أطاحت نتائج الحرب العالمية الأولى بخريطة العالم وأتت بمتغيرات شاملة عصفت بكل أوربا ومست تكوينها الجغرافي ومرتكزاتها الإقتصادية والإجتماعية والفكرية ولاشك أن العقوبات التي خرجت من معاهدة فرساي 1919 ضد ألمانيا كانت أحد الأسباب للتهيئة في إندلاع حرب قادمة أشد ضراوة بالتأثير من الحرب الأولى وكنتيجة كذلك لهذه الحرب فقد قام تحـالف جديد باسم (المحور ) حيث ظَمَ ألمانيا وأيطاليا واليابان وظهرت ألمانيا الجديدة المانيا ذات الإتجاهات النازية وظهرت إيطاليا الجديدة ذات النزعات الفاشية ناهيك أن
الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة لهذه الحرب أيضا قد إنتقلت من الإتجاه السلمي أي الإنتقال من مبدأ (مونرو ) إلى تبني الرئيس ولسن لسياسات التدخل والإندفاع نحو الحروب ،
كان الوطن العربي أنذاك الساحة الخلفية لهذه الحرب
وكان قبل ذلك وجله يدار من قبل الإدارة التركية عبر مسمى الدولة العثمانية الإسلامية ورغم أن الأتراك لم يسعوا لتتريك المنطقة العربية المحتلة لكنهم ساهموا بتخريبها
حيث كانت إدارتهم للبلاد مثالا للفساد والتدهور في العديد من المجالات ولابد لهذه الدولة المترامية الأطراف أن تشيع قبل وفاتها لذلك نجد أن بريطانيا وفرنسا حين عرفوها بالرجل المريض وخلال العام1916 إتفقتا على وراثتها وضمن معاهدة سرية بينهما عرفت بمعاهدة (سايكس – بيكو ) تم تقسيم المشرق العربي وتم هذا التقسيم بمباركة روسيا القيصرية بموجب إجراءات غض النظر من
قبل الدولتين في إطلاق يدي روسيا للسيطرة على بعض المناطق في أسيا الصغرى ،
وبموجب ذلك تم إخضاع الدول التي كانت خاضعة تحت السيطرة العثمانية فقد إنتقل خضوعها تحت السيطرة البريطانية والفرنسية وبموجب ماخطط له قبل بداية هذه الحرب وما أجمعت عليه اليهودية العالمية فقد وضعت فلسطين تحت الإشراف الدولي ،
لم تكن حال أغلب البلدان العربية بعد الحرب بأفضل منها قبله فهو إمتداد لحالة التخلف والفقر والنكبات وتكميم الأفواه وغياب الحريات ،بل مر العالم العربي بفترات من الظلامية واليأس لفقدانه إستقلاله وتبعيتة
للأطراف التي تحاربت أنذاك ،
وقد ذكرنا فان نتائج الحرب الكونية الأولى قد وضعت أسباب قيام الحرب الكونية الثانية
1939- 1945
والتي كانت نتائجها أشد إيلامها وأعصف تأثيرا من الحرب الأولى فعلى الصعيد البشري وبعد سنوات ست فان إجمالي الخسائر البشرية مابين قتيل وجريح ومعوق ومشرد قد فاق(100 )مليون نسمة كما أن أبرز تحول عسكري في هذه الحرب هو إستخدام أسلحة التدمير الشمولية حين قامت الولايات المتحدة الأمريكية بأستخدام السلاح النووي ضد مدينتي (هيروشيما وناغازاي ) اليابانييتين ناهيك عن تدمير مدن باكملها في العديد من المدن الأوربية ،أما على الصعيد السياسي فقد أدت نتائج الحرب سياسيا الى توسع النفوذ البريطاني والفرنسي والسوفيتي وقيام محورية عالمية جديدة عرفت فيما بعد إقتصاديا بالشرق الإشتراكي والغرب الراسمالي وماصاحب هذين الإتجاهين من ظهور إتجاهات إقتصادية وفكرية وأدبية كنتيجة لهذا الظهور الإقتصادي الجديد في شكل من أشكاله أو كنتيجة حتمية تطلبتها نتائج الحرب العالمية الثانية التي هزت البنى الروحية لأبناء الأرض سواء الذين كانوا تحت تأثيرها المباشر أو المتضررين جزءيا منها
وقد سعت أمريكا لإحتواء القوى الجديدة فنجحت بدعواها لإنشاء الأمم المتحدة لترتيب شؤون العالم الجديد وحل مشاكله ضمن دعوى الطرق السلمية لتهيئ لنفسها دورا جديدا في قيادة العالم وفق أسلوب السيطرة العسكرية المباشرة حين جعلت من بنود ومواثيق الأمم المتحدة بنودا ومواثيق تخدم مصالحها وتشرع لها الأحقية في إتخاذ أي إجراء تراه منسبا ضد أي دولة في العالم مهما كان تاريخها وحجم سكانها وهو تهديد لمفهوم السلام العالمي
والإتفاقات الدولية والعلاقات الثنائية والإقليمية‘
والذي يهمنا من تلك المقدمة الموجزة هو ماتأثير هذه الحرب الحرب العالمية الثانية على الوطن العربي وهل هناك نتائج إيجابية أوانها على الصعيد المستقبلي المنظور الذي يمكن أن يفرزه ذلك الصراع ،
