18 ديسمبر، 2024 9:15 م

من أوراق المخابرات العراقية

من أوراق المخابرات العراقية

تمهيد :
قبل أن يطوي التاريخ صفحاته ، وقبل أن تندثر الاحداث في ركام السنين ، ويشوه وجه الحقيقة ، وقبل أن يعتلي غبار الزمن السفر الوطني الخالد لجهاز المخابرات العراقي الذي كانت انطلاقته بعد ثورة تموز ١٩٦٨ باسم مكتب العلاقات العامه ثم رئاسة المخابرات ، فجهاز المخابرات ، حتى تم حله بقرار المحتل الامريكي عام ٢٠٠٣ ، حيث لعب هذا الجهاز دورا بارزا في تاريخ العراق الحديث وصنع بطولات فريده في الدفاع عن العراق ونظامه الوطني ومؤسساته والحفاظ على أمن شعبه ، وتصدى رجاله بكفاءة متميزه ومهنية عالية لمؤامرات عديدة على نظام الحكم مدعومه من قبل دوائر أستخبارية أقليمية وعالمية أو بتنفيذ مباشر منها ، وأحباط نشاطات تجسسية عديدة ، وأفشال وتحجيم عمليات التخريب الاقتصادي والاجتماعي والعلمي وتهريب الاثار ، وأستطاعت دوائر العمل التعرضي فيه من تنفيذ عمليات أختراق واسعه لمؤسسات ومنشآت وأحزاب وشخصيات سياسية وأمنية وعسكرية خارج العراق والتأثير في القرار السياسي لعدد من الدول ، وتقديم المعلومات الستراتيجية والمهمه والدقيقة للقيادة السياسية .
ومثلما هو معروف للجميع أن العمل الاستخباري التعرضي يمثل السياسة الخفيه للدوله ونواياها الحقيقية وأطماعها تجاه الدول الاخرى خاصة المجاورة ، والاسلوب الذي يستخدم للوصول لاهدافها وغاياتها بعيدا عن الدبلوماسية والدعاية الاعلامية . ففي هذه المقالات المتواضعه التي سننشرها على حلقات ، سنعرض بعض من القضايا الاستخبارية التي تابعها جهاز المخابرات العراقي في صراعه الطويل مع المخابرات الايرانية ، التي كانت الاكثر حضورا على الساحة العراقية ، ونشاطاتها تجاوزت عمليات الاختراق والتجنيد وجمع المعلومات ، الى تنفيذ العمليات الارهابية والتخريبية وأستهداف المؤسسات والمنشات المدنية والعسكرية وعمليات الاغتيال للشخصيات الحكومية والحزبية ، عبر أذرعها وأوراقها المتعددة ، التي تمثلت بالاحزاب والحركات الدينية ، والجهد الكبير والعمل الدؤوب لرجال العمل الوقائي ( مكافحة التجسس ) في المخابرات العراقية للتصدي لهذا النشاط التجسسي الايراني الواسع ، لكي يطلع الشعب العراقي والعربي وخاصة أولئك الذين لازالوا يعتقدون أن أيران دولة أسلامية وأن حكومتها تعمل لنصرة المذهب ورفع الحيف عن المظلومين ، ليطلعوا على الصورة الحقيقية والاساليب القذره التي أستخدمتها المخابرات الايرانية لالحاق الاذى بالعراق وإيقاع العراقيين في وحل العمليات السرية التي نفذتها على الساحة العراقية أو التي أنطلقت من العمق الايراني .
الحلقة الأولى :
ميكافيلية ملالي طهران
بعد أحداث ١١سبتمبر ٢٠٠١ وعندما بدأت أدارة البيت الأبيض بقرع طبول الحرب وتحشيد الرأي العالمي لغزو أفغانستان ومحاربة عناصر تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن ، الذي أتهم بوقوفه خلف العمليات الأرهابية التي طالت برجي التجارة العالمي ، لجأت قيادات من الخط الثاني والثالث وأعداد من مقاتلي تنظيم القاعدة وعوائل كثيرة لعناصر القاعدة بضمنها عائلة أسامة بن لادن الى أيران بالأتفاق مع حكومة طهران التي خصصت لهم مساكن ومعسكرات خاصة للتدريب داخل أيران وقدمت لعوائلهم الرعاية والاقامة المناسبة .
