8 سبتمبر، 2024 2:38 ص
Search
Close this search box.

من اصطنع شخصية بن سبأ ؟

من اصطنع شخصية بن سبأ ؟

للبعض حساسية كبيرة من ذكر أسم عبدالله بن سبأ حيث يطلون علينا بين الحين والحين في المواقع أو في الفضائيات لينفوا ظهور شخصية بهذا الأسم في العهد الأول من الأسلام. وعادة ما يكون النفي مصحوباً بالقول أن هذه الشخصية أصطنعت لتكون تهمة ويربطون هذا الأصطناع  بأحداث الربيع العربي التي نشهدها الآن كما فعل مؤخراً الكاتب السيد الشطري. وبغض النظر عن رأينا بالربيع العربي فقد سماه خامنئي بالصحوة الأسلامية وسماها السيد الشطري بالغوغاء وربط بينها وبين غوغاء المدينة المنورة سنة 35 للهجرة. من الطبيعي لا يمكن سرد جميع الأحداث التي مرت بالمسلمين في العهد الأول للأسلام في هذه المقالة وكيف أنها لا تزال تؤثر على مجتمعاتنا الحالية ويستند اليها أصحاب المنابر والمعممين وأخيراً بعض الكتاب ليؤثرا على الرأي العام. ولكن لابد من توضيح بعض الأمور التي يـُستغفل بها القراء.

أن عبدالله بن سبأ لم يكن شخصا لوحده بل تذكر المصادر أن هناك فرقة تبعته تدعى السبئية جاءت بمعتقدات دينية غريبة وتنسب الى مؤسسهاعبد الله بن سبأ وظهرت في زمن الخليفة عثمان بن عفان (رض). ويعتقد البعض أن بن سبأ إختراع ليس له وجود، ولكن الأدلة النقلية القديمة على وجوده عند مختلف الطوائف أكثر من الذين ينكرون وجوده. إن الذين ينكرون وجود عبدالله بن سبأ لا يستندون الى دليل بل الى تأملات لا سند لها ولم يستطيعوا دحض الأدلة التاريخية بل إستندوا الى قناعات مسبقة بإنها نظرية مؤامرة. مع العلم أن كل من قال بعدم وجود إبن سبأ هم فقط ممن جاؤا بعد القرن التاسع عشر الميلادي أي قبل حوالي مائة وخمسون سنة فقط في زمن متأخر جداً عن أحداث سنة 35 للهجرة وما تلتها. أنكروهوا لأسباب لا مجال لذكرها هنا ومن غير أدلة نقلية ولا مساند خبرية علماً بأن أخبار ابن سبأ وردت من مسانيد وروايات عديدة. إن الأدلة التي تثبت ظهور إبن سبأ وفرقة السبئية كثيرة وهي مروية في المصادر الشيعية  التي يعتبرها البعض بأنها ثقة وسوف نورد بعضها هنا .

من أين جاءت تسمية إبن سبأ؟ يقول السيد الشطري في مقال نشر في كتابات مؤخراً مايلي: “أن شخصية بن سبأ ولدت بلا مكان وعاشت بأكثر من مكان وزمان” وأنها “مصطنعة”. ولكن مصادر السنة والشيعة على السواء تذكر من هو إبن سبأ ومتى ظهر وما الذي دعى اليه. فهل يصدق السيد الشطري كتب الشيعة؟
 
نسب عبدالله بن سبأ:
يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39 ) : “أن يعرب بن قحطان ولـَدَ يشجب ، و ولد ليشجب (سبأ) و اسم سبأ هذا عبد شمس ، و قد ملك اليمن بعد أبيه ، و أكثر من الغزو والسبي ، فسمي (سبأ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره ، ثم أطلق الاسم على بنيه”. ومن منا لا يعرف مملكة سبأ التي حكمت في اليمن؟ و ينسب ياقوت الحموي في معجم البلدان (2/306) ابن سبأ إلى ( حِمْيـَر ) و هي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب وهو حمير الأكبر و منازلهم باليمن بموضع يقال له حِمْيـَر غربي صنعاء.  وفي هذا أتفاق مع ما ذكره القلقشندي.
و يذكر ابن حزم في كتابه [الفصل في الملل والأهواء ( 5/46)] بأن السبئية هم “قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري”.
كما نسب الشاعر الفرزدق (38-110 هـ) في ديوانه ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أهل العراق ممن انضم الى معركة دير الجماجم سنة (82هـ ) و وصفهم بالسبئية حيث قال: “كأن على دير الجماجم منه * أو أعجاز نخل تعقرا. تعرف همدانية سبئية * وتكره عينيها على ما تنكر. ولو أنهم إذا نافقوا كان منهم* يهوديهم كانوا بذلك أعذرا”.  وهمدان هم بطن من كهلان القحطانية. وما رواه ابن عدي (الكامل في الضعفاء ج 6 ص 116) عن عبدالله بن عباس (رض) انه قال: “إذا كثرت السبئية في الكوفة استكفت أهلها”. وهذه المصادر وغيرها من أقرب ما ثبت عن وجود فرقة السبئية.