من نتائج سلبية على المنطقة العربية في المجال الإقتصادي وتأثيراتها في مجال غياب الحريات كانت واضحة أيضا وكذلك محاولة شل الحركات
السياسية ومحاربة الأصوات الوطنية الحرة التي تدعو إلى الإستقلال ونيل السيادة ،
ولاشك فقدأستُخلصت منها نتائج إيجابية ظهر ذلك جليا في الدور الذي لعبته الجمعيات والأحزاب والصحافة في دعم المطالب الوطنية ورافق ذلك نهضة فكرية وثقافية تدعو الى مراجعة القديم والتحرر من سطوته ودراسة الجديد والإفادة من المعطيات التي تنسجم ورغبة الفرد العربي بالتخلص من الجمود والببغائية الى التفكيروالتحليل والتجريب ،
ونتيجة لرغبة الأقوياء لدعم وجودهم الجديد وإقامة علاقات لدعم هذا التوجه فقد رافق مساندة الإتحاد السوفيتي لحركات التحرر في العالم والتي تكافح من أجل التخلص من السيطرة الإستعمارية المباشرة أو من أشكال أخرى كالتبعية الإقتصادية والسياسية رافق ذلك قبولا وإسنادا لهذه الدعوات من قبل الشعوب المضطهدة وكانت النظرية الماركسية تقدم حلولا مناسبة لمخاوف الجماهير
إزاء السكن والتعليم والصحة وغيرها من الأساسيات وعربيا وجد العرب بالصداقة العربية السوفيتية طريقا لنيل حقوقهم ومساندتهم تجاه الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل وحلفائها الأخرين وكان قطبى الرحى على أشده في هذا الصراع سواء ذلك الصراع الخفي بين الماردين أو الصراع الذي أخذ شكلا مباشرا في العدوان الثلاثي على مصروثورة الجزائر ضد الإحتلال الفرنسي وقد سبق ذلك ثورة العشرين في العراق ضد الإحتلال البريطاني ونضال الشعب الليبي ضد الهيمنة الإيطالية وقد كانت نتائج عديدة لتلك اليقضة من أهمها
تبلور الفكر القومي وماتبع ذلك من قيام الثورة في العراق (1958 ) وتأسيس الجمهورية العراقية ونيل البعض من بلدان الخليج إستقلالها والإنفتاح نحو الحكم البرلماني الشكلي
ولاشك أن التأثير الذي تركه المتغير الفكري ونزوح العقائد والإيدلوجيات من بلدانها للأرض
العربية أدام زخم الجدال في قضايا السياسة والأدب (الشعر ) خصوصا
وعمق التوجه نحو الفنون الأخرى فشهد العراق على سبيل المثال موجه من التطرف من قبل العديد من الشباب نحو الحداثة بل ومواكبة التحولات في المظهر وفي السلوك اليومي وفي تقليد بعض الظواهر الغربية وإن كانت بنسب محدودة
إذ أن الإندفاعات نحو التوصل للمغري وإكتشاف غير المعلوم ومغادرة عقدة الخوف كما ذكرنا سابقا ساعدت نحو مغادرة بعض الشكليات القديمة في نواح معينة في أذهان العديد من الشباب الذين كانوا يتطلعون إلى شئ ما ،
شئ ما يتقبلون بها الحياة التي ملتهم وملوها ،
لقد كانت هناك دلائل كثيرة فيما أعقب الحرب العالمية الثانية إن قطاعات الحياة المختلفة ستشهد تغيرا كلا في مجاله وقدرات القائمين على هذا النشاط أو ذاك يرافق ذلك زيادة ملحوظة في عدد المتعلمين وزيادة في عدد المكتبات
ونشاط ما في حركة الترجمة رغم محدودياتها بسبب الإمكانيات وكذلك ظهور الصالونات الأدبية ومقاه الأدباء يقابل ذلك كله محدودية تقبل دور الأدب الإرشادي وأنحلال الروح الإقطاعية سواء في السلطة أو العائلة ليصبح الجديد واقعا لامناص من الإطلاع عليه وبالتالي لامناص من تقبله ،يقابل ذلك في مجال الشعر ظهور أسماء لامعة من النقاد رغم وجود من تقاطع مع الحداثة الجديدة والإلتفاف عليها تحت تأثير القديم أو تأثير المؤسسة الحاكمة لكنهم كرسوا جهودهم في الذود عن الشعروأسئلته ومفهوم الأدب منهم على سبيل المثال عز الدين إسماعيل، محمد غنيمي هلال ،
إحسان عباس ، عبد القادر القط ‘محمد مندور،عيسى بلاطه،شوقي ضيف ،جميل سعيد ، لويس عوض، محمد بدوي أمينه السعيد ،أحمد الصاوي وبعد هذا الجيل من النقاد شكل أخرون الحلقة الثانية النقدية في الوطن العربي والذين كانوا أكثر تحررا في النظر إلى مفاهيم الحداثة الجديدة من الأسماء التي ذكرتها ومنهم وللمقاررنة محمد جمال باروت،
لقد بدأت الضرورات الروحية تعلن عن نفسها لتحقيق الفعل السحري والإبداعي ،
فماذا فعلوا شعراء تلك المرحلة …؟
يتبع…