( إبن الأكرمين )
مما وصل إلينا من أخبار الخليفة المالكي ( رضي الله عنه وعن أعضاء حزبه أجمعين ) أنه بينما كان جالسا في ديوانه ( إلي يقطّر منه التواضع ! ) في دار الخلافة الخضراء … حيث البُسط المفتوكة … والمخاديد المشكوكة … ومجموعة الحواسم المبيوكة … وحوله البطانة المخلصة من وجوه الخير !!! ( والتي أعاد الخليفة العادل دوشمتها في شارع النواب بعد الإحتلال مباشرة وعند أشهر محلات الدوشمة !!! ) … وإذا به يسمع ضجيجا وصراخا من خارج الديوان … وبما أن الخليفة قدس الله سره ( حاله طبق الأصل كحال من اقتدى بهم من سابق الخلفاء !!! ) لا يملك خدما ( وعلى أصح الروايات أنه بلا حشم أيضا !!! )… فنادى باعلى صوته على إبنه الذي سبق وإن نذره للوطن وخدمته ( فجعله يتنقل بين المقاولات والمشاريع والصفقات … من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن … وبس !!! ) … قائلا : ولك حمودي وينك ! … فجاءه حمودي مسرعا وقد بان الوهن على جسده وأحنت الأمانة الثقيلة ظهره !!! ) … وقد نفض يده من شدّات الدولارات التي كان يحسبها ويسلفنها ( لصالح الوطن طبعا ! ) … وخرّ الإبن البار راكعا بين يدي والده وهو يقول : لبيك وسعديك أمير المؤمنين … لماذا كلفت نفسك وناديت عليّ بصوتك الغالي الذي تعاهدنا أن لا تُسرف فيه ليكون وَقفا للعراقيين يزف لهم البشارات ويدخل السرور على قلوبهم !!! … لو رفعت يا سيدي ومولاي رأسك فقط لوجدتني بين يديك … فقال الخليفة مبتسماً : أخجلتم تواضعنا عيني حمودي !!! …والله والله والله ( وانت ممحلفني ) إني لأخشى أن أرفع رأسي من الأرض … فينكشف سري !!! … فهمس حمودي باذن والده : خير مولاي … مسوي مكسورة فد شيء !!! … فقال الخليفة بانزعاج : ولك دنتظر قابل هاي هم بوكه حتى تتسربع عليها !!! … إنما أخشى أن يرى من حولى مُنهمر دموعي التي أذرفها ليلا ونهارا خشية السؤال وأنا سأقف بين يدي من سيسألني عن كل العراقيين … كل العراقيين … فلو أن صالح المطلك عثر في كومة الأنقاض التي جعلته مسؤولا عن متابعتها في مزبلة التاجي مثلا لخشيت الله أن يسألني الله عنه … ولن يغفر الله لي وإن كان المطلك أثولا وقد رضي أن يبيع جماهيره التي انتخبته مقابل أن أبقيه في عمله كعامل نظافة لا أكثر !!! … فبكى الخليفة من شدة الحزن … وبكى حمودي لبكاء الخليفة … وبكت البطانة لبكاء حمودي … وبكى ( الّلكلكية ) لبكاء البطانة … فلا تسمع في الديوان إلا بكاءا وعويلا … بينما غص الواقفون خلف الستائر بالضحك … ينظر بعضهم إلى بعض … وهم يشيدون بالتطور الهائل الذي يشهده المسرح العراقي وفرقه المسرحية الجديدة من حالات الإبداع والتميز بعد الإحتلال ! .