في ٧ أكتوبر بدأت القوات الامريكية حملتها العسكرية التي أسمتها ( الحرية المستديمه ) ، وبعد مرور أكثر من شهرين بدأت القوات العسكرية الامريكية والقوات الدولية ( أيساف ) تقطف ثمار معركتها باندحار تنظيم القاعدة وقوات طالبان في عديد المدن الافغانية ومنها العاصمه كابل ، وبات مقاومة القوات الاجنبية الكبيرة وتسليحها المتطور ، ضرب من الخيال ، لدى تنظيم القاعدة وطالبان ، الذي أنكفىء في الجبال هاربا ، الامر الذي دعا البيت الابيض أن يعلن خطوته القادمة في رسم خارطة الشرق الاوسط الجديد ، حيث سمى الرئيس الامريكي جورج بوش في خطابه بتاريخ ٢٩/١/٢٠٠٢، العراق وايران وكوريا الشمالية ب ( محور الشر ) باعتبارها دول داعمة للارهاب .
بداية شهر فبراير٢٠٠٢، ومع حملة الاعلام الامريكي المعادية للعراق ، دفعت أيران أعداد من مقاتلي القاعدة الذين كانوا يتواجدون على أراضيها الى شمال العراق وانتشروا في المدن والقرى الحدودية بالتنسيق مع قوات حزب الاتحاد الوطني .
حصلت مخابرات التاميم ( كركوك ) على أشارات أولية من مصادرها الكردية عن تواجد عناصر تنظيم القاعدة في عدد من مدن وقرى كردستان العراق الواقعه تحت سيطرة حزب الاتحاد الوطني ، حيث وضعت خطة لتدقيق هذه الاخبار او الاشارات عبر اساليب متعدده للوقوف على صحتها وأعدت خطة باستكمال قاعدة المعلومات عن هؤلاء وأعدادهم وجنسياتهم وتسليحهم ومصادر تمويلهم .
بعد أيام قليلة أرسل جلال طالباني أحد المقربين منه ، ناقلا رساله عنه الى ضابط الارتباط معه في كركوك يشير فيها الى تواجد عناصر تنظيم القاعدة في كردستان وانه يحتاج الى مساعدة الحكومة العراقية بالمال والسلاح لمجابهتهم وطردهم من كردستان .
تظافرت جهود العاملين في العمل الوقائي والتعرضي بتفعيل مصادر المعلومات البشرية ودفع بعضهم للتقرب وبناء علاقات باغطية معينه مع عناصر تنظيم القاعدة في كردستان العراق وتحديد أعدادهم وتسليحهم وتحركاتهم ونواياهم وكيفية وصولهم الى كردستان ، وبعد فترة قصيرة تم أستكمال قاعدة المعلومات عنهم وتحليلها واحاطة القيادة العراقية بتفاصيل الموضوع ، مع رسالة جلال الطالباني .
ولان القيادة العراقية تعرف جيدا ألاعيب الطالباني وارتباطاته المشبوهه مع أيران ودور حزبه التآمري ، فقد صدر الامر بمساعدته بمبالغ مادية فقط . والاستمرار بمتابعة عناصر القاعدة .
نهاية شهر اذار (مارس ) من نفس العام تسلل عدد من هؤلاء العناصر عبر الطرق النيسميه الى القرى والمدن القريبة من الخط الفاصل ، أو مايعرف ( بالخط الازرق ) بين قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة في محافظتي كركوك وديالى ، حيث زودت المصادر الكردية بالاضافة الى قياديين من حزب الاتحاد الوطني جهاز المخابرات بالمعلومات عن هذه العناصر المتسلله . الذي بلغ أكثر من عشرين عنصرا ، من جنسيات عربية وثلاثة عراقيين .
