23 ديسمبر، 2024 6:04 ص

من اسباب فشل الديمقراطية في العراق

من اسباب فشل الديمقراطية في العراق

جميع المهن محترمة بلاشك (مستثنى منها تلك اللااخلاقية وتلك التي تتبع السبل الغير الشرعية للحصول على الربح الوفير) وتجلب الفخر لأصحابها حين اتقانها وإدائها باخلاص. ولكن صاحب المهنة التي يتملص منها الى دور اخر يضع نفسه في موضع حرج، يفقد نفسه ومن يمثله احترام الاخرين. فمثلا اذا حاول حلاق ان يستغل حسن تمرسه لشفرته كمشرط للجراح…حينها يكون قد اجرم ويحاسب عليه وكذلك اذا حاول الثرثرة بكلمات التقطها من زبائنه ليتباهى بها كسياسي متمرس فحينها يكون الوصف افضع. واذا كان الوصف بالمجرم ادنى جزاء لكل من يحاول استغلال مفرد اخر من اجل كسب غير مشروع. فكيف اذا يجب ان يوصف اولائك اللذين نصبوا انفسهم لادارة شؤون العراق؟ وهم بقابلياتهم المحدودة ينحدرون بالفكر الديمقراطي الى حجم فهمهم لها. ويحاولون ترسيخ الكدر في الوان اطياف الشعوب العراقية التي تسعى الحفاظ على خصائصها المتميزة والى تعددية المشاركة في الحكم من اجل بناء جسم سليم لدولة متحظرة تميزها الخلافات الفكرية المتوافقة وتقويها فسحها المجال للمدارس المتضادة للأشتراك بارائها بدراية قابلة للتحليل والنقض، كما عهدها العالم في ماضي العراق، وكانت في ذروة ألقها في ايام الامام الصادق وتلامذته الميامين من بعده (رضوان الله عليه وعليهم اجمعين) اللذين اشربوا من تفرعات علمه فتخصص كل في ميدانه حسب اجتهاده من غير حياد عن جامعته، فاسحين بذلك المجال لكل مرتوي ان ينهال من العين الذي هو يختاره.
   
من ابرز الفروقات بين المجتمعات الحرة والتي استعبدت نفسها لحب الدنيا؛ هي في طريقة تعاملها مع الحيات. فمغزها للأول واضح على انها معبر ووسيلة يوصله الى غاية وليست هي الغاية. ويكون الفرد في مثل هذه الحالة متحررا في خياراته الى ما يناسبه منها. ومحصلة هذه الحرية المتوازنة في اتخاذ القرار ان يصبح الشخص راضيا عن نفسه ونتائج قرارته و ناجحا في ميدان تخصصه، مفيدا ومعطاءا لشخصه ولغيره. واقرب مثل لما نقول نقتبسه من المجتمعات المتقدمة التي ينعتهم بعض العامة بالكافرة ولا ادري ان كانوا كذلك. لأنني أرى بأن الكيفية التي تتعامل بها تلك المجتمعات مع الحيات ملائم لما هو مرسخ في مفاهيم الأسلام، على انها دار عطاء واعمار كما جاء في قوله تعالى : “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” ( هود : 61 ). ويدركون بان الله (سبحانه وتعالى) سخر لهم ما فيها ”ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض” ( لقمان : 20 ).  قبل ان يكون دار بلاء وابتلاء يتبعها امامة مشروطة بالاتمام “وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما” ( البقرة : 124 ) … و بالاضافى الى ذلك هم عارفون قدر انفسهم قدر فهمهم للدنيا ومغزاها ويعرف الاخرون قدرهم مقرونا بالمثل “رحم الله امرأ عرف قدر نفسه فعرف الناس قدره”. وراضون عن قابلياتهم وقدراتهم وفي سعي دائم الى تطويرها لتسخيرها للمساهمة في اعمارالدنيا اكثر من المتبجحين بها في مظاهر خداعة، منها اطلاق اللحى ولبس الاثواب القصيرة ومطالبة الخالق الباري بتقديم موعد الساعة قبل اوانه، وارتكابهم للقتل العام بأسم الجهاد وكلمات يرددونها في مقاطعة الشيطان وهم في اشد الحاجة الي ذلك الشيطان الذي لايستطيعون الاستغناء عن منجزاته في ايّ من مجالات حياتهم!     