ولما فرغ الجمع من البكاء … مسح حمودي خده ( الجاف أصلاً ! ) وإعتدل وقال : نعم يا أمير المؤمنين علام طلببتني ؟ … فاشتاط المالكي غضبا وقال : شنو ولك … آني آني أطلب منك … منو إنت ؟ … فقال حمودي : مولاي موهسه كلنا عليك خوش آدمي ليش اتخلينا نحجي بالقلم العريض !!! … فتدارك المالكي الأمر مسرعا وقال : ها ها أي … ردت أسألك عن هاي الأصوات العالية خارج الديوان لمن تعود ؟؟؟ … فقال حمودي : إنهم أبناء العامة يا مولاي يريدون الدخول عليك … فقال المالكي : ولماذا لا يدخلون ؟ … وما الذي يمنعهم موحتى حرّاس ماكو !!! … ثكلتك أم إسراء يا حمودي … ألا تعلم أنني عاهدت الله أن لا يقف على بابي من الرعية سائلا … إلا وقد أدخلته وقضيت له حاجته ! … فقال حمودي محرجا : ولكنهم يا أمير المؤمنين من العامة … وليسوا من الرعية … فهز المالكي رأسه وقال : أي ميخالف حمودي … عبّرها هالمرة ! … خلي يدخلون … فقال حمودي : سمعا وطاعة لأمير المؤمنين … ونادى على القوم : أدخلوا يا لا رعاكم الله وقد قطعتم على أمير المؤمنين خلوته … فقاطعه المالكي قائلا : لك دي فوتهم أبو خلوة !!! خلي نخلص هو هاي وكتها !!! … فدخل القوم … وبادرهم المالكي بالترحيب قائلا : أهلا أهلا بالقوم من أي الثغور أنتم ؟!!! … فقالوا : نحن من أبناء ثغور أطراف بغداد يا أمير المؤمنين وقد نالنا الضيم والقهر ! … وبينما يتحدث القوم … خفظ المالكي رأسه وهو يدردم مع نفسه ويقول : أهوووووو … جتي الطلايب !!! … فإستمر القوم بالحديث ( وكأنهم لم يسمعوا شيء ! ) وقالوا : نناشدك الله يا أمير المؤمنين أن تنقذنا من ظلم ولاة أفواجك العسكرية وجورهم … وتأمرهم بالكف عن إعتقال أولادنا وتعذيبهم ومن ثم رميهم جثثا ممزقة في المزابل ومنقطع الطرقات … إنهم يهينوننا يا أمير المؤمنين … ويعتدون علينا ببذيء الألفاظ … ويضربون نساءنا وأطفالنا وشيوخنا … وهم يقولون : خذوها منا ونحن أولاد الأكرمين !!! … قام الخليفة مغاضبا وقد جحضت عيناه وتقطبت حاجباه وتراجفت شفتاه… حتى خشي القوم غضبته !!! … وظنوا أنه غضب منهم لجرأتهم عليه !!! … وأنه لا محالة سيغيبهم في سجونه السرية !!! … فاسرعوا وقالوا : بالله عليك يا أمير المؤمنين لا تردنا بعد هذا الطلب الى المعتقلات خائبين … ومع أولادنا مسجونين مغيبين … ولأهلنا مفارقين وتاركين ! … فقال الخليفة : لا … لا … لا … فانما رققت لحالكم وحزنت لما أصابكم … أمكثوا عندي حتى آتيكم بالمتهمين من ولاة الأفواج العسكرية مقيدين وعلى ركابهم جاثمين … فتهللت الوجوه بالفرح … وهمّ أحد القوم بالنهوض ( مُجوباً !!! ) وعمل هوسة شعبية للخليفة !!! … ولكن جلوس الخليفة وعودته للبكاء من خشية الله ( على أغلب الظنون !!! ) منعه من ذلك ! … وما هي إلا دقائق حتى جيء بولاة الأفواج العسكرية مسحوبين على وجوههم … مقيدين بالسلاسل … تتعالى منهم صرخات طلب الرحمة والغفران من أمير المؤمنين … فقال الخليفة وقد أعرض بوجهه عنهم : ولكم شسويتوا … ثكلتكم أمهاتكم ( إذا كان عدكم أمهات ) … فقال أحد الولاة العسكريين : مولاي … صدك جذب … غير أوامرك ! … وما كاد المجرم المسكين ! أن يكمل كلماته حتى رمت صفعة بخوذته إلى جوار مجموعة ( أراكيل في زاوية الديوان !!! ) … أعدها المالكي كأحد مستلزمات قيام تلك الليلة لوجهه تعالى … وبس !!! .
