23 ديسمبر، 2024 12:48 ص

القيم عظيمة، والاحلام كبيرة ومخلصة، والحاجة للإصلاح ملحة، فلماذا لا يحصل الاصلاح، والناس كلها تنادي بالإصلاح وطلبه، اليس الناس التي تنادي بالإصلاح هي ذاتها جزء من منظومة تنمية التخلف وبيئتها، اليس حاملي الوية الاصلاح هم جزء من اسباب التخلف وفاعليته، وكفاءتهم بالسير في الدرب الغلط والفهم الاعوج هو سبب من اسبابه، لم عندما يتكلم الناس عن حقوق الانسان او حق الناس باختيار حكامهم نقول نعم هذا قاله الاسلام قبل الف واربعمائة عام، فان كان كل ما يقدمه الناس موجودا فلم لم تبنَ عليه شخصية المسلم عقليا ونفسيا ويبقى سلوكنا غير قولنا وفيه ازدواج.
لقد جرى تقييد للمعاني القرآنية بتضييق المعنى، وشوهت القيم عبر سلوكيات من تصدى وزعم حمل تلك القيم، وعطلت المنظومة العقلية المبدعة عبر هذا التحجيم والتجميد، ولعل هذا ما جعل الامة معطلة عن الابداع بإملاء شروح محددة ضيقة والقرآن متعددة مثانيه فأغلقت بقفل معاني جازمة حصرية لا تسمن ولا تغني من جوع وتعامل بقدسية رغم انها لا توضح المعاني القرآنية بسعتها.
فقد حصر المفسرون معاني العلم في عقل المسلم انه العلم الشرعي وان الشخص المقدر عند الله هو الدارس للشريعة، بينما العلم في النص القرآني هو شامل للحياة من التجربة الصح والخطأ، الى العلوم السياسية؛ والفكرية ، الى الزراعة والصناعة، الى القيام بالواجب المهني والوظيفي، فعندما يضبط المهندس مثلا عمله ان كان مصمما، ويطبق التصميم ان كان منفذا بأمانة، او يتعامل مع العقود بما يضمن مصلحة الاطراف رب العمل والمقاول، فهو في العلم الممدوح من الله بعمله وامانته وعدله والاحسان هو ما يبدع من خلال عمله ويبتكر، لكن نرى المفسرين ذهبوا لتحجيم الفاعلية ومثاني النص فعزلت الشخصية والكينونة عن المدنية والمشاركة في مخرجاتها.
في ذات السياق جعل الله ميزة الانسان الابداع والتفكير ومنظومته العقلية التي خاطبها القرآن بالقلب أي في الناصية وهي مقدمة الراس صاحبة القرار وما معها من فواد ومساحة للتفكير ورسم الاحداث وتخيلها كل ذلك كان عنه مسؤولا، ومثلها النظر الى الانسان واعماله وسلوكه وان الكراهة ليست للإنسان وانما لفعله ان كان سيئة ومهما كانت قناعاته او معتقداته فهو مكرم لأنه آدمي ولا عدوان الا على الظالمين، فان توقف ظلمهم فهم اخوان في الادمية.
هذه الامور يفسرها الدكتور جاسم السلطان بطريقة سلسلة الحقيقة تبين خطورتها على الاسلام نفسه وعلى المسلم وعلى المنهج القرآني الذي عزل عمليا عن التفاعل والحياة المدنية وتقديم الحلول ومعالجة المستجدات بأسلوب يخاطب الادمية ككل، وهذا كله ليس الا مثلا من كثير من الامور للأسف لتضييق المعاني القرآنية وبات يدرس كأصل واصبح حقائق مقدسة ومؤسسات دينية في دين لا وسيط فيه ولا رجال دين، مؤسسات تقفل وتجمد الكتاب المثاني الذي انزله الله ليكون هدى للمتقين بمثانيه أي طياته التي تفتحها المنظومة العقلية من أهل العلم في فروعه كافة لتستخرج الحلول لكل عصر وزمان ومكان وفق تطور العصر المدني والمكاني وثقافة المجتمعات المتعددة في مثل عصرنا وكيف يكون المسلم فاعلا وايجابيا ويقدم اليد لرفع معاناة الناس وكرامتهم الادمية والمحافظة على حقهم في الخيار والامن والامان، لا ما نشاهده اليوم نتيجة التقزيم من عزل عن الواقع وتيهان المعنى القرآني واختلال المفاهيم والسلوك في طريق الفرق العديدة التي لا تتكلم بلسان العصر وانما تسترشد بمعاني جدلية خلافية تحجم النصوص وتعطيها معاني ضيقة واحيانا تهمل الكثير منها بل تقدم نماذجا من التخلف المقززة.
ان اصلاح هذا مهمة صعبة فعليك اقناع الملايين من الخطباء والمراجع والوعاظ، الذين يدخلون المسلك بسن مبكر دون التسلح بالعلوم الحديثة وكذلك الباحثين الذين يجترون النصوص ولا يجرئون على الاعتراف بانها لا تطابق المعنى القرآني او الفهم الذي انتجه توسع تفكير الانسان، والغبش الذي عندهم ايضا واختلاط هذا مع الدوافع الغريزية من حب السيادة والتملك.
هذا وغيره ادى الى حيرة، وظهور جمود عقل تمثل بنكران ما لا ينكر ممن ينعتون أنفسهم بالعقلانيين او العلمانيين وهم يقرؤون كل شيء الا ما وجد عندهم من قيم حضارية، بل انهم استوردوا افكار العالم المتضادة وزاد تناحرها وتضليلها من تخلف الامة وشراسة الفعل وامتهان الكرامة الانسانية.
ان ما يمر به العالم والسلم العالمي يحتاج الى تفكّر وقراءة لمثاني القرآن واعية تعيد تربية الناس لان الاسلام ليس دين عبادة وطقوس بل نظام حياة وثقافة لا تتعارض مع الاعتقاد والاديان بحقيقته.
في عصر التقنيات العالية والانترنيت، والفضائيات وما يمكن ان ينتج الانسان من وسائل تعليم وحوار واتصالات، فلم يعد الاسلام بحاجة الى فتوحات، كما يخاف الاخرين وانما الى ابلاغ الرسالة لكن بعد فهمها على حقيقتها وليس بهذا التهافت والتخلف وضيق المعنى… وعلى العالم ان يكفينا حروبا تضطر الامة لخوضها ان بقي الظلم والتجهيل وتجنيد الجهلة والجاهلين لتشويه الدين وتدمير البلاد واضطهاد العباد وللموضوع امتداد.