منذ أن كان (العقيد) ومن ثم غدا قائد الثورة الليبية، وفي إثر ذلك خلع عليه الزعيم عبد الناصر لقب أمين القومية العربية، ثم أطلق هو على نفسه لقب عميد الحكام العرب، وتوالت الألقاب: رئيس الاتحاد الإفريقي، ملك ملوك إفريقيا، قائد الطوارق، رئيس تجمع دول الساحل والصحراء، قائد ما يسمى بالقيادة الشعبية الإسلامية، إمام المسلمين و زعيم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. حطم العقيد معمر القذافي الرقم القياسي في عدد الألقاب، ولكن أظرفها هو ما أطلقه عليه الرئيس السادات وهو: “الواد المجنون بتاع ليبيا”. حتى حصل على آخر ألقابه وهو الراحل أو الشهيد بحسب البعض. رغم اعتياد الجماهير في الدول العربية، لاسيما في ليبيا، على خطابات رنانة كان يطلقها بمناسبة أو دونها، حتى غدا الزعيم الأوسع شهرة في الأوساط العربية والدولية بخطبه اللاذعة ومقترحاته المخادعة وصياغاته الفاقعة لاسيما حين وجه كلامه إلى الزعماء في القمة العربية مبشرا إياهم بأن مصيرهم لن يكون أفضل من مصير صدام حسين، لكن العبارة الأشهر التي أطلقها مدوية، في آخر خطاباته الذي ألقاه أمام خرائب أحد قصوره كانت الأشد فكاهة والتصاقا بالذاكرة سيما وانه دق فيه ساعة العمل وساعة الزحف وساعة النصر الذي لم يأت على أعدائه الذين خصوه وليبيا، دون سواه من الزعماء المبشرين بالخلع، بسلسة ضربات جوية أدت تاليا إلى مصرعه.
في ذلك الخطاب قال القذافي جملته الأشهر التي حصدت والخطاب الذي تضمنها رقما قياسيا جديدا، يضاف إلى سجل القذافي الحافل، في عدد المشاهدات والمتابعات على صفحات الانترنت، تلك هي عبارة: (من أنتم؟) ذلك التساؤل الغريب الذي مازالت الإجابة عليه غير متيسرة لدى كثيرين…من أنتم؟
فيما يرزح النازحون العراقيون من المحافظات الساخنة أو المحتلة من قبل تنظيم داعش الإرهابي تحت نير ثقيل من أوضاع معيشية عسيرة في ظل مخاوف من احتمال تفشي الأمراض والأوبئة في صفوفهم، فضلا عما يقاسونه من انتزاع من الجذور وغربة في الوطن، لا يجد البعض حرجا في التلاعب بمصائرهم ولا غضاضة في السطو على أموال مخصصة لاغاثتهم وبدلا من أن يجد هؤلاء البائسون نجدة وعونا عبر مبلغ المليون والخيمة والكرفان، وإذ بهم بعد اول زخة من رباب الشتاء وإثر صرف مليارات تكفي لا لكرفانات بل لتعمير مدن جديدة بأكملها، يجدون أنفسهم غرقى في الاوحال.
ترى ألم يسمع هؤلاء وسواهم من الفاسدين بمن يستقيل من المسؤولين في دول العالم المختلفة لمجرد شبهة فساد وليس لما يثبت منها بالادلة والوثائق التي لو ورصت فوق بعضها لبلغت السماء السابعة علوا، ولهم في رئيس وزراء كوريا الجنوبية اسوة حسنة فقد استقال الرجل بعد غرق عبارة تقل عشرات من الطلبة الكوريين، وتلقى صفعة على وجهه، دون رد، من والد أحد الغرقى ولو فعل ذلك والد أحد الشهداء في بلدنا، سواء كان من ضحايا سبايكر أم من الايزيدية المنكوبين أم من أبناء عشيرة البو نمر ام من المئات بل الآلاف الذين يقضون يوميا ضحايا لتفجيرات عشوائية تحصد الارواح دون تمييز، لو فعلها او حاول مجرد محاولة لوصل جلده الى الدباغ كما يقول المثل.
