خيبةٌ بعد أخرى يُصاب بها الفرد العراقي منذ أن تلطخت الاصابع بالحبر الانتخابي ذو اللون البنفسجي الغامق , وما أن زالت تلك الصبغة ودخل الفائزون الى القبة البرلمانية بغض النظر عن كيفية الوصول وعدد الاصوات التي حصلوا عليها وبأي آليات كانت ومقدار نفعية النظام الانتخابي للكتل والاحزاب التي أقرته , نرى أن حبل التواصل مع عامة الشعب قد أنقطع وأصبح المرشحون الفائزون يجلسون على كراسي في مجلس يمثلهم ولايمثل أي شريحة من الشعب , وهذا ما يمكن أستبيانه وبسهولة من الغضب المتنامي لدى الجمهور ألذي ما أنفك يعض أصبعه ندماً ويأساً من أن يقوم هولاء القوم بتمثيل حقيقي وواقعي لما يمر به الشعب من معاناة ونحس وقحط حتى أدركوا وبقناعة تامة أن ذلك المجلس قابع في دوائر المنافع والتحاصص ولا يستطيع أن يغادرها حتى وأن أصبح بعضهم لبعض مصلحاً وظهيرا .
وخلال السنوات التي مضت رتّبَ مجلسنا الموقر وضعه الداخلي بحيث أصبح يُعلى ولايعلى عليه وأصبح الحديث عن الامتيازات والمخصصات والمنح والحصانات رتيباً عقيماً ومكرراً لاجدوى منه ولافائدة , والدخول في حوارات أعلامية مع النواب مشوب بالمخاطر وعليك أن تحمد الله إن أتتك قنينة تحتوي ما يشربه المرء ويحمد الله عليه والتي قد تصيبك في رأسك فيخرج ورم نسميه بال ( العنجورة ) أو قد تفلح في الأفلات مما يلبسه المرء في قدميه , وصار التباهي في ذلك على قدم وساق , وأي لقاء أعلامي مع أحدهم هو بمثابة معركة خاسرة وغير متكافئة مهما أمتلك المُحاور من ذكاء وتلقائية بطرح الاسئلة والحجج المحرجة فسوف تكون الغلبة لصالح الضيف لأنه محصن قانونياً وبلاغياً لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه فقد خبر علوم الكلام ومعانيها صحيحها وضعيفها وأصبح يمتلك القدرة الذاتية المانعة في تأويل الحديث وتحويله وتسويفه مهما كانت قوة الحجة الملقاة عليه ويصل الامر الى أن كثيراً من المتلقين يقتنعون بكل الحوار ليقول والله كلامهم صحيح عند سياق الكلام فما أن ينتهي اللقاء حتى ترى المتلقي يتراجع وبسرعة التناقض في الشخصية العراقية ليلعن الساعة التي أتت بهم ويمشطهم بما يحلو له من الكلام .
ولنرفع القبعات والتبريكات للمجلس المبارك والذي وصفته الديلي ميل البريطانية وبالخط العريض وعلى واجهة الصفحة الاولى وكما كتب نصاً (Iraqi parliament is the worst institution in the history) لتضع عراق اليوم وكما تعودنا في المرتبة الاسوأ في التأريخ , وتخيلوا كم عدد الهيئات الدبلوماسية والبرلمانية والجهات السياسية والمؤسسات الاقتصادية التي سيمر عليها الخبر وما سيترتب عليه من تأثيرات سلبية على العراق وشعبه الذي أختار هذا المجلس ليمثله على المستوى المحلي والاقليمي والدولي , ورغم السمعة السيئة فلا زال ممثلينا وبصلافةٍ لاحدود لها غارقة في الدجل والسذاجة والفشل ينتقلون عبر أثير الفضائيات لينأى كل منهم بنفسه عما أخرجته قبة الخراب التي يجلسون تحتها وهي القبة التي أنطلق منها الجزء الاعظم من الخراب أذا لم يكن كله , ويغدقون علينا بالحلول التلقائية والارتجالية ولكل نائب منهم حلّ لما تمر به البلاد يعتبره صائبا وفيه صلاح العباد