واما للثاني فأن الدنيا مبلغ وغاية؛ وفهم افرادها لمغزاها يقتصر الى ظاهرها ولذلك يشدهم شدة حبهم لها اليها ولا يستطيعون التخلص من اسرها واستعبادها. وابلغ وصف لما نقول نقتبسه من الاية الكريمة: “يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ”(الروم:7). و محدودية فهم افراد هذه المجتمعات لأنفسهم ولقدراتهم الذاتية يجعلهم ينطقون مالا يعقل في افعالهم. يرددون الحديث في الدين والاخلاق والوطنية والاخلاص في ثرثرة فارغة غير مفقوه فغدت بلا معنى. وتغدوا الصفة الطاغية على هذه المجتمعات في الانانية وحب الذات ومحاولة تهميش الاخر. فتجدهم دائما يحاولون الارتقاء في مجال غير مجالهم فيصطدمون مع الفشل المتكرر فيُصدمون .. ويأمر الله سبحانه عباده المؤمنين الاعراض عن مثل هؤلاء كما جاء في قوله تعالى : ” فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى “( النجم : 2930).

مسكين شعب العراق وصف حال ساستهم تحجم في النوع الثاني. فقد أسائوا لأنفسم ولمجتمعاتهم والارض التي يعيشون عليها. وفي نظرة سريعة للسيرة الذاتية لأبرز هؤلاء نرى بأنهم ليسوا الا مهرجين من مثل ذلك الحلاق الذي تعلم الثرثرة بكلمات التقطها من زبائنه فاستخدمها من غير ان يفقهها وتملص من دوره الى دور لايناسبه فتحول من مساهم بناء في مجال معرفته الى وبال ونقمة في دور اخر لايفقهه.

فخذ مثلا لمنصب رئيس الجمهورية الخالي ويقضي شاغله الغالي غيبوبته الطويلة في احد ارقى مستشفيات العالم وبدلا من السعي في ايجاد من يشغل ذلك الفراغ المهم يصرف للغائب مخصصات باهضة فوق مرتبه الخيالي من خزينة الدولة لعلاجه رغم استحالة الامل في شفائه!

وانا على يقيين بأنه او اي عاقل في مثل حاله لو فاق لأستهزاء من عقول 35 مليون نسمة من شعب العراق الذي لم يستطع في التوافق على شخص مناسب لادارة ذلك الفراغ.

نحن وبلا نفاق نعترف في حق الشعب الكردي في الحيات الحرة الكريمة وبالطريقة التي يبغونها (اسوة لبقية الالوان العراقية، ولكن من غير محاولة ترسيخ الكدر لبقية الالوان) في المشاركة الحرة الفعالة لتمثيل العراق والمساهمة  في بناءه. ولكنني ارى من الوجوب في عدم انزاع الاكراد حين ابداء الاراء ومطالبتهم في تصحيح ما يراه المنصفون خطأ، لان اي ضرر من اي مسؤل وايُ فائدة ضمن عراق موحد مردوده عام على الجميع في عراق جديد يسعى الى بناء ديمقراطية متوازنة. 

 وخذ مثلا اخر في دولة رئيس الوزراء الذي شغل منصبه فجئة وهو في سن قارب سن التقاعد، وحين القائي نظرة سريعة الى سيرته الذاتية لم اجد فيها ما يدل على ان له مماراسات أومؤهلات يؤهله في شغل ذلك المنصب الخطير. وعلى العموم سوف ادرج عن نشاطاته نقطتان لكي اعطي عنه فكرة واضحة: واحدة له وهي في ما ابداه من مواقف صلبة ومحمودة ضد فرض القرارت والارادات الغير العادلة والغير المشروعة عليه فاظهر حنكة وتصدى لها.

والاخرى عليه متمثلا في تخبطاته اللا مسؤلة التي يحاول بها في زج العراق الى مأزق معقدة (حتى قبل اتمام خروجها من مأزقها السابقة والتي استمرت لعقود والتي لاتزال جرحاتها دامية) في محاولاته اليائسة لأسناد بشار الاسد مخالفا لنُظم ومفاهيم النظام العالمي الجديد متورطا في اشراك العراق معه في جرائمه ومالا يحمد عقباه. بدلا من تطبيقه لسياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤن والمصلحة المتابادلة مع دول المنطقة للاستفادة من خبراتها لبناء عراق حر متحضر غير مرتبط بولاءات ولا تحيزات.