الأغرب أن تجد أسوار الحدائق العامة التي اتخذ منها كثير من النازحين في عنكاوا وسواها من المدن والبلدات ملاذا لهم، وقد نصبوا فوق حشائشها ما توفر لهم من خيام لا تقيهم من قيظ الصيف ولا من مطر وصقيع الشتاء وهم في حالة يرثى لها، أن تجد أسوارها مجللة بلافتات لا عدد لها، ليست يافطات شجب أو إدانة أو استنكار لما حل بالوطن وأهله، بل هي إعلانات تدعو من يقرأها لحفلات ساهرة تقيمها فنادق وصالات عديدة تحييها جمهرة من ألمع نجوم الفن والطرب.
وقد ترى كثيرين يتزاحمون لالتقاط الصور بنوعها المعتاد او الـ(السيلفي) ضمن الحشود المتظاهرة لنصرة ابناء العراق من المسيحيين والايزيدية الذين احتلت داعش اراضيهم وباتوا بين ليلة وضحاها مشردين دون مأوى، أو يزورون مخيمات اللاجئين لالتقاط مزيد منها لبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى غدا الفيسبوك والتويتر مكتظين بصور الناشطين، لابأس في العمل على جذب انتباه الرأي العام المحلي والعالمي الى المآسي التي يعيشها الآخرون، لكن، أن يخصَّ ملتقط الصورة نفسه بقدر من الاهتمام يوازي بل يزيد أحيانا عما حازه الموضوع الاصلي، يحيلنا الى النجمة العالمية انجلينا جولي سفيرة النوايا الحسنة لدى الامم المتحدة لشؤون اللاجئين التي زارت مخيمات اللاجئين السوريين وكذا العراقيين في ظل شبه تعتيم إعلامي لان الغرض من الزيارة ليس الدعاية للنجمة بل تقديم أقصى ما يمكن من الدعم والاسناد والمساعدة لمحتاجيها.
على صعيد آخر، فيما تناقلت المواقع الالكترونية نبأ ً يشير الى اكتشاف علماء امريكيين في جامعة نبراسكا وجامعة جون هوبكنز الطبية فايروسا يجعل البشر اقل ذكاء، إن لم نقل يسبب الغباء، محاولين البحث عن علاج، تفاجئك فضائية عراقية بعرضها (ببالغ الفخر ومزيد الاعتزاز) طريقة علاج شاب عراقي يفرز جسده ابرا عجز الاطباء في عديد من المحافظات الجنوبية عن شفائه فوجد ضالته عند الشيخ الذي اكتشف انه مسحور وان عملا سحريا قد حاكته له يدا سيدة مجهولة ليلة عرسه جعله مربوطا يعاني ما يعانيه. وليت العلماء الذين اكتشفوا ذلك الفيروس شاهدوا الشيخ الجليل وعلاجه البعيد كل البعد عن الدجل والشعوذة واستغلال جهل الناس وسذاجة تفكيرهم، لعلهم أفادوا منها في ابحاثهم، وإن كان الشاعر قد حسم هذا الموضوع حين قال:
لكل داءٍ دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وبينما تستنكر وتشجب وتدين وزارة الثقافة وصف الكاتب العراقي (أحمد هاتف) لها بوزارة (السخافة) داعية لردعه واتخاذ الاجراءات اللازمة بحقه لأن “وصفها بـ(وزارة
السخافة) يعتبر عن استهانة بمؤسسة رسمية، وهذا يشكل قذفا مجانيا لا مبرر له، في محاولة متدنية للتقليل من هيبة المؤسسة الرسمية ومن خلالها الاستهتار بهيبة الدولة العراقية”. تساءل البعض: ألم ينبئ أحد من صاغ بيان الوزارة الذي يتحدث عن هيبة الدولة بأن مايقارب 40% من الاراضي العراقية محتلة من داعش الارهابي؟
يكاد القذافي ينهض من رقاده الابدي صارخا في وجوه هؤلاء ومن لفّ لفهم: من أنتم؟ من أنتم؟ أما دقت بعد ساعة الزحف؟ أما دقت ساعة العمل؟ أما دقت ساعة الانتصار؟ أم سيقى السؤال يطرح نفسه ولا من مجيب.