يقول الجاحظ بكتاب الحيوان في وصفه للكتاب : ” والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك،والصديق الذي لا يغريك ،والرفيق الذي لا يملّك ،والمستمع الذي لا يسترثيك،والجار الذي لا يستبطيك ،والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ،ولا يعاملك بالمكر،ولا يخدعك بالنفاق ،ولا يحتال لك بالكذب ” .,فصاحب الكتاب ,وجالسه ,وآنسه بالمطالعة فيه ,يؤانسك بالعلم والمعرفة والخير في الدارين,ومطالعة عقول الرجال ,وتمضي حيث وقفوا وتنطلق من حيث انتهوا..ثم اعلم أنه لا يخلو كتاب من فائدة ,إما أن تعمل بها ,أوتحذر منها ,وليست العبرة باقتناء الكتب في المكتبات ,وتصفيفها في الأدراج ,ولكن العبرة بالفهم والمطالعة فيها ,فهي خير سمير في الليالي ,وأجمل وأحسنه ,وأكرمه ,وقال أحد العقلاء : ” صحبت الناس فملّوني ومللتهم ,وصحبت الكتاب فما مللته و لا ملّني ” ,كما قام المتسولون في فيينا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بالاستيلاء على كتب المكتبات المهجورة و بيعها بالطرقات و بأبخس الاسعار ، لعدم ادراكهم قيمة هذه الكتب و للعوز الذي هم فيه ،وبعد عدة سنوات ﻻحظ المثقفون ازدياد ثقافة “المتسولين” و دخولهم بمحاججات ثقافية فيما بينهم في الطرقات و قد بدأوا يحسنون من كلماتهم التي يستخدمونها في ما بينهم ، و عندما تتبعوا الامر وجدوا ان هؤﻻء “المتسولين” كانوا يقرأون هذه الكتب التي يبيعونها لمعرفة محتواها و النداء بالاسواق بمحتوياتها لجذب المشترين و قد تأثروا ايما تأثير ..,لأنها كشفت شبهات القلب وإزالة الحجب عن العقل ليرتوي ,وإذا كانت مقولة ( القاهرة تكتب و بيروت تطبع وبغداد تقرأ) ,ما فائدة الكتب وثقافتها وهي لا ترتقي لمستوى ثقافة الفرد ووعيه ونضجه ؟ولايستفاد من حكم الحكماء وتجارب الشعوب لمعرفة أوضاعهم وحضاراتهم وثقافاتهم ,وأين دور المثقف الذي تكمن وظيفته بأنه الشخص الذي لديه الوعي في التحليل والنقد والقدرة على ايصاله للآخرين أو الجهة المستهدفة من خلال أختيارالاسلوب واللغة المناسبة التي تتناسب مع مستوى فكرهم ,معتمداً في طرح على ثقافته ومعارفه وأفكاره ورؤاه ,الكثير من الرسائل التي يطرحها المثقف لجمهوره لم تفي بالغرض
المطلوب والسبب يعود لفجوة بين المثقف والمتلقي في رسالته التي يرسلها الى جمهوره ويصيغها بألفاظ وتعابير ومفردات لا تحاكي فكره ومعرفته وفهمه ,فعليه أن يختار اللغة والوقت المناسب حتى يتمكن من أن تنجح رسالته المراد أيصالها ,أن المثقف هو المحرك الاساسي للأمة وهو قلبها النابض الذي يمدها بالحيوية الديناميكية ,فقوة الامة تأتي من خلال مفكريها الذين ينظرون للأمور بعكس ماينظر اليه الانسان السوي وذلك لبعدهم الفكري ولرؤاهم العميقة وتقييمهم للحالة التي تعيشها الأمة ,فكان ولازال الصراع محتدماً بينه وبين السلطات الموجودة على مر الدهور فهي تريد شيء مهم منه ,وهوأقناع المجتمع بحكمها القائم بالحديد والنار عن طريق خطابه وتأثيره بهم بأظهار شيء ,وأخفاء شيء آخر ,وهو الوجه القبيح للظالم للحاكم على اعتبار أنه منزه من الخطأ وأطاعته فرض عين على شعبه ,ولذلك فهو يبيح لنفسه ويعمل ما يحلو له دون حسيب ورقيب فهناك سطوة للمثقف مؤثرة وفاعلة في تبرير انحرافاته وسلوكياته تحت مسميات وعناوين متعددة ,وجانب آخر من المثقفين فضلوا الموت أوالهجرة والرحيل عن بلدانهم على أن لا يركنوا لهم ويجملوا صورة السلطة رغم قساوة المرارة وضريبة الدفع التي طالتهم ,لكن أصعب ما في الموضوع هو أن يتحول المثقف لإنسان وصولي وانتهازي مع كل ريح للحصول على غايته المبتغاة وهي النفعية المادية وما أكثرهم الآن بفقدان الثوابت التي يرتكزون عليها .