القسم الخامس
وبعد فترة قليلة جدا من مباشرة لطيف نصيف جاسم بالعمل كمدير عام لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون ، بدأت المشاكل والمضايقات والتدخلات في شؤون المجلة والعاملين ، وجرى زج مجموعة من العناصر البعثية للعمل معنا ، ولم تكن لديهم اية تجارب سابقة في العمل الصحفي اذ انحصرت مهماتهم في المراقبة والاستماع وكتابة التقارير ، وبعد فترة وجيزة من مباشرة لطيف نصيف جاسم دعى الى اجتماع موسع مع كامل هيئة التحرير ، وجرى الاجتماع في احد قاعات معهد التدريب الاذاعي وبحضور رئيس التحرير زهير الدجيلي ، وحين دخل لطيف قاعة الاجتماع ومعه مجموعة من المرافقين كانت علامات الغضب والسخط قد ارتسمت على ملامحه ومعظم الحضور قد انتبه لذلك ، وبدون مقدمات ابتدأ حديثه على ان المجلة تبدو وكأنها منظمة حزبية شيوعية ، وهذا غير مسموح به في المؤسسة على الاطلاق والكلام للطيف واضاف سنتخذ اجراءات سريعة لمعالجة هذه الظاهرة وسوف تكون هناك رقابة على ماتكتبون ولن نسمح بأختياراتكم للمواضيع مالم تعرض على لجنة سوف نعمل على تشكيلها ، وهنا حصل موقف لاينسى على الاطلاق تجلى بشجاعة وقوة زهير الدجيلي عندما قاطع لطيف بعد ان نهض من مقعده قائلا وبعصبية واضحة : اذا كانت الامور قد خططتم لها كما ذكرت فما جدوى بقاؤنا في العمل وماذا سيكون دورنا ؟ هل تريدون ان تجعلوا من كفاءات العاملين لان يتحولوا الى جهاز تنفيذي لرغبات لاتمتلك القدرة والكفاءاة ، واستدار نحو باب القاعة وخرج تاركا الاجتماع دون ان يستأذن او يقول اية كلمة ، وغادر بعده لطيف وانفض الاجتماع .
انقطع زهير عن المجلة ومن ثم استقال من العمل ، وخلال يومين وصلتنا مجموعة من الكتب اارسمية تحمل اوامر ادارية بنقل من هم على الملاك الدائم والاستغناء عن خدمات الاخرين مع البقاء على البعض القليل ، وكنت انا وجاسم المطير قد تم نقلنا بأمر اداري واحد الى مصلحة السينما والمسرح حسب تنسيبها ، وبذلك توقفت رحلة مجلة الاذاعة والتلفزيون تلك الرحلة التي كانت من اجمل رحلات العمر ، وتم فيما بعد تعيين كامل الشرقي كرئيس لتحرير المجلة والتي غير اسمها فيما بعد الى مجلة فنون .
وفي السنة الثالثة من عملي في المجلة قدمت فكرة اعداد وتقديم برنامج اذاعي الى اذاعة صوت الجماهير بعنوان تحقيقات اذاعية ، وكان عبد الغني عبد الغفور قد تم تعينه مديرا لاذاعة صوت الجماهير ، ووجه ان تعرض كل حلقة من البرنامج عليه مباشرة دون عرضها على القسم الثقافي كما هو معتاد ، خوفا من تسريب بعض الحلقات التي قد لاتلائم سياسة الاذاعة وقبلت الفكرة ، ونفذت اول حلقة وكانت ناجحة بعد فحصها واستمر البرنامج اسبوعيا ولمدة عام ونصف ، اذ تم ايقافه بعد صدور امر نقلي من مجلة الاذاعة والتلفزيون ، واسمريت متفرغا للتصميم في المجلة بالتوافق مع دوامي في الجامعة صباحا ، مصطحبا معي ألة التسجيل لاعداد البرنامج ومن ثم الذهاب الى مقر المجلة ، وليلا الى المطبعة ، الى ان توقف كل شيء وتوقف هذا النشاط وتلك الجدية وذلك التفاني والاخلاص بعد ان تم تشتيت كل كادر المجلة بما فيهم رئيس التحرير الراحل المبدع والصحفي البارع زهير الدجيلي .