نهض الخليفة وقد احمرت وجنتاه ( من كثرة المكياج والمساحيق طبعا !!! ) … وقام الحضور لقومته … فقال : ويحكم يا ولاة أمري … أما سمعتم بحديث الصادق المصدوق عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) … ثم أما علمتم أن راوي هذا الحديث هو الإمام مسلم رحمه الله تعالى وقد خرّجه في صحيحه … وهو حديث صحيح لا يقبل الرد … حتى وإن لم يذكره الإمام البخاري في صحيحه … وتركه … والعلة في الترك كما تعلمون أيها المؤمنين في كون الإمام البخاري لم يُخرج في صحيحه لأبي الأشعث شيئا … وهذا كل ما في الأمر !!! … فما بالكم قاتلكم الله وقد أعييتم إخوانكم بكثرة التعذيب والتثقيب !!! … والله لأقطعن أيدي رجال وأرجلهم يعذبون إخوانهم قبل أن يقتلونهم … فليس هذا خلقنا ولا أخلاقنا … ولكن … إذا ما اعتقلتموهم فسارعوا بذبحهم … وأحسنوا الذبحة !!! … ثم إستدار المالكي وأخرج من صندقجة بجواره جهاز مثقب ( دريل ) وقال للقوم : أيها الناس خذو الدريل يرحمكم الله … وعاقبوا أبناء الأكرمين من الولاة المجرمون بمثلما عاقبوكم ! … واثقبوهم بنفس الدريلات التي ثقّبوا بها أولادكم ولم يحسنوا إليهم القتلة !!! … وهنا أحرج القوم ! … وقال بعضهم همسا : إذا كانت هاي نفس الدريلات لعد شجابهه يمّه !!! … وحتى يخرجوا من هذا الموقف المحرج قالوا … يا أمير المؤمنين مو الدريل كهربائي والكهرباء مقطوعة !!! … فقال المالكي … ها … إي والله صدك … ميخالف الجايات أكثر من الرايحات !!! … فتنفس المساكين الصعداء … وكان من المُلفت للنظر في ذلك المشهد الرهيب … الوضع الصعب للسيد صولاغ وهو يجفف عرقه من على جبينه وقد تصور بعد مبادرة الخليفة العادلة في القصاص أنه سيكون أول الهالكين !!! .
أمر المالكي ولاته العسكريين من أمراء الأفواج بالإنصراف … فانطلقوا وهم يتخافتون بخطى واثقة ونفوس مطمئنة ( و قد شاهدوا هذا الفلم أكثر من مرة !!! ) … بينما التفت المالكي إلى القوم وقال : ها … هم كولوا مو خوش آدمي … وجّبناكم لو لا !!! … أخذنالكم حقكم مربع لو لا !!! … جاوبو !!! … فقال أحدهم : والله يا مولاي الخليفة كفّيت ووفّيت … ورفع المساكين من القوم أياديهم يتظاهرون بالدعاء للخليفة المالكي العادل … بينما كانوا يشكرون الله تعالى في صدورهم وقد أخرجهم من هذه المحنة سالمين بريشهم … غانمين حياتهم وقد كتب الله لهم عمرا جديدا !!! … وتسللوا لواذا الواحد تلو الآخر … منسحبين من ديوان الخليفة … وسط هتافات مفضوحة قامت بها البطانة ( الصالحة كلش كلش ) … وقد عملوا حلقة حول الخليفة وهم يهوسون ويقولون : مجرب والله مجرب والعالم تتنومس بي … مجرب والله مجرب والعالم تتنومس بي … بينما كان القوم وهم يغادرون الديوان يسمعون تلك الأصوات … ويدمدمون ويقولون: إي والله مجرب … أي والله مجرب !!! .