24 ديسمبر، 2024 5:31 ص

من أعلام الطب والجراحة في العراق : الدكتور أحسان رؤوف البحراني في كتابه “نبضات الذاكرة”

من أعلام الطب والجراحة في العراق : الدكتور أحسان رؤوف البحراني في كتابه “نبضات الذاكرة”

لقد كنت محظوظا بحق وأنا في سنوات دراستي الطبية الجامعية في بغداد السبعينات أن أتعلم الطب وعلومه على يد أفضل أساتذته العراقيين ومنهم الأستاذ الفذ الدكتور أحسان رؤوف البحراني. وخلال اجتماع الجمعية الطبية العراقية العالمية الأخير في لندن في شهر تشرين أول الماضي تفاجأت بالزميل الفاضل أحمد زهير البحراني وهو يتقدم نحوي وفي يده كتاب عمه طبيب القلب المعروف في العراق الأستاذ أحسان البحراني وقد كتب بخط يده أهداءا لكتابه الموسوم “نبضات الذاكرة” لشخصي.
والكتاب النبضات كان قد صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر قبل أشهر قليلة فأضاف فيه مؤلفه الدكتور البحراني أضافة مهمة للمكتبة الطبية والفكرية العربية، ما أحوجه أليها وخاصة في مثل هذه الفترة من تاريخ أمة عريقة ووطن كان يفاخر يوما بنظامه الصحي وبتطور علوم الطب فيه.
وقد جاء الكتاب –الوثيقة التاريخية بصفحاته التي جاوزت ال 230 صفحة على عدة محاور يستنتجها القاريء بسهولة رغم عدم تخصيصها في الكتاب نفسه والذي راجع مادته الدبلوماسي العراقي الكاتب والمؤرخ نجدة فتحي صفوت. ولعل أول هذه المحاور في الكتاب هو ما أدعوه بالمحور العلمي الطبي المهني والذي أفاض فيه الدكتور أحسان البحراني تفصيلا ببدايات نهضة طبابة القلب وتشخيص أمراضه في العراق. حيث أجرى اول عملية قسطرة للقلب وشرايينه في مستشفى الشعب عام 1963 وهو نفس العام الذي ألتحق به مدرسا في كلية الطب بجامعة بغداد. وحول ذلك يقول المؤلف أنه أجرى عملية القسطرة على مريض مصاب بضيق ولاّدي في الصّمام الرئوي للقلب حيث تم التشخيص بدقة.
وقد روى المؤلف البحراني في كتابه الممتع “نبضات الذاكرة” تفاصيل أنشاء أول مختبر لقسطرة وتلوين القلب وأوعيته الدموية عام 1967 وكيف تمكّن بمهارته وحنكته التفاوضية من أقناع المدير الألماني في الشركة المصّنعة لجهازالقسطرة من  بيعه للجهاز وبمبلغ تفضيلي لخدمة أطفال العراق ومرضاه.
وضمن هذا المحور العلمي المهني تتطرق صفحات “نبضات الذاكرة” الكتاب الى موضوعة مهمة في تاريخ الطب العراقي، الا وهي موضوعة قانون التفرغ الطبي لأساتذة الكليات الطبية وألزامهم بغلق عياداتهم الخاصة وذلك عام 1977.  وتستنتج دون كبير عناء بعد قراءتك لما فصّل به الأستاذ البحراني حول هذا الموضوع أن مسؤول الدولة حينذاك لم يعر التفاصيل الأهمية المطلوبة وأن التطبيق العملي لم يأت بالنتائج المتوخاة.
وفي نفس المحور يذكر المؤلف البحراني تفاصيل تأسيس جمعية أطباء القلب والصدر العراقية وذلك عام 1967. حيث رحّب بالفكرة حينذاك زملاؤه ومن جملتهم الأساتذة: شوكت الدهّان، يوسف النعمان، مؤيد العمري، سالم الدملوجي، فرحان باقر، بديع صبحية ومهدي مرتضى وآخرون.   وقد عقدت الجمعية على مدى عمرها عدة ندوات ومؤتمرات طبية تخصصية حول أمراض القلب في العراق حتى أنها تمكنت من أصدار أول مجلة تخصصّية لها في عام 2000.
ويعد المحور الشخصي الوجداني واحدا من أهم المحاور في أي كتاب مذكرات مما أولاه كتابنا هذا جلّ الأهتمام لما تعنيه الخبرة الشخصية في شؤوون الحياة من معاني ودروس وعبر وعظات للجيل الجديد الذي لم ينس الأستاذ البحراني أن يوجّه له النصيحة بأن يتمسك بالقيم والمباديء ويحرص على الواجب ويخلص في العمل لخير الوطن ووحدته وسيادته ورفاهيته.
وتطرّق الكتاب تفصيلا ضمن المحور الشخصي الوجداني لمسيرة حياة الأستاذ أحسان البحراني وطبيعة علاقاته الشخصية مع والديه ( نشير هنا الى كتاب مذكرات رؤوف البحراني الوالد والذي كان أحد وزراء حكومة رشيد عالي الكيلاني العراقية عام 1941) ومع أولاده وبناته وزوجته بل وقل ومرضاه وحرصه على متابعة أدّق التفاصيل الحياتية للجميع من موقف الوالد والراعي المسؤول عن الرعية.
ومن الممتع حقا ان تقرأ للطبيب البحراني وهو يفصّل كتابة في أدب الرحلات عن مشاهداته في سفراته الرسمية والعائلية. وفي هذا الأطار يستطيع القاريء لنبضات الذاكرة الكتاب من التعّرف على صفحات غير معروفة سابقا للمسؤول العراقي في السبعينات من القرن الماضي مما يجعل الكتاب يكتسب أهمية للمؤرخين في السياسة وليس فقط للمهتمين بشؤون الطب.  فقرب الطبيب الألمعي من المسؤول الأول في الدولةن أية دولة، أنما يضيف أهمية لذكرياته لا يمكن أن ينكرها المؤرخون.
وقد زوّد الكتاب بعشرات الصور الفوتغرافية المهمة والتي جاءت توثيقا لمناسبات طبية علمية وسياسية وشخصية مهمة. ولا يفوتني في هذه العجالة من أن أذكر ما كتبه الأستاذ البحراني من قصيد (ولم أكن أعرفه شاعرا) وذلك في حب مدينته بغداد حيث نظم شعرا وهو في عمّان عام 2008 قائلا:
بغداد يا دار السلام تحية
من معجب متطلع للقاك                                                              
قد كنت دوما في الفؤاد حبيبة
              لا شيء يلهيني لكي أنساك
ان كتب المذكّرات لأساتذة الطب العراقيين وهي اليوم بالعشرات لجديرة بالدراسات التفصيلية التاريخية والعلمية وبما يلقي المزيد من الأضواء على مسيرة الوطن العراق في ماضيه، عبرة ودرسا لمستقبله، في عالم كان وسيظّل متغيّرا أبدا.