كذلك ينسب البلاذري في [أنساب الأشراف (5/240)] ابن سبأ إلى قبيلة ( همدان )  أيضاً، و كانت ديارهم باليمن. وذكر رضا كحالة في معجم قبائل العرب (3/1225) فقال: (فهو عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني) .
أما الطبري (تـوفي 310هـ) في [تاريخ الطبري (4/340)] و ابن عساكر في [تاريخ دمشق (29/3)]، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن و كان يهودياً قبل أن يظهر الأسلام.

 أما نسب ابن سبأ ( لأمه ) فهو من أم حبشية سوداء ، كما عند الطبري في [التاريخ (4/326-327)] و ابن حبيب في [المحبر (ص 308 )] ، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه ( إبن السوداء ).  ويذكر الجاحظ في [البيان والتبيين (3/81)]: “قدمت المدائن بعد ما ضُرب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، فلقيني ابن السوداء و هو ابن حرب .. ). قال المقريزي في الخطط ( 2/356) : “عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء”.  وهذه الروايات رويت بمساند مختلفة وليس عن طريق سند واحد. ولذلك سنرى أن بعض المصادر تذكر إبن السوداء وتعني به إبن سبأ.

جاء إبن سبأ من اليمن الى الحجاز وإدعى الأسلام نفاقاً في خلافة عثمان بن عفان، والمعروف أن عثمان بن عفان تولى الخلافة سنة 23 هـ وقتل سنة 35 هـ. وهذا يعني انه عاصر خلافة عثمان لمدة تزيد عن عشر سنوات جمع خلالها أتباعه لنشر الفتنة.  و كان عبدالله إبن سبأ في كثير من الأحيان يخفي إسمه كما ينقل الطبري في تاريخه (4/326-327 ): “لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقال له : ما أنت ؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه و اسم أبيه ، و إنما قال له : إني رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام و رغب في جوارك” فأخرجه من البصرة لأنه كان ينزل عند رجل من عبد القيس اسمه حكيم بن جبلة في البصرة وهذا كان لصاً معروفاً يسرق من أهل الذمة وشارك في قتل عثمان. وتجول إبن سبأ ما بين البصرة والكوفة ومصر ولم يستطع نشر معتقداته في الحجاز أو الشام بل لقي أرضاً خصبة في الأمصار التي يكثر فيها من دخل الأسلام كرهاً أو نفاقاً أو من لم ينل حضوة أو من صدق بروايات السبئية فوجدوها فرصة  لنشر الفتنة وكسب المغانم.

وذكر الطبري (4/327)  وإبن الأثير (3/144) مكوث بن سبأ في البصرة ثم الكوفة التي خرج منها سنة 33 هـ متجهاً الى مصر، ويذكر إبن كثير (البداية والنهاية 7/284) ظهور إبن سبأ في مصر سنة 34 هـ ، وكان يراسل جماعته في البصرة والكوفة وجمع له مؤيدين من لمحاربة عثمان بن عفان حتى إجتمعوا في المدينة في شهر شوال من سنة 35 هـ  بحجة الذهاب الى الحج  ولكنهم أول ما قاموا به عند وصولهم الى المدينة أنهم منعوا عثمان من الصلاة بالناس وطوقوا داره وحاصروه اربعين يوماً ثم قتلوه. ولم تفلح محاولات الحسن والحسين وعبدالله بن الزبير وإولاد طلحة بثنيهم عن أرتكاب جريمتهم فقد كانوا كثير يبلغون الألف شخص وقد فاجأوا المسلمين في المدينة. وبقيت المدينة تحت حكم الغوغاء لخمسة أيام بعد مقتل عثمان، حتى جاء مسلموا المدينة الى علي (رض) فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذي القرب فردّ عليهم علي – رضي الله عنه – بقوله الشهير المذكور في [نهج البلاغة: ص136 ط. بيروت]: ” دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبتُ بكم مالا أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعَلـّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولـّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميراً “. فكيف أصطنعت شخصية عبدالله بن سبأ بعد كل هذه الروايات، وإذا كان السبب في مقتل عثمان هو حرقه للمصاحف فلماذا أرسل علي (رض) أولاده  الحسن والحسين لحماية الخليفة و لم ينتهز هذه الفرصة بالقبول بالخلافة حالما عرضت عليه وقال اتركوني وسأكون أطوعكم لمن وليتموه وفضل أن يكون وزيراً على أن يكون أميراً.

