23 ديسمبر، 2024 11:33 ص

من أضل سبيلا؟ الخلف أم السلف!

من أضل سبيلا؟ الخلف أم السلف!

من باب: (اذكروا محاسن موتاكم) لا أظنها تحتسب غيبة إن ذكرت سيئاتهم حين يتطلب المقام استذكارها، فمن السيئات التي كان الرئيس العراقي صدام حسين يتبجح بها في جلساته ولقاءاته، مقولة مفادها ان “من يريد ان يستلم العراق فسنسلمه ترابا”. وهو قطعا بهذا الكلام يثبت انه لم يتسنم رئاسة البلد إلا لغاية احتكار كينونة العراق، أرضا وشعبا وثروات وإرثا ومستقبلا. ويقول البعض انه تلميذ تمرد على أسياده، فإن كان هذا حقيقة -وهو كذلك- فصدام لم يعمل صالحا لا لأعدائه، ولا لأبناء جلدته، ولا حتى لنفسه، وهو بهذا كان حريصا على أن يكون ضرره ذا تأثير طويل المدى، فأسس إلى بلد متهاوي الأركان منخور الداخل، فعمد إلى تغيير الكثير من مفاصل البلد، وكذلك عمد الى إدخال الخراب في أصغر خلية في المجتمع وهي “الفرد العراقي”.وما نراه من سيئين اليوم على واجهة الحكم والسلطة ومراكز صنع القرار، ماهو إلا وليد ذلك النهج وتلك السياسة التي اتبعها صدام إبان حكمه الذي استمر على رأسه مايربو على ثلاثة عقود.
ماذكرني بصدام وسياسته، هو الآثار التي خلفها وراءه، والشخصيات التي تظهر على سطح الأحداث حاملة النهج والسياسة ذاتها، حتى بعد زوال سيدهم “القائد الأوحد” حكما وجسدا وروحا وحزبا، وعلى وجه الخصوص الشخصيات التي تتصدر المراكز الأولى في إدارة زمام أمور البلاد وملايين العباد. وما يعزز كلامي هذا هو ظهور نشاط من قصدتهم في دورات المجالس الثلاث خلال الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد عام 2003. ولا أظن أحدا ممن يتابعون سير أعمال الساسة لم يلمس هذه الحقيقة على مستويات عدة. فلو عدنا بالزمن الى الوراء عقدا ونصف العقد، لوجدنا من الأمثلة على هؤلاء كثيرين، من الذين لم يكن عملهم في مناصبهم يدل على أنهم يمثلون الشعب من قريب ولا من بعيد، وما تداعيات مفاصل البلد كافة من السيئ الى الأسوأ، إلا واحدة من السلبيات المتوارثة من النظام السابق، وكما يقول مثلنا: (چمل الغرگان غطة) فقد زاد حكام العراق الحاضرون على ما ورثوه من صدام أضعافا مضاعفة من السلبيات، لو أحصيناها لوجدنا ان لهم التأثير السيئ ذاته، إن لم يكن أكثر سوءًا.
ومعلوم أن المهنية والإنسانية والأخلاق والأعراف، جميعها تحتم على الذي يشغل منصبا قياديا لاسيما في ظرف كالذي يمر به العراقيون، التصرف بوازع الضمير والأخلاق والنزاهة والمهنية، ويحتم عليه كذلك التحلي بخصال الإيثار والحرص والشهامة والمرجلة والغيرة والرأفة والحنان، لكن الذي حصل -ومازال يحصل- من لدن المتقلدين مناصب ومسؤوليات عليا في البلاد، لايمت بصلة إلى أي من هذي الخصال، بل هو أقرب مايكون الى العداء والمؤامرة وإبداء الضغينة والاحتيال والسرقة… وسلبيات أخرى لاتليق بقراءتها فضلا عن كتابتها.
إنه لمن المخزي والمعيب وفق المقاييس الخلقية لدى الإنسان السوي، ان تكون مسؤولية أمة بأكملها -بما تضمه من شرائح مجتمعية ضامها الضيم عقودا عدة- على عاتق شخص ليس بكفء على حملها، وعدم الكفاءة ليس لخلل في إمكانياته ومؤهلاته، بل لنقص في نفسيته وعيب في خلقه، وتشوه في ثقافته، والمعيب أكثر أن يتعمد الإساءة باتباع السبل غير السوية إدارة وحكما، فتأتي النتائج تبعا لهذا سيئة حتما.
فهل نقول صدق صدام في مقولته وصدق في أفعاله، بإدخاله الخراب الى الفرد والمسؤول والسياسي، ليعم الخراب بعدها بقاع العراق برمتها؟ وهل للخلف اليوم فيمن يحكم العراق ويدير مؤسساته أسوة بسلفهم؟ أم هم أضل سبيلا!