23 ديسمبر، 2024 12:21 ص

من البصرة الى الأنبار الفساد يزكم الأنوف

من البصرة الى الأنبار الفساد يزكم الأنوف

في الأيام القليلة الماضية فضائح الفساد في مجالس المحافظات شاعت بالطبل والمزمار, بعد ان كان اولي الأمر يحاولون طمطمتها ولفلفتها, برغم ان الناس صار لهم سنين يتظاهرون ويحتجون على استشراء الفساد في مختلف المفاصل ويؤشرون الى العقود الباطلة والأموال المهدورة ومرتكبي جرائم النهب العلني لثرواتهم وقوت يومهم, ولكن من دون ان تحرك الحكومة واجهزتها ساكناً..

المهم ،اليوم، يسجل لهيأة النزاهة، بعد غياب مآثرها في اتخاذ اجراء ضد بعض الفاسدين, نأمل ان يكون ذلك نهجاً وليس تكتيكاً في إدارة الصراعات على السلطة والنفوذ والإستيلاء على المال العام، وان لا يتوقف الأمر عند قضية أو قضيتين, وإنما هذا الضوء الأخضر الذي وضع مسؤولين في مجلس محافظة البصرة خلف القضبان ان يستمر, ولا يخضع للمساومات والتسويات وبالتالي تسخف الحملة على الفساد وتصبح لا معنى لها وييأس المواطنون من حماية المال العام ومن الناطور الذي صحى على غفلة.

تحرك الأجهزة المسؤولة في البصرة باعتقال رئيس مجلس محافظتها وبعض المسؤولين على ذمة التحقيق ومن ثم احالة محافظها الى هيأة النزاهة وتزامن ذلك مع دعوة السيد الصدر لبعض نواب كتلة الأحرار للحضور الى النجف للمثول امام لجنة التحقيق الخاصة, وكنا نتمنى ان يحالوا الى الأجهزة الحكومية المختصة, لأنها الأقدر والأكثر خبرة ودراية في التحقيق بمثل هذه الأمور, وكي لا يفسر الأمر على انه تنفيس عن الإحتقان الذي تمور به النفوس مثلما حدث من قبل مع آخرين من التيار, والذي لم يكن مقنعاً ولم يؤخذ على محمل الجد.

ولم يقتصر الأمر على البصرة التي فاحت رائحة الفساد فيها وغطت على تلوث مدينتها بما تنفثه الآبار النفطية من سموم ويا ليت ان اهلها يحصلون على بعض مما يدره هذا الذهب الأسود.. وانما امتدت مكافحة الفساد الى محافظة الأنبار, فقد داهمت قوات سوات مقر مجلس المحافظة قيل للقبض على 28 عضواً فيه ولكنها لم تجد احداً فقد سرب اليهم نبأ صدور أوامر القبض, وهذا مؤشر على عمق الفساد ودلالة على نفوذه وتغلغله, والذي يتطلب اساليب غير مطروقة واجراءات صارمة ومتابعة وملاحقة غير اعتيادية.

الناس فيما بينهم لا يختلفون على ان مجالس المحافظات شكلت مرتعاً لوحوش الفساد واهدرت نسبة كبيرة من الأموال طوال السنوات السابقة, ولم تقدم اليهم الخدمات الممكنة جراء التركيبة الخطأ لهذه المجالس نتيجة قانون الإنتخابات المتخلف والمشجع على التحاصص, وعلى التمثيل المتمثل الذي افرز بعض القيادات الفاسدة وأبعد ذوي الكفاءات والطاقات والنزاهة من تولي المسؤولية وخدمة الناس.

الواقع ان عملية سياسية بهذه المبادئ والآليات لا يمكن ان تكون صحيحة وسليمة ولا تهيئ الأجواء لمحاربة الفساد والمفسدين, بل انها تشجع على ذلك.

اذا نظرنا الى القوى الحاكمة في المحافظتين وغيرهما نرى ان قوى الإسلام السياسي هي المسيطرة وصاحبة السلطة, ولا فرق بينها وان اختلفت تسمياتها ومذاهبها في اقتراف الفساد, فها هم في البصرة من الإسلام السياسي الشيعي وأقرانهم وشركائهم في الأنبار من الإسلام السياسي السني, وكلاهما لم يردعهما مرجع او مبدأ, بل انهما تماديا في الجور على اموال المواطنين واستغلوا الدين لمآرب ومصالح ضيقة.

ما جرى في المحافظتين والمحافظات الأخرى التي تنتظر قراراً شجاعاً يزيح الغطاء عن الفساد ينبغي ان يكون حافزاً للإصلاح الجذري والشامل, وهو فرصة لتشريع قانون انتخابات عادل ولا بد من تشديد الضغوط على مجلس النواب الذي يناقش مشروع هذا القانون الآن, وعدم فسح المجال مرة اخرى لتكرار نفس الوجوه والمآسي والجرائم.

اي حديث واجراء بصدد مكافحة الفساد يبقى ناقصاً ما لم تتاح الامكانية المرنة لوجوه جديدة تتبوأ المناصب الأساسية في مجالس المحافظات وغيرها, وجوه تحملها صناديق الاقتراع وتمثل أوسع شرائح المجتمع وتخرج المجالس من الهيمنة الحالية, لكي تبدأ ليس بالحملة الناجعة على الفساد وانما البناء الصحيح وتقديم الخدمات للمواطن وحماية وصيانة ثرواته.

المطلوب الآن ادامة زخم الملاحقة للفاسدين قضائياً وشعبياً بإسناد الإجراءات والقرارات وجلب الذين دمروا البلاد الى المحاكم.

لا تلوم احزاب الإسلام السياسي الا نفسها ولا يحق لها التبرير ما لا يمكن تبريره دعوا القضاء والعدالة تأخذ مجراها وتخلصوا من البقع السوداء في سجلكم السياسي قبل فوات الأوان, فشعبنا سيتحول في تأييده نحو الشرفاء واصحاب العفة والكفاءة.