ويبدوا ان نتائج قلة خبرة رئيس الوزراء والضغوطات المتولدة عن حشر انفه في مالايعنيه من الاحداث بالاخص في سورية اثرت سلبيا على تصرفاته، وبدأت تظهر بشكل لايليق لشخص في ذلك المنصب. فبدأ يحاول التملق لاستجداء رأي الغرب عن طريق مناوئيهم. وانا لا افقه ما معنى ان يعين الفتيكان حبرا اعظم لكلدان العالم في مدينة ذات قدسية اسلامية مثل العراق! ورئيس الوزراء يباركه ويصف البطريرك ساكوا المحترم (رئيس الطائفة الكلدانية، اللبناني الاصل) عبر شاشات التلفاز على انهم هم اصل هذا البلد (العراق) “انتم اصل هذا البلد”.
 وانا لذلك اسأل السيد رئيس الوزراء عن اصله وفصله اذا كان كما قال بان الطائفة الكلدانية هم اصل العراق؟ واذا كانت هذه الكلمة لنبل في الموقف؛ اذا لماذا لم يصدر عنه لامواقف ولا تصريحات ضد القتل الهمجي الشبه يومي الذي يتعرض له  التركمان.

علما بأن رئيس الوزراء ليس الوحيد الفريد في مثل هكذا تصريحات غير مسؤلة بل شملت معظم ساسات العراق ومنهم قادة حزب الجبهة اللذين يلتفون بين الحين والاخر حول القساوسة والرهبان المحترمون ويخاطبونهم ب “ابونا” وانا ليس عندي اي شك بأن من يخاطبونه هو اب لهم. ولكنني ايضا اؤمن بأن خطورتهم اشد من كل من نخشى ونحتذر.

المتبغبغون بأسم الاسلام وبأختصار يعلمون بأنهم قد خسروا خسرانا شنيعا. في عالم روما القديم كان القياصرة يحتفلون لزهوا أنتصاراتهم على العدوا وذلك بمشاهدة فرسان اسراهم من الامم وهي تصرع من قبل الاسود الجائعة او في مبارزة غير عادلة مع فرسانهم المبجلين بالسلاح. الانتصار الصليبي الساحق على المسلمين يحتفل به باهاناتهم المستمرة للمسلمين. 
 
لي رجاء شخصي من سيادة رئيس الوزراء بأن شراء العراق للاسلحة لاتفيدها لانها لن تكون قادرة على أستخدامها الا لقتل العراقيين. وبدلا عنها عليهم الهمة في بناء المدارس العصرية والمستشفيات لان العراقيين بأهم الحاجة اليها حتى من الملاعب.

علما انني اكرر نفس تأيدي الذي ابديته للأكراد لشيعة العراق الاغلبية العراقية التي عانت من اشد مظاهر الضلم والتهميش والحرمان والاضطهاد في الحقبات السابقة اسوة لمعظم العراقيين. واعتقد بأنهم سوف يتحولون الى ظالمين مثل ظالميهم اذا ما اعتقدوا مصدر الضلم في عامة السنة بدلا من بحثها في خُطط مدبري السياسة وفارظيها، سواء اكانوا من المسلمين بكل طوائفه او من غيرهم من الطوائف الغير المسلمة او حتى من الملحدين.

وما ابجل اذا ما تحلى العراقين بالصبر من الانجرار وراء المغرضات والمثيرات من الاحداث وعدم التشبث في روح الانتقام. بل السعي الى اقامة اسس لقانون متزن والاقتصاص العادل لكل من ظلم. وزينوا اخلاقهم بأخلاق ال بيت رسول الله وان يقدموا للعراق من الاشخاص من يحتذي بهم لأرسائها الى بر الامان.

