23 ديسمبر، 2024 4:47 ص

من لوازم سير الامور على منوالها الصحيح في دوائر وأجهزة الدوله المختلفة وجود هيئات تتولى القيام بمهمة تقييم اداء هذه الدوائر والأجهزة ورصد المخالفات وحالات الفساد الاداري والمالي .. الخ ومن ثم اصدار التوجيهات اللازمة لتجاوز الاخفاقات والتلكؤ الذي يقع في هذه الدائرة او تلك المؤسسة .

ذلك من الامور الضرورية لنجاح عمل دوائرنا كما قلنا , والهيئات الرقابية موجودة ضمن مفاصل الدولة وبين حين وآخر تعرض اجهزة الاعلام مختلف القضايا والحالات التي تكشف عن نشاط ملموس لهذه الهيئات .

ثمة امور لابد من الوقوف عندها في هذا المجال وهي ما نلخصه في النقاط الاتية :-

1 . هناك فرق بين حالتين ،الحاله الاولى تشخيص السلبيات وحالات الفساد من خلال مراقبة سير الاعمال الجارية في الدوائر قبل حصول الضرر في المصلحة العامة او المال العام من خلال تدخل الجهد الرقابي ومنع استمرار المعاملة المؤدية الى النتائج السلبية المتوقعة ومن ثم توجيهها توجيهاً صحيحاً وفق السياقات والضوابط المعمول بها ضمن كل اختصاص . اما الحالة الثانية فهي اكتشاف حصول حالات الفساد والتعدي على المال العام والتجاوز على المصلحة العامة بعد التدقيق على ملفات منجزة لفترات سابقة ،الفرق بين الحالتين ،ان الحالة الأولى فيها تقويم وتوجيه وتصحيح لمسار الدوائر والأفراد العاملين فيها ،دون أن يحصل أي ضرر في المصلحة العامة أو تجاوز على السياقات القانونية بينما الحالة الثانية تستوجب اتخاذ اجراءات قانونية ولجان تحقيق وبحث وتدقيق واخذ ورد ونقاش بين هذه الجهة او تلك لتحديد المقصر بالإضافة الى وقوع الضرر المادي او المعنوي الذي يتطلب جملة من الاجراءات والقرارات لأسترداد ما يكن استرداده . 2 . الموظف او المسئول في أي موقع معين في أجهزة دوائر الدولة هو الاداة العاملة والوسيلة الفاعلة في انجاز الاعمال المطلوبة ،وإذا اخذنا بنظر الاعتبار مقدار ما بذلته الدولة من لحظة جلوسه على مقاعد الدراسة وتأهيله فيما بعد من خلال المعهد او الكلية في الاختصاص الذي يمكنه من مزاولة عمله بالإضافة الى الدورات المختلفة خارج وداخل البلد ثم تأتي تجربة الموظف نفسه خلال سنوات الخدمة التي هي عبارة عن

خبرة متراكمة ليس من السهولة تعويضها عند استبعاده بسبب تقصيره سواء كان مقصود أم غير مقصود . وهذه النقطة لابد ان ينظر اليها باهتمام لأن الاجراءات القانونية عندما تؤدي الى نتائج مؤثرة تحول دون استمرار الموظف بوظيفته يعني فقدان تجربة عملية صرفت عليها أموال طائلة من حساب الدولة في الوقت الