عندما تولى السيد مسرور بارزاني رئاسة التشكيلة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان في صيف 2019، كانت التحديات أمامه هائلة، إذ خلفت العلاقة المتوترة مع بغداد بعد استفتاء الاستقلال عام 2017 إرثاً ثقيلاً، وقطع الموازنة عن الإقليم منذ عام 2014 أدى إلى توقف معظم المشاريع الحيوية، بينما الحرب ضد تنظيم داعش بين 2014 و2017 استنزفت الموارد والطاقات، لتتزامن لاحقاً مع جائحة كورونا والحصار المالي الذي فرض على الموظفين واستخدم كورقة ضغط سياسي، الأمر الذي شكل اختباراً صعباً لأي حكومة جديدة. ومع ذلك، اختار مسرور بارزاني مواجهة هذه الصعوبات بتحويلها إلى فرص للنهوض بالإقليم، فكانت استراتيجيته منذ اللحظة الأولى قائمة على العمل المتواصل والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي بطريقة عملية وعلمية.
وقد انعكس هذا النهج في الإنجازات الملموسة، إذ أظهرت بيانات وزارة الزراعة في حكومة الإقليم بين 2022 و2024 تنفيذ أكثر من خمسين سداً ومشروع ري، ما ساهم في مكافحة آثار موجات الجفاف والتصحر التي ضربت العراق والمنطقة، وتحويل كوردستان من مستورد رئيسي للخضار والفواكه إلى مصدر لها للأسواق العراقية والخليجية والأوروبية. وقد رافق ذلك إنشاء عشرات الصوامع الحديثة المجهزة بأنظمة تخزين متطورة لدعم الأمن الغذائي، وهو ما اعتبر تحولاً اقتصادياً مهماً في منطقة تعتمد تاريخياً على الإيرادات النفطية فقط، بحسب تقارير وزارة التجارة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP لعام 2024.
وفي الوقت نفسه، لم تقتصر الجهود على الجانب الاقتصادي، بل امتدت لتشمل الخدمات والبنية التحتية، حيث شهد الإقليم افتتاح عشرات الجسور والطرق الحيوية وتأهيل البنى التحتية للمدن والأقضية، إضافة إلى بناء مدارس ومراكز صحية ومستشفيات جديدة، وتطوير القطاع السياحي ليصبح الإقليم وجهة مفضلة للزوار من داخل العراق وخارجه، وذلك رغم القيود المالية والسياسية التي واجهتها حكومة الإقليم. وبرغم موجات التحديات المستمرة، من استهداف بالصواريخ التي طالت أربيل في 2021 و2022 إلى حرائق الأسواق، واستمرار خلافات رواتب الموظفين التي تحولت إلى أداة سياسية في بغداد، حافظ مسرور بارزاني على نهج التهدئة، مقروناً بإصرار على حماية استقرار الإقليم وتحويل الأزمات إلى فرص للنهوض.
وفي عام 2025، أكدت تقارير صادرة عن مجلس وزراء إقليم كوردستان ومنظمة الشفافية الدولية أن حكومة الإقليم تمكنت من إطلاق مشروع “التحول الرقمي” الذي يهدف إلى أتمتة الخدمات الحكومية وتبسيط الإجراءات الإدارية عبر منصات إلكترونية موحدة، مما وفر على المواطنين وقتاً وجهداً وقلل من الفساد الإداري (تقرير مجلس وزراء إقليم كوردستان، شباط 2025). كما أعلنت وزارة الإعمار والإسكان في آذار 2025 عن إنجاز أكثر من 1200 كيلومتر من الطرق المعبدة خلال ست سنوات، بينها مشاريع طرق استراتيجية تربط بين أربيل ودهوك والسليمانية، وهو ما يعزز التكامل الاقتصادي داخل الإقليم ومع العراق بشكل عام.
أما في مجال الطاقة، فقد نشرت وكالة “روداو” في تقرير لها بتاريخ نيسان 2025 أن الإقليم بات يغطي أكثر من 65% من احتياجاته من الكهرباء عبر محطات الغاز المحلي، مع خطط لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خلال الأعوام المقبلة. وفي القطاع الصحي، كشفت وزارة الصحة في تقريرها السنوي لعام 2025 عن افتتاح أربعة مستشفيات مركزية جديدة في أربيل والسليمانية ودهوك، إضافة إلى عشرات المراكز الصحية الريفية، مما أسهم في تحسين مستوى الخدمات الطبية وتخفيف الضغط عن المستشفيات القديمة.
ويأتي هذا النهج متسقاً مع إرث تاريخي طويل لعائلة بارزاني التي كرست حياتها لنضال الشعب الكوردي والدفاع عن حقوق كوردستان، فقد استلهم مسرور بارزاني من جده القائد ملا مصطفى بارزاني ومن والده الرئيس مسعود بارزاني قيم الدفاع عن حقوق الشعب الكوردي، مؤكداً في كل خطاباته الدولية والمحلية أن التنازل عن حقوق الإقليم أمر غير مقبول، وأن الأرض والحقوق ثابتة لشعب كوردستان. وقد أثبتت هذه المقاربة نجاحها عملياً منذ عام 2019 وحتى اليوم، حيث يظهر من خلال لغة الأرقام في مجالات الزراعة والبنية التحتية والخدمات أن الإصرار على العمل والتنمية يجعل من حكومة الإقليم نموذجاً حياً لتحويل التحديات المستمرة إلى إنجازات ملموسة، تؤكد قدرة كوردستان على البناء والتنمية المستدامة حتى في أصعب الظروف.