ومثل اخر لمثل هؤلاء المستهترين في مصير الشعوب يكمن في دور ذلك المعوق المستهترالمستر علاوي الذي تدرب كطبيب على نفقة العراقين ولكنه بدلا معالجة المرضى في العراق هدر قابلياته في مستشفيات الانكليز، ولم ينتهي اذاه في هذا، بل اُرسل الى العراق كسياسي في سن التقاعد ليزيد طين العراقيين بلَة وليعرقل الاستقرار بدلا من العمل في اختصاصه كطبيب والمساهمة في خبراته التي اقتبسها في ذلك المجال في تطوير الطب في العراق.

ولا ادري هل آن الاوان لسنة العراق ان تنفض الغبار عن نفسها وتفهم بأن مُمثليهم منذ عهد فيصل لم يكونوا الا من فرض الاستعمار الذي تمكن من تسخيرهم من اجل مصالحها، فشوهوا اسمهم وأساءُ لهم وللعراق. وان طبول الاعلام المغرض المتمثل في فضائية الشرقية من لندن حيث صاحبها المشبوه الشكرجي يقيم، والذي كوًن امبراطوريته من المسروقات من اموال العرقيين. يسخرها في الاعلام الفاسد من اجل تشويه سمعة العراقيين والاسائة اليهم وربما الاخير يتخيل بان له الحق في ان يخلف فيصل وان يكون الملك القادم على العراق بمعونة الانكليز.

واما قادة حزب الجبهة التي تدعي بأنها تتفرد في تمثيل القومية العراقية الثالثة من حيث العدد والتي يمتدٌ وجودها في خمس محافظات كبيرة وعدد كبير من المدن والاقضية والنواحي والقرى، لا لهم شيء في الدنيا مثل مهرجي العراق اعلاه ولا حظ في الاخرة مثل من عرفناهم من قادة التركمان الافذاذ عبر العصور السابقة. وهم مهمشون ويبرهن الايام بأنهم لايستطيعون الا ان يكونوا مراكبا تحمل اثقال الغير على ظهورها وتنهق سواء اكانت فرحة ام من شدة التعب. فأصبحوا في موضع الاستهتار والاستهزاء المتسلسل وكان اخرها وليست اخيرها هو الذي تعرض له قائد حزب الجبهة بعد اطلاقه عبر قناة الشرقية المتصيدة في الماء العكر، لتصريحات يمكن تقيمها بالمهيجة والرخصية والغبية التي اصبحت بلا معنى، انما ثرثرة يرددونها من حين لأخر كلما طلب منهم وسمح لهم ذلك مُحددين في القاء لوم الجرائم المنظمة التي يتعرض لها تركمان العراق على مجهول. وانهم عاجزون عن الدفاع حتى الدفاع عن انفسهم.

وما يرجوه عامة الشعب التركماني من ساسة العراق بأن تفهم بأن حزب الجبهه لاتمثل الا مصالح من تدفع لها ولاتصلح لتمثيل التركمان. وان على الحكومة العراقية ان تساهم في اسناد وتقوية الاحزاب التركماني الوطنية التي تفتقر الى الدعم المادي والمساعدة في تقويتها اعلاميا بفضائية تنطق بأسمها. وعلى التركمان الالتفات حول قادة معروفين بلأخلاصهم وذو قدرات تهمشت بسبب استغلال الجبهة لمقدرات التركمان لاجندتها.

ختاما ألخص ما ورد في هذا المقال بأن مختلف شرائح الشعب العراقي ترحب بمبداء الديمقراطية كأساس لبناء دولة حديثة تختلف فيه الطبائع وترغب في شراكة عادلة لجميع مكوناتها مع تأكيد الحفاظ على خصائص المشتركين القومية والاثنية والطائفية والفكرية وما الى ذلك. وواضح بان رغباتها تصطدم مع رغبات من سيطروا على العملية السياسة وسخروا قدرات العراق من اجل مصالحهم الذاتية فتعددت الرئاسات في العراق واصبحت مصالحها تتضارب مع بعضها فتحاول بعضها عرقلة مسيرة البعض الاخر. مخلفة اثارا سيئة ثقيلة ومستميتة عل كاهل الشعب العراقي.

وانّ على الشعب العرقي ان يتعلم من هفواته وتستخدم عملية الديمقراطة بدراية وذكاء خارجا عن تأثيرات عواطفها وميولاتها الطائفية والقومية حين أدلاء اصواتها لمن هو جدير واصلح للعراق والعراقيين من غير تمييز.