وخيرهم وهم يصرون بعيون وقحة بأن كل منهم يمثل مائة الف مما نعدّ من الذين أنتخبوهم وأصبحوا من الخائبين , ولنرى ونستطلع ماهو واقع التمثيل وكيف يتصف به النائب , أما النائب فهو في عيشة أكثر من راضية , يقطن في قصور واسعة فارهة راقية , يلبس ملابس على الموظة أسعارها غالية , يمتلك من الارصدة التي لايمكن أن تكون في يوم خالية , يأكل من كل صنوف الطعام وأشكاله المالحة منها والحالية , لايفكر في مستقبل أبناءه وبناته فقد حجزوا مقاعدهم بالدقيقة والثانية , لايفكر في أمنه ويتمتع بموازنات أنفجارية قطوفها له دانية , أما الناخب الخائب فهو في عيشة مدقعة قاسية , هاجسة الاول كيف يدبر عيشته اليومية بأي دنانير واهية , وخوفه من المفخخات وكيف تنثر أشلاءه المتسامية , يسكن العشوائيات المتهاوية , والشباب في تيه ومفاهيم هي عليهم كالنار الحامية , وقيم أجتماعية أخذتنا بريح صرصر عاتية , , فأي أناس أنتم بمغالاتكم توهمون , وأي مائة ألف تمثلون , وكيف كنتم لثروة الشعب مهدرون , ولنضرب مثلاً علّنا نقنع القوم الذين لازالوا عنهم يدافعون , فموازنة سنة واحدة فقط للمجلس الموقر ومجالس المحافظات الموقرة أيضاً والمرتبطة به بس على الورق كانت تعادل بناء برجين مثل برج خليفة وأحسبوا أنتم لو أستغلت موازنة سبع سنين لكان الان لدينا أربعة عشر برجا ودققوا في المردودات المالية المتحققة فقط من بناء هذه الابراج فضلا عن تشغيل العمالة وما تجلبه من استثمارات محلية وعالمية , ولكنهم صمٌّ في بروج لايدركون أمثالنا ولا لصوتنا يسمعون .
واليوم وبعد أن أنقسم القوم على أنفسهم منهم من يدعي الاصلاح بهتاناً وزورا ومنهم من يتعلق بأستار الدستور وقوانينه تعليقا وبعد أن وصل نزاع القوم لقاضي البلاد وحاكمها بالعدل وبعد أن تم التدقيق والتمحيص والتأجيل ظهر الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا , فالمنقسومون كلهم على باطل ومافعلوه نوع من الالهاء والضلالة وقد أعتبرت الجلستان غير قانونيتان وهذا دليل قاطع أتمنى وأشد على الايدي أن تكون له توابع قانونية عقابية بحق كل واحد منهم ممن كانوا يعتصمون وممن دخل القاعة وأغلق الابواب وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم ظالمين , ومن هذه الخيبة الكبرى ودوائرالاحباط والخذلان الوسعى ينطلق نداء صميم ٌ من أعماق عراقيتنا بأن يتحمل الاعلاميون والصحفيون والكتاب وكل وسائل الاعلام بأن يطلقوا صيحة مفجعة مدوية لاعقائدية ولامكوناتية لاشرقية ولاغربية بل هي عراقية عراقية
عراقية , وأن تعلن حرب أعلامية واقعية صادقة لكي تمنع التمادي في الخطاب الاعلامي البرلماني وحصره في دائرة ضيقة لايستطيع الولوج منها الى العقول البسيطة , وأن نسترجع كل الملفات العالقة بغض النظر عن المسمى وأن نعمل على الضغط محليا وأممياً وبآليات مختلفة من أجل أن يُعمل أستفتاء شعبي يكون جامعاً وشاملاً لتقييم البرلمان وما حققه من أنجازات حصرية لمن كان يجلس تحت قبته أبتداء من مخصصات تحسين المعيشة والرواتب الفاحشة وأنتهاء بالقوانين التي شرعت وهي بعيدة كل البعد عن الشعب وطموحاته فلا خير يأتي من أناس يُمثلون على شعبهم لا أن يمثلوهم .