وأخبار إثبات وجود إبن سبأ تمتزج بمعتقداته ولا يمكن الفصل بينهما. فقد ذكره النوبختي وهو من أعلام الشيعة في القرن الثالث للهجرة فقال في [فرق الشيعة ص 41 ، 42 ط المطبعة الحيدرية نجف بتعليق آل بحر العلوم طبعة 1959م]: ” السبئية : أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ، وقال : إن علياً ـ عليه السلام ـ أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله ، فصاح الناس إليه : يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيّره إلى المدائن. وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي ـ عليه السلام ـ أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو علي يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى ـ عليه السلام ـ بهذه المقالة ، فقال بعد إسلامه في علي ـ عليه السلام ـ بمثل ذلك ، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي ـ عليه السلام ـ وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض”. انتهت رواية النوبختي. ومثلها رواية القمي ( ت 301هـ ) في كتابه [المقالات و الفرق ( ص 20 طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور]: ” أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك . وإن السبئية قالوا للذي نعاه ( أي علي بن أبي طالب ) : كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض. ويقول الرازي المتوفى عام (322هـ):  ” إن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن عليا هو الإله، وأنه يحيى الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته”

ففي هاتين الروايتين عدة دلالات فمصدرها مراجع الشيعة وسندها أصحاب علي (رض)، وهي تدل على وجود إبن سبأ ، وتدل كذلك أنه أول من أظهر الطعن بالخلفاء الثلاث ولكن علي رفض هذا الأدعاء. ومن الدلالات الأخرى أنه كان يدعي في يهوديته بالوصاية ليوشع بن نون بعد موسى فقال بعد إسلامه نفس الشيء في علي (رض) ثم أنكر مقتل علي وقال أنه لا يموت حتى يملك الأرض. فهل أصطنع النوبختي والقمي عبدالله بن سبأ؟

ومن علماء الشيعة أبو عمرو الكشي من علماء القرن الرابع الهجري له عديد من الروايات عن عبد الله بن سبأ وعقائده وأفكاره كما في [رجال الكشي ص 101،100] حيث قال : “حدثني محمد بن قولويه . قال : حدثني سعد بن عبد الله . قال حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً ، الويل لمن كذب علينا ، وأن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم ” ويستمر الكشي فيقول: ” عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله [بن سنان ] قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ” وقال الكشي في نفس الصفحة: ” وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون ( وصي موسى بالغلو ) فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في علي ـ عليه السلام ـ مثل ذلك ، وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخاليفه وكفرهم”. كما روى الكشي بسنده إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: “لعن الله من كذب علينا، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمرا عظيما، ما له لعنه الله”. وهذه الراويات من كتب الشيعة تثبت بأن عبدالله بن سبأ كان يكذب على أمير المؤمنين علي وأنه أول من جاء بمعتقد الوصاية والأمامة لعلي بن أبي طالب وتكفير بقية الصحابة.

الحسن بن علي الحلي قال في كتابه المشهور [الرجال، ص 469 ، ط  طهران 1383هـ]  : ” عبد الله بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو ، كان يدعي النبوة وأن علياً ـ عليه السلام ـ هو الله ، فاستتابه عليه السلام ثلاثة أيام فلم يرجع ، فأحرقه في النار في جملة سبعين رجلاً ادعوا فيه ذلك].

وقال الإسترآبادي في [منهج المقال ص 203]: “إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين “ع” هو الله تعالى ، فبلغ أمير المؤمنين ذلك فدعاه وسأله ، فأقر ، وقال : نعم أنت هو . فقال له أمير المؤمنين قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا وتب ثكلتك أمك ، فأبى ، فحبسه ثلاثة أيام ، فلم يتب ، فأحرقه بالنار”. فهل أصطنع الكشي والحلي والأستربادي عبدالله بن سبأ.

وقال سعد بن عبد الله القمي [المقالات والفرق ج2 ص 549 ] السبئية قالوا لما نعي اليهم وفاة علي: “إنا نعلم أنه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه ، وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار الثقيل ويلمع في ظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام”.