وفق خطة. أستخبارية محكمة تمت متابعة هؤلاء العناصر منذ أن غادروا مناطق شمال العراق الى محافظات ومدن العراق الاخرى ، وتوزعوا في مناطق عدة ، بدا” من محافظة نينوى وأقضيتها شمالا الى ناحية جبلة في محافظة بابل جنوبا مرورا ببغداد ، وقد تم تكثيف أساليب المتابعة بعدة أتجاهات ، لتحديد الدوافع من تواجدهم في العراق، والمهام الموكلة لهم ، وكانت خطوتهم الاولى أيجاد سكن وفق الرواية التي كانوا يروجوها للعراقيين ، حيث كانوا يدعون ، (( أنهم قدموا للعراق لاجل العمل وبعد استقرارهم سيجلبون عوائلهم )). واخذوا يترددون على الجوامع ويقيمون العلاقات مع المترددين عليها خاصة من الشباب . لكن لم تكن هنالك سوى أحاديث دينية عامة . كما لم يثبت لجهة المتابعه في جهاز المخابرات قيامهم بأي نشاطات أو أعمال مشبوهه تضر بالعراق وامنه .
لم تمضي الا أيام قليلة حيث أستكملت الموافقات القانونية وصدر القرار القضائي بالقاء القبض على عناصر تنظيم القاعدة لدخولهم الاراضي العراقية بصورة غير قانونية ، ووفق خطة محكمة بعد عملية رصد مستمر بتعاون كبير بين المواطنين وتنظيمات حزب البعث مع جهاز المخابرات ، وبتوقيت واحد تم مباغتة عناصر القاعدة والقاء القبض عليهم جميعا .
أثناء عملية التحقيق التي تمت وفق أساليب مهنية من قبل محققين مختصين بالجماعات الارهابية ، بعزلهم عن بعض ، أعترفوا أنهم قدموا للعراق من أيران وبعلم وتنسيق مع السلطات الايرانية حيث كانوا يقيمون وعوائلهم هناك ، وان الحكومة الايرانية قدمت لهم كافة المساعدات والرعاية الاجتماعية والصحية وسبل العيش الملائم ، وكانوا يتدربون في معسكرات ايرانية خاصة معدة للتدريب على العمليات العسكرية الخاصة وحرب المدن وقتال الشوارع والتفجيرات واعداد وزراعة الالغام بالاضافة الى عمليات الاغتيال ، باشراف خبراء مختصين من الاستخبارات الايرانية وفيلق القدس ، وان اسلحتهم وتجهيزاتهم العسكرية توفرها الحكومة الايرانية . كما اشاروا الى ادخال بعضهم في دورات أمنية في التجنيد وجمع المعلومات والاستطلاع ، وفي الحرب النفسية . وان سبب دخولهم العراق هو لغرض التهيئة والأستحضار ودراسة الوضع ووضع الخطط اللازمة لمقاتلة الامريكان ، وليس لديهم نوايا أخرى ضد العراق وحكومته ، في الوقت الحاضر ، ومن المقرر ان تلتحق بهم مجموعات اخرى ، وهذا ما ثبت أثناء التحقيق .
بعد أكمال التحقيق معهم تم عرض قضية هؤلاء على رئيس الجمهورية الرئيس الراحل صدام حسين مع مقترحات تضمنت الاتي :
1. أعادة تجنيد هذه العناصر لصالح المخابرات العراقية والاستفادة منهم في مواجهة أمريكا أو ضد مصالحها في المنطقة .
2. تسليمهم للامريكان لترطيب الاجواء المتأزمه وفتح صفحة جديدة في العلاقات الامريكية العراقية .
3. أتخاذ الاجراء ات القانونية بحقهم لمخالفتهم دخول الاراضي العراقية بالطرق غير القانونية . ورد هامش الرئيس الراحل صدام حسين من فقرتين اولا (( البركة في رجال العراق )) وثانيا (( قيمنا العربية لاتسمح لنا ان نجامل أعداء الحق . يتم التعامل معهم وفق القانون )) . تمت أحالتهم للقضاء وصدر القرار ضد عناصر القاعدة العرب بحبسهم لمدة ثلاث سنوات وفق قانون الاقامة لدخولهم الاراضي العراقية بصورة غير قانونية . إما عناصر القاعدة من العراقيين فقد أحيلوا للقضاء باكثر من تهمه . هي انتماؤهم لمنظمات إرهابية ، وتعاونهم مع عناصر أرهابية لدخول العراق . بالاضافة الى الدخول غير القانوني للعراق . تم نقل عناصر تنظيم القاعدة الى قسم العرب والاجانب في سجن أبو غريب ، لقضاء مدة محكوميتهم المشار اليها أعلاه ، وفي الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني ٢٠٠٢ صدر قرار العفو العام .
