لم تكن إيران الفارسيَّة المجوسيَّة الصفويَّة الزرادشتيَّة عبدة النار, هي العدوَّ الحقيقيَّ للعرب . على الرغم الطموحات البهلويَّة الشاهنشاهيَّة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، واحتلاله لجزر العرب في الخليج، وعلاقاته الحميمة بإسرائيل، وقيامه بدور شرطي أمريكا في الخليج، ونزعته الإمبراطوريَّة هو الصديق الحميم للعرب، إذ يتضح أن العدو الذي يستهدفه العرب ويشكِّـل خطراً عليهم ليس إيران بل هم,,,,,,,,,,,,,,   الشيعة   ,,,,,,,,,,,,,,,,.   
عند قيام الثورة الإيرانية عام 1979 بزعامة الإمام الخمينيِّ، والإطاحة بالشرطيِّ الشاهنشاهيِّ، وإغلاق السفارة الإسرئيلية في طهران، ووضعها في صدارة أعدائها، وإعلانها ولاية الفقيه، انتخى العرب الوهابيَّة لأولاد عمومتهم اليهود، وقاموا بشراء مواقف بقية العرب بمعاداة الشيعة والتحشيد ضدهم؛ كونهم يشكِّـلون خطراً داهماً على الأيدولوجيا العربيَّة الصهيوـ وهابيَّة وتراثها المخزي بعد أن أصبح للشيعة دولة كبرى على المستوى الإقليميِّ، فشنُّوا الحرب ضدَّهم بداية بـ”قادسية صدام” الطائفيَّة المغلَّـفة بالعنصريَّة القوميَّة وصولاً فيما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بفرق الموت التكفيريَّة القاعديَّة والداعشيَّة، معزَّزة بالفتاوى التي أباحت دمَ الشيعيِّ وعرضه وماله بالتزامن مع قيام الإسرائيليِّ بشنِّ العدوان على شيعة لبنان عام 2006، واحتلال البحرين من قبل درع الجزيرة؛ لقمع الشيعة واستمراراً وليس انتهاءً بشنِّ الحرب ضد الشيعة الحوثيِّين في اليمن وقمع الشيعة في “المنيكة” العربيَّة السعوديَّة وتدمير سوريا العلويَّة، وشراء فتاوى الأزهر بعدم السماح لانتشار المذهب الشيعيِّ في مصر التي كان لتأثير الخطاب الوهابيِّ السلفيِّ داخلها سبباً في ارتكاب أكبر جريمة هزَّت ضمير الإنسانيَّة بقتل الشهيد (حسن شحاتة) بمنتهى الوحشيَّة والقسوة، لا لشيء إلا لكونه شيعياً . والطريف إنَّ هذا الانقسام الطائفيَّ بالإضافة إلى انعكاسه على النسيج الاجتماعيِّ في كلِّ البلدان العربيَّة والإسلاميَّة الذي هو في حقيقته الفوضى الخلَّاقة التي افتعلتها أمريكا في المنطقة، والتي أرادت من خلالها أمريكا سلب مقدَّرات الشرق الأوسط العسكريَّة والاقتصاديَّة، وتقسيم دول المنطقة مذهبياً وتأمين إسرائيل لعشرات السنين القادمة من أيِّ خطر قد تتعرَّض له من دول الجوار، وأصبح كلُّ شيعيٍّ في العالم عميلاً إيرانياً حتى لو ثبت العكس  …………..!! انعكس أيضا على المستوى العالميِّ فانقسم العالم إلى معسكرين: المعسكر الشيعيّ بقيادة روسيا الاتحاديَّة ويضمُّ روسيا والصين وكوريا الشماليَّة وإيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين  من جهة، والمعسكر الصهيو ـ وهابيّ الذي تقوده الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ويضمُّ أمريكا وإسرائيل والسعوديَّة و دويلات الخليج والأردن وتركيا .
فاستبيحت بلاد الشيعة، واخترقت حدودهم، وتمَّ تحشيد مرتزقة العالم من كلِّ أصقاع الأرض؛ لتمعن بهم قتلاً شنيعاً لا يحول دونه أيُّ وازعٍ أخلاقيٍّ . إلا أنَّ هذه الفوضى الخلاقة بعد أن اختمرت عجينتها وجاء الوقت الذي تقوم به أمريكا بتشكيلها  منفردةً، وجدت أمامها الدبَّ الروسيَّ والتنين الصينيَّ قد خرجا من قمقميهما؛ ليعودا نِـدَّين لها ويعودا إلى المزاحمة في السيادة القطبيَّة للعالم، ويطالبان بحصتيهما في النفوذ الجغرافيِّ العالميِّ، فانقلب سحر الفوضى الخلَّاقة على الساحر الأمريكيِّ، وذهبت أدراج الرياح الجهود التي بذلها القطب الواحد الأمريكيُّ منذ سقوط الاتحاد السوفيتيِّ عام 1989 ولغاية 2015، فلا أفغانستان والعراق اللذَين احتلهما بشكل مباشر أصبحا تحت سيطرته، ولا سير المعارك الطائفيَّة التي افتعلها في لبنان وسوريا واليمن ولبنان والبحرين وشمال إفريقيا العربيُّ تحت سيطرته، وكان يرغب ( الأمريكان ) أن تطول الحرب الطائفيَّة إلى ثلاثة عشر سنة؛ ليتخطَّى الشيعة إلى المذاهب السنيَّة الأخرى التي نأت بنفسها عن الدخول إلى هذا المنزلق الوهابيِّ التكفيريِّ الذي طالها سعيره .      
وفي محاولة لإثبات نقاء الدم العربيِّ ومناعته من التأثُّـر بالمذهب الشيعيِّ تمَّت البراءة من العرب الذين يعتنقونه، وإرجاع نسبهم وجذورهم للأقوام الهنديَّة والفارسيَّة، ويحاول العرب الوهابيَّة التخلُّـص من الشيعة بالإبادة الجماعيَّة، بحيث لا تُقبَل منهم توبة أو تراجع عن مذهبهم، ولا تُقبَل منهم الجزية، ولا يُعامَلون معاملة الأديان الكتابيَّة الأخرى.
كما أباد الأوربيُّون الهنود الحمر سكان أمريكا الشماليَّة الأصليِّين،   والأسبان والبرتغاليِّـون لشعب المايا السكان الأصليِّين لقارة أمريكا الجنوبيَّة، وهتلر لليهود في ألمانيا النازيَّة، والأسبان للمسلمين في الأندلس، والإسرائيليُّون لشعب فلسطين .
ولم يكن هذا العداء ناتجاً عن تبنِّي الشيعة لنظرية الإمامة وموقفهم من بعض الرموز التاريخيَّة , بل لكونهم يحولون دون نجاح الفوضى الخلَّاقة بدخول إسرائيل كعضوٍ في جامعة الدول العربيَّة ومنظَّمة المؤتمر الإسلاميِّ، بالرغم من الوجود غير المباشر لها من خلال “المنيكة” السعوديَّة و دويلة قطر, وتمسُّكهم بفلسطين وبيت المقدس، ومعارضتهم للهيمنة الأمريكيَّة، وعدم سماحهم لإسرائيل بمسخ ثقافتنا وتهويد تراثنا وسلبنا لقوتنا العسكريَّة والاقتصاديَّة، ولكون الشيعة أصبحوا قوَّةً فاعلةً على المستوى العالميِّ والإقليميِّ تهدِّد إسرائيل، وتحول دون هيمنتها على العالم العربيِّ والإسلاميِّ، ولم يوافقوا على تبنِّي ثقافة العولمة والفوضى الخلَّاقة.