أما ابن أبي الحديد ( ت 655هـ ) وهو شارح نهج البلاغة فإنه يرى في [شرح نهج البلاغة : ج2 ص 309] : “أن القول بتأليه علي لم يظهره عبد الله بن سبأ إلا بعد وفاة علي ـ رض ـ فأظهره واتبعه قوم فسموا السبئية”. وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه”.  كما ذكر أبن أبي الحديد (ت 655 هـ) في [ شرح نهج البلاغة 2- ص 62 ، 120 طبع دار أحياء التراث] مايلي:” قال سليمان بن ابي الشيخ عن الهيثم…..، قال: شهدت الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية يملي هذه الرسالة فذكرها، وقال فيها: ومن قول هذه السبئية: هُدينا لوحي ضلّ عنه الناس وعلم خفي عنهم، وزعموا أن رسول الله (ص) كتم تسعة أعشار الوحي، ولو كتم (ص) شيئاَ مما أنزل لكتم شأن امرأة زيد في قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿ تبتغي مرضات أزواجك ﴾”. فهل اصطنع ابن أبي الحديد عبدالله بن سبأ أم اصطنعها حفيد محمد بن الحنفية؟ ثم كيف يخفي النبي تسعة اعشار الوحي وهو الذي بلغ المسلمين في القرآن بأن الدين قد اكتمل “اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الأسلام ديناً”. هذا ما ذكره علماء الشيعة عن ابن سبأ فهل نصدق من أنكر ظهوره؟

هذا وقد ذكره ومعتقداته كل من القمي في المقالات والفرق ، والطوسي في رجال الطوسي،  والتستري في قاموس الرجال وعباس القمي في تحفة الأحباب  والخوانساري في روضات الجنات  و الأصبهاني في ناسخ التواريخ وصاحب روضة الصفا في تاريخه. الا يكفي هذا دليلاً لمن ينكر وجود ابن سبأ؟

و  قال أحمد بن يحيى المرتضى ( ت 840هـ ) – و هو من أئمة الزيدية – في مقدمة [البحر الزخار،ص47]: “السبئية: أصحاب عبدالله بن سبأ، زعم أن علياً عليه السلام إله، فنفاه الى المدائن”. فهل هذا العالم الزيدي ايضاً اصطنع عبدالله بن سبأ؟

إن كل هذه الروايات وغيرها تثبت وجود إبن سبأ و وجود فرقة تبعت معتقداته سموا بالسبئية. أما الذين ينكرون وجود إبن سبأ فنكرانهم بلا دليل وهم يحاولون غض النظر عما ورد في المصادر القديمة، بل الغرض من النكران هو لدفع التهم ليس الاّ حتى وإن وردت في مصادرهم الموثوقة ولرمي الآخرين بتهمة اختلاق هذه الشخصية لأن الأعتراف بوجود عبدالله بن سبأ سيغير كثيرا من المفاهيم.

من هنا نقول ان شخصية عبدالله بن سبأ قد ثبتت بشكل متواتر في المصادر الشيعية التي نقلت اخباره ومعتقداته في مساند عن طريق اهل البيت. وأخيراً نلخص ما جاء به ابن سبأ ومعتقداته حسبما ورد في المصادر الشيعية:
1.  الكذب على علي بن أبي طالب (رض) كما كذب مسيلمة على النبي (ص)
2.  أول من أظهر الطعن بالصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين الثلاث (رض) 
3.  إدعى بالوصاية والأمامة والولاية لعلي بعد النبي (ص) وشبهه باليشع بن نون بعد موسى
4.  ادعاء النبوة  والألوهية لعلي (رض) وهو مخالف لأبسط مباديء الأسلام.
5. عدم الأعتراف بموت علي وملكه للأرض و قال أنه لم يمت بل سيرجع ليسوق العرب بالسيف 
6.  ادعى أن علياً يسمع النجوى ويعلم تحت الدثار الثقيل أي إدعاءه بأن علي (رض) يعلم بالغيب 
7.  إدعى أن النبي (ص) أخفى عن المسلمين بعض العلم وكتم تسعة أعشار الوحي. ومن هنا تطورت تأويلات الآيات القرآنية وحتى ادعاء بعض علماء الشيعة ومنهم الكليني والنوري الطبرسي باختفاء ثلثي القرآن. 

وهكذا فبعد مقتل علي (رض) وسريان الفتن في العراق خلت ساحة العراق لأتباع بن سبأ وإنتشروا في أرض المسلمين يدعون لمعتقداتهم، مرة في السر ومرة في العلن حسب قوة حاكم ذلك الزمان وسيطرته على الأمصار. هذا ما رواه المؤرخون والمحدثون الشيعة الأوائل في مصادر الشيعة القديمة فهل يدلنا أحد على مصدر قديم قبل القرن التاسع عشر الميلادي يقول غير ذلك؟ بعد كل هذه الأخبار والروايات المتوالية يأتي البعض ليقول ان شخصية عبدالله بن سبأ أصطنعها رواة السنة لأنهم أرادوها أداة لتفسير أحداث مقتل عثمان بن عفان. إن كان لديكم دليل على عدم ظهور شخص يدعى ابن سبأ فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

أحدث المقالات