7 أبريل، 2024 3:51 ص
Search
Close this search box.

من أين يبدأ الإصلاح ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

قال تعالى : {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَايُصْلِحُونَ} [النمل : 48]. تختلف وجهات النظر في موضع الإصلاح من رؤية فكرية إلى أخرى ومن المؤكد أن الإنسان منذ البداية تولدت لديه الحاجة إلى نظام يؤمن له حياة كريمة.

والحقيقة إننا نحتاج إلى أن نطرح هذا السؤال, وهو من أين تبدأ عملية الإصلاح؟ كي ننطلق من زاوية تستوعب كل ما يرتبط بشؤون الحياة.

فهل المشكلة اقتصادية بحتة؟ حتى ننطلق من قراءتنا لدور الأموال في تحديد السلوك البشري, أم أن المشكلة في سلوك البشر أنفسهم؟ حتى ننطلق من قانون بوليسي يحدد لكل إنسان ما له من حقوق وما عليه من واجبات. فعلى الأول نحتاج إلى نظام خاص ينطلق من رؤية علاقة الإنسان بالملكية وعلى الثاني تكون الأمة متهمة في أخلاقياتهافنضع أمام كل منزل شرطياً؟

لا ريب أن ما نتحدث به هنا ليس بدعاً من القول بل هو واقع نعيشه ونراه في أمرين, الأول التخبط الكبير في شكل النظام الاقتصادي لدينا كنظرة لدور رأس المال في تنظيم الحياة, الثاني التراكمية من القوانين التي وضعت لتحديد الحدود وتعيين الحقوق, والتي أوجدت ما يعرف بالبيروقراطية, التي أضحت عبارة عن روتين مهلك لا يعبأ بحقوق المواطنة ولا يهتم لكرامة البشر, فعلى الإنسان أن يقدم ما بوسعه إما لإثبات حق أو دفع باطل وذالك ليس إلا لأن الفرد في نظر السلطات متهم في سلوكه وذو قيمة أدنى من الطبقة التي تدير البلد بمختلف قطاعاته.

ولهذا.. عندما نريد أن نجيب على السؤالين السابقين لابد من أن ننطلق رؤية رصينة من المفترض أن يفوق ما يطرح فيها كل النظرياتالوضعية التي أدرجت لتقويم حياة البشر. وعلى هذا لا ينبغي أن نتعدى باب مدينة علم الرسول ـ صلى الله عليه واله .

فقد روي أنه سُئل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ  عن أحوال العامة فقال: (إنما هي من فساد الخاصة وإنما الخاصة ليُقسمون إلى خمس: العلماء وهم الأدلّاء على الله, والزهاد وهم الطريق إلى الله, والتجار وهم أمناء الله, والغزاة وهم أنصار دين الله, والحكام وهم رعاة خلق الله, فإذا كان العالم طمّاعاً وللمال جمّاعاً فبمن يُستدل؟ وإذا كان الزاهد راغباً ولما في أيدي الناس طالباً فبمن يُقتدى؟ وإذا كان التاجر خائناً وللزكاة مانعا فبمن يُستوثق؟ وإذا كان الغازي مرائياًوللكسب ناظراً فبمن يُذب عن المسلمين؟ وإذا كان الحاكم ظالماً وفي الأحكام جائراً فبمن يُنصر المظلوم على الظالم؟ فوالله ما أتلف الناس إلا العلماء الطماعون, والزهاد الراغبون والتجار الخائنون, والغزاة المراءون, والحكّام الجائرون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.)

وهنا.. بعد أن عرفنا أن أحوال العامة إنما تتأثر بمنهج وسلوك الخاصة فعلينا أن لا نتصور أن هذا السلوك في عصرنا هو أعمال شخصية فراديه كما كان سابقا, إنما أصبح عبارة عن مؤسسات تقننت بقوانين ونظم اقتصادية وسياسية وارتبطت بإدارة الدولة بل بالنظام العالمي.

فإذا كان النظام العالمي يقوم على أساس الهيمنة العسكرية والاقتصادية الرأسمالية وما يستتبع ذلك من العبث بمقدرات البلدان فمن المؤكد أن هؤلاء الخاصة حين يصبحون عبارة عن فئة واقعة طولياً ضمن ذلك النظام العالمي سيعملون بنفس الوتيرة للحفاظ على نوع النظام الذي يصبح أداة لتأمين مصالح تلك الفئة الأقلية أو الخاصةوما يستتبعه من تسلط البعض بطرق بعيدة عن قيم الانسانية.

يقول سماحة السيد الأستاذ المحقق في كتاب فلسفتنا بأسلوبوبيان واضح

(إن الفئة الرأسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع وقدرتهاعلى استخدام جميع وسائل الدعاية وتمكنها من شراء الأنصاروالأعوان تُهيمن على مقاليد الحكم في الأمة, وتتسلم السلطةلتسخيرها في مصالحها والسهر على مآربها, ويصبح التشريعوالنظام الاجتماعي خاضعاً لسيطرة رأس المال, بعد أن كان منالمفروض في المفاهيم الديمقراطية انه من حق الأمة جمعاء , وهكذاتعود الديمقراطية الرأسمالية في نهاية المطاف حُكما تستأثر بهالأقلية, وسلطاناً يحمي به عدة من الأفراد كيانهم على حسابالآخرين, بالعقلية النفعية التي يستوحونها من الثقافة الديمقراطيةالرأسمالية).

ولذا كل من يعتقد أن الإصلاح يمكن أن يكون في مجموعة من البرامج الخدمية ومشاريع البنى التحتية فهو واهم جدا إذ أننا بالأساس ما نحتاجه هو تقنينات وتشريعات تحجم دور أولائك الخاصة.. وهذا الأمريعتمد على مقدار الوعي الجماهيري في التخلص من تأثير الوسائل الدعائية والتبعية المادية الفكرية, بل إن أساس ذلك هو تغيير النظام الاقتصادي بشكل يؤمن للمواطن حقه ويحفظ كرامته دون الحاجة إلى المرور من خلال مؤسسات تلك الفئة الخاصة والتبعية لها.

ولا شك إن في فلسفتنا الوسيلة إلى ذلك لكن بكل تأكيد الأمر يحتاج إلى دور النخب الواعية أولا لتتحرر من تأثير الوسائل الدعائية للخاصة بكل أنماطها وكي تشكل تلك النخب تأثيرا دعائياً يعمل كند لتأثير الطبقة الفئة المسيطرة والتي تستأثر بالأموال وتسخر مصادر الإعلام.

وبذلك يمكن إنشاء طبقة خاصة صالحة يكون تأثر العامة بها تأثراً ايجابياً يحصل التغيير المنشود من خلاله.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب