في الوقت الذي يعيش فيه المواطن العراقي هموم أمنه الشخصي في زمن فقد فيه الأمان وأصبح الموت بالسيارات الملغومة والعبوات الناسفة حالة شبه يومية تزهق فيها أرواح الأبرياء بأعداد مهولة لا يتم الإعلان فيها عن عدد الشهداء والجرحى بشكل دقيق لاسيما أن الكثير منهم تلتحق أرواحهم الى بارئها بعد مدة اثر الجراح البليغة التي يتعرضون لها، واستمرار عجز الحكومة عن توفير الأمن أو الحد من النشاطات الإجرامية للتنظيمات الإرهابية بسبب عدم بناء مؤسسة أمنية قوية ومتماسكة وكذلك غياب الجهد ألاستخباري الدقيق والافتقار الى التكنولوجيا المتطورة التي يمكنها الحيلولة دون وقع المزيد من الضحايا لا بسبب عدم توفر الإمكانات المادية بل بسبب عدم الاهتمام الكافي بهذا الجانب …فإن السمة الأبرز للحكومات المتعاقبة التي اعتلت سدة الحكم هو استشراء الفساد المالي في جميع مفاصل الدولة دون استثناء فما زالت القوات الأمنية تستخدم مسدس الكشف عن كرات الغولف الضائعة رغم ثبوت فشله وان بريطانيا حكمت على مواطنها الذي صدر هذا الجهاز الى العراق بعشر سنوات سجن في حين نجهل ما قام به العراق من خطوات لعقاب المستورد والمتورطين بهذه الصفقة السيئة الصيت فشارك هذا الجهاز في سفك دماء الأبرياء .
أكثر من ألف مليار دولار هي مجموع الميزانيات منذ سقوط الصنم الى يومنا هذا فشلت في تحقيق تقدم ملموس في هذا الوطن الذي يعاني من سوء الخدمات في المجالات كافة وانهيارا كاملا للتخطيط العمراني للمدن بسبب انتشار العشوائيات على شكل أحياء كبيرة ونشوء طبقتان اجتماعيتان في العراق الأولى تمتاز بالثراء الفاحش والثانية بالفقر وتتمثل الطبقة الأولى بالسياسيين والوزراء والمدراء العامين ومعاونيهم إضافة الى كبار الضباط في القوى الأمنية نزولا إلى أمراء الأفواج مع تفاوت في نسب ثرواتهم التي تم تهريبها الى خارج العراق او استثمارها في عقارات سجلت بأسماء أقاربهم، ويشاركهم في الثراء التجار الذين استفادوا من عدم وجود التعريفة الكمركية وكذلك عدم وجود التقييس والسيطرة النوعية لفحص بضاعتهم التي تستورد من المناشئ الرديئة والتي تستنزف جيوب المواطنين وتزيد في ثراء التجار الذين وجدوا ضالتهم في البضاعة الصينية المقلدة ويقابل هذه الطبقة طبقة مسحوقة هي طبقة الموظفين والعمال والعاطلين عن العمل إذ لا يكفي دخلهم في سد احتياجاتهم بسبب التضخم الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد العراقي وبين ثراء السياسيين وكبار القادة وثراء التجار ضاع الفقراء وتم تهريب ما يقرب من ألف مليار دولار إلى خارج العراق ليحتل أثرياء العراق المرتبة السادسة عالميا فيمن تجاوزت ثرواتهم 15 مليار دولار .
ما زال هذا الوطن يعاني نقصا كبيرا في عدد المدارس الابتدائية وكذلك انحدارا في مستوى التعليم في المراحل التعليمية كافة خصوصا بعد استحداث المدارس والكليات الأهلية التي لا هم لها سوى المال والجميع يعلم فشلها في الرقي بمستوى الطلبة الدراسي وقد أصبحت ملاذا لفاشلين في التعليم من اجل الحصول على شهادة البكالوريوس ومن ثم الترشيح الى مجالس المحافظات ومجلس النواب بل ان البعض من المسؤولين حصل على شاهدات عليا دون وجه حق ، أما الجامعات التابعة الى وزارة التعليم والبحث العلمي فهي كذلك تعاني فشلا ذريعا بعد وصول أعداد كبيرة من الطلبة يمتازون بتعليم هابط لا يرتقي إلى مستوى التعليم الإعدادي أبان عهد النظام البائد وتحديدا تسعينيات القرن الماضي ومجرد تكليفهم بكتابة بضعة اسطر سيكون كفيلا باكتشاف كم هائل من الأخطاء الإملائية.
الجميع يعلم أن هذا الوطن بحاجة إلى ما يقارب من ثلاثة ملايين وحدة سكنية من اجل حل أزمة السكن التي تعصف به منذ عدة عقود وفي الوقت الذي يفترض فيه استغلال المساحات الفارغة من اجل بناء وحدات سكنية يقوم الفقراء باستغلال هذه المساحات من اجل بناء مساكن عشوائية غير خاضعة الى التخطيط العمراني وغير مستوفية للشروط ومن ثم تكون الدولة أمام الأمر الواقع فإما أن تسكت وإما أن تملكها لهم والوضع لا يحتمل إثارة غضب الفقراء فالسكوت أولى .
إن عملية تصحيح أوضاع العراق يكمن من خلال المشاركة في الانتخابات واختيار الأصلح وإعطاء الطبقة السياسية الجديدة فرصتها في الإصلاح وهم أمام خيارين : أما أن يكونوا خدما لهذا الشعب وأما أن يكونوا خدما لجيوبهم وأحزابهم وطائفتهم وقوميتهم كسابقيهم فيستمر الصراع السياسي،وينبغي نبذ المحاصصات بعد ثبوت فشل هذا الأسلوب في إدارة دفة الحكم، كما ينبغي ترك الطائفية السياسية التي لم تجلب سوى الويلات لهذا الشعب فهي السبب الأساس في انتشار الجماعات الإرهابية التي تعيث في الأرض فسادا وتهلك الحرث والنسل ، على الجميع أن يتحمل المسؤولية التاريخية أمام الشعب الذي عانى وما زال من ويلات الطائفية السياسية فنحن أمام خيار (نكون أو لا نكون) وكينونتنا تكمن في وحدتنا فقط ورغبتنا في أن يعم الخير ربوع هذا الوطن وما عدى ذلك فهو الخراب بعينه وقد قال السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام (من أراد أن يكون لكم سيدا فليكن لكم خادما) .