(الحق فوق القانون.. والأمة فوق الحكومة) صرخة قالها سعد زغلول اهتزت بها المنابر في زمانه وتوقفت بعد مماته! وقبلها صرخة الأمام علي (رض) بالمسلمين محـذرا (لاتخــشوا طريق الحـق لقلة سالــكيه)، ولمئات السنين حكم القانون حياتنا بعد البعثة النبوية الشريفة ،وعهد الخلفاء الراشدين وكبار صحابة الرسول الاعظم(ص) ولكن القانون بدء يتراجع تدريجيا بعد ان طغى السيف على القانون ، وطغى السفهاء على العقلاء والحكماء ، وبدأت شوارعنا تمتلىء بالمتسكعين والأميـين وارباب السوابق ، وتقهقر القانون بســبب ضعف الجهاز الأمني وغياب المهنية عنه وارتدى ملبس الشرطة كل من هب ودب فتدحرجت الشهادة والتخصص والفكر الأنساني والمهني بين الأقدام، وتقــــــهقر القانون ايضا لضعف القضاة وخشيتهم من الأغتيال او حبا للمال فتضيع الحقائق وتــقيد ضـد مجهول!!.
ما زلنا نجد عبارات ( مطلوب عشائريا) او ( مطلوب دم) او(الدار محجوز من قبل العشيرة الفلانية) في الكثير من مناطق العراق واحيائها الواسعة حيث باتت حالة شائعة في المجتمع العراقي لتشكل حالة من الذعر والارتباك لدى العديد من افراد الاسر العراقيه ويضطر (المطلوب) الى الاختفاء او الهروب خارج البلاد وباتت هذه الحالة تلاحق المواطنين والموظفين وعدم الخوف من القانون رغم ان هذه الجريمة يعاقب عليها القانون العراقي وفق المواد 194/198 من قانون اصول الجزائية كما ان مجلس القضاء الاعلى وجه محاكم التحقيق بالتعامل بشدة مع هذه الحالات وفق المواد 430/431 من قانون العقوبات كما يتم التعامل معها وفق المادة 4 من قانون مكافحه الارهاب التي عقوبتها الاعدام او السجن 15 سنه ، واكد خبراء قانونيين ان هذه الجريمة لا تقبل الصلح المنصوص عليه وفق المواد 194/198 من قانون اصول الجزائيه وكذلك لا تقبل التنازل ولا يمكن شمولها بقانون العفو الخاص او العام وتعتبر مخلة بالشرف
وتعتبر ( النهوة) و( الدكة العشائرية) من الجرائم المخلة بالشرف ويعاقب عليها القانون كما ورد اعلاه وعادة وعادة ما تكون هذه المحرمات منتشرة بين الاقارب او في المنطقه الواحدة وتؤثر على الوشائج الاجتماعية ، والمشرع القانوني عندما وضعها يعلم حساسية هذه الجريمة ، والردع ليس دائما هو الحل وتسعى السلطة القضائيه العراقيه الى العمل على تشريع عقوبات قانونية للحد من سلطات العشائر كما دعى مختصون الى نشر الوعي الثقافي في المجتمع مع العقوبات الصارمة لمنع الظواهر العشائربه من السيطرة على المجتمع
وبصراحـة اكثر ، بدأت سطوة العشائر تتعاظم في بعض مدن الانبار وتنحي باتجاه غير سليم، ،وبدأت التصفيات تتزايد بأسم الثارمرة، وبأسم الارهاب تارة اخرى،وتولدت خلافات ونزاعات عشائرية لا أول لها ولا أخر، وبرز (العرافة) الجدد الذين يكادون لايفقهون شيئا عن الشرع والقانون وقسما كبيرا منهم أميون لا يفقهون لغة الضاد وتلك كارثة اكبر!!، فمن الذي منح شرعية قتل (خريجو) سجن بوكــا؟! وقتل من تحوم حولهم شكوك الاتهام بارهاب ؟ومن المسؤول عن تكديس الاسلحة الخفيفة والمتوسطة وربما الثقيلة في البيوتات العشائرية؟!
وجه القضاء العراقي بالتعامل مع ما يعرف بـ”الدكات العشائرية” وفق قانون مكافحة الاٍرهاب ؛ وقال بيان مقتضب لمجلس القضاء الأعلى انه “يعتبر جرائم التهديد عبر ما يعرف بـ(الدگات العشائرية) صورة من صور التهديد الإرهابي وفق احكام المادة 2 من قانون مكافحة الاٍرهاب”، موجهاً بـ” بالتعامل مع هذه القضايا وفق القانون المذكور.حيث تشهد مناطق متفرقة من بغداد والمحافظات بين فترة واخرى ما يعرف شعبياً بـ”دكات عشائرية” تنتج بسبب نزاع عشائري –
بلا شك ان توجيه مجلس القضاء الاعلى بالتعامل مع ما تعرف بـ “الدگات العشائرية” كقضايا ارهاب خطوة تحسب للقضاء العراقي. ونتظرمن الدولة والحكومة باجهزتها الامنية كافة تطبيق المادة نفسها لحماية أفراد القوات المسلحة والموظفين والصحفيين الذين يواجهون التهديدات العشائرية عند تنفيذهم لمهامهم كما نطلب الاجهزة الامنية التدخل بشدة لفض النزاعات العشائرية المسلحة ونزع الاسلحة الثقيلة والمتوسطة من العشائر وحصرها بيد الدولة-
و يتساءل حقوقيون وقانونيون عن هيبة الدولة ودورها بفرض القانون على الجميع، وواجبها في حماية حقوق الأفراد وسلامتهم بما فيهم عائلة المتهم بالقتل بعد ان طغى العرف والقانون العشائري على قانون الشريعة الاسلامية وقانون الدولة ؛ حيث لا يقتصر التناقض بين القانون النظامي والعرف العشائري على هذه القضية، بل يمتد منذ عقود إلى قضايا عديدة ما زالت الدولة تشرف فيها على تطبيق العرف وإلتي تتناقض مع القانون أو الدستور، أو تسعى فيها إلى ( قوننة) جزء من هذه الأعراف، كما حدث مؤخرًا بإعلان ديوان التشريع والرأي تضمين بعض الأعراف العشائرية في مسودة قانون منع الجرائم.