بعد قرار العفو ، وحسب قانون الاقامة الذي يقضي بابعاد العربي أو الاجنبي الذي يكمل مدة محكوميته أو يستفاد من العفو خارج العراق الى بلده ، وتطلب الامر تسفير هؤلاء الى بلدانهم العربية ، عبر منفذي طريبيل أو الوليد الحدوديين مع الاردن وسوريا ، لكن لم تكن لديهم مستمسكات رسمية ، وانهم طلبوا تسفيرهم الى أيران ، وقد تم ذلك ، حيث تم نقلهم الى مركز المنذرية الحدودي في محافظة ديالى .
كانت هنالك توقعات ، أن الحكومة الايرانية ستعيد عناصر القاعدة الى العراق كونهم ليسوا من مواطنيها ، لكن هذا لم يحصل .
أن دفع أيران لعناصر القاعدة للتسلل الى الاراضي العراقية لم يكن المرة الاولى ، بل سبقها تسلل القيادي في تنظيم القاعدة ابو مصعب الزرقاوي خلال فترة التسعينيات، وتم أبعاده من العراق عن طريق أيران أيضا .
ومن هنا يتضح جليا العلاقة الوثيقة التخادمية والتنسيق العالي بين أجهزة الاستخبارات الايرانية وتنظيم القاعدة ، بالاضافة الى شواهد عديدة أخرى ، يستدل منها بان العمليات الارهابية التي عصفت بالعراق بعد الغزو الامريكي عام ٢٠٠٣، وما شهدته المنطقة من توتر طائفي ، ليست بعيدة عن ايران وعن مصالحها في التوسع والتمدد ، وما الحرب الطائفية التي اندلعت في العراق عام ٢٠٠٦ ، وكان أحد طرفيها تنظيم القاعدة الا عملية أستخبارية منظمه باشراف الحرس الثوري الذي كان يمسك بخيوط الفعل ورد الفعل بين طرفي الصراع ( تنظيم القاعدة والميليشيات الطائفية ) لاثارة الفتنة الطائفية التي حصدت أرواح الالاف من الابرياء ودقت أسفين الانقسام المجتمعي واتاحت لايران التواجد بل الهيمنه على العراق .
أن أيران لاتنكفيء عن العمل لتحقيق مصالحها القومية الفارسية الصفوية وطموحاتها التوسعية عبر مايسمى تصدير الثورة الذي تدعي انها ( اسلامية ) وهي تعمل بميكافيلية عالية حتى مع الذين تختلف معهم آيديولوجيا وتتقاطع معهم عقائديا ، وتمد جسور العلاقة وتبادل المصالح مع من تدعي عبر خطابها الاعلامي أنه الشيطان الاكبر ، وماقدمته لامريكا ومساعدتها لها عند غزوها أفغانستان والعراق وباعتراف المسؤولين المعممين ، وفضيحة ( أيران غيت ) في ثمانينيات القرن الماضي خير البراهين والادلة على ميكافيلية حكومة طهران ، وكذلك فان أيران لاتكترث لحجم الضحايا من غير الفرس طالما يصب ذلك في خدمة إجندتها التوسعية ، ومن الجدير بالذكر فأن أيران لم ترسل فارسيا واحدا لتنفيذ مهامها التخريبية في العراق بعد أحداث التخريب والشغب عام ١٩٩١ ، بل أعتمدت على عملائها من العراقيين أو العرب الاحوازيين أو الاكراد وغيرهم ممن تلتقي معهم طائفيا .

مُرسل من بريد Yahoo لجهاز iPad