وللاسف نجد ان انصار الالتزام بالعرف العشائري يبررون ذلك بثلاثة أسباب: أولًا ما تملكه الأعراف العشائرية من قبول يمكّنها من سرعة التصرف وتدارك الأزمة لحظة وقوع الجريمة، ثم فرض العقاب العشائري المناسب والمقنع لعشيرة المجني عليه، وثالثًا انتهاء القضية نهائيًا دون أي نوازع للثأر بعد عقد الصلح العشائري،.ومما يزيد الماساة اننا نجد تزايد سطوة العشائر مقابل ضعف الدولة وغياب تنفيذ القانون؛
القانون هو الذي ينظم كافة السلطات الادارية والقضائية في المجتمع، والقانون هو الذي ينظم شؤون حياتنا ويزيل التناقض وعدم الآنسجام في المجتمع ، ومجتمعنا العراقي هو بلد القوانين منذ شريعة حمورابي ، ولكـنـنا بين ليلة وضحاها لم يعـد المواطن أمنا في عمله ومنزله والشباب والمراهقين يقترفون الجرائم والمحارم والعيوب على مرأى الجميع دون رادع اخلاقي أو امني، والمسدسات تحمل فوق (الدشاديش) والشرطي يتمسك بعشيرته وعرفها التقليدي ولا يعترف بالقانون! والمواطن البسيط ضاع بين اقدام الفيلة ومنقار الصقر، والعدالة اغمضت عينها كي لاترى مايقترف من التجاوزات والمحرمات! وفقدت معان النزاهة والكفاءة!ورجل الدين يخشى الكلام والتوجيه الصريح تجنبا للعواقب! والمجالس المحلية ورؤساء الوحدات الادارية يقرأون الفاتحة فقط وكأن الأمر لايعنيهم!! وضاعت (الديمقراطية) الامريكية تحت اقدام (الاسياد) والاحزاب، وسحق (العبد لله) بين مخالب الطغاة واصحاب (السطوة والجاه)؟! والعدالة اغمضت عينها كي لاترى مايقترف من التجاوزات والمحرمات .
نعم–الظلم اخره ليل حالك، ونهاره ندم ووقار كاذب، وعمر الفاروق t فرق بين الحق والباطل، وقال ( اكثرهم للحق كارهون) ،والامام علي كرم الله وجه قال( لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سا لكيه) ولنقف طويلا امام قول رسولنا الكريم(ص) (إنما أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)، ونختم بالقول ماقاله الفيلسوف والكاتب الفرنسي الكبير فولتير الذي مهدت كتاباته للثورة الفرنسية ، ولكنه لم يعش ليرى ثمار افكاره ، هذا الـكاتب لم يترك ناحية من نواحي الحياة إلا وقال فيها رأيا ، عاده اصدقاؤه في ساعات حياته الاخيرة ، فسأله احدهم : هــل نستطيع ان نقدم لك شيئا ، وان نقوم بعمل شيء يخفف ألامك؟ قال لهم : نعم – ان تحاولوا اعادة الابتسامة الى قلبي والطمأنينة لشعبي!! وعـسى ان تفـعلوا.و لا تعلقوا اخــطاءكم على شماعــة الآخــرين ، ولا نعيب زماننا والعيب فيــنا ، ودعــونا لانكثر الكلام وندعو الله اولا ان تعيدوا لنا امنــنا وابتسـاماتـنــا وان تجف دموع الحزن فينا ، ونرى عراقا هادئا مـوحـدا، انها والله قمة الاحلام ، فالمشاكل من صنع أيدينا ، وهي ليست قدراً لا يمكن تغييره ، ومادامت كذلك فهي ممكنة الحل ، لكن علينا ان نتمتع بالنوايا السليمة والارادة الحقيقية في حلها… إن الدستور العراقي حدد الحقوق والواجبات ، وعلينا أن نطالب بحقوقنا ضمن الدستور كما علينا أيضا ان نلتزم بواجباتنا الوطنية .وفقـدنا امنــنا في بيوتــنا في بلد الحرمان المثقل بالفساد والصراع والتفكك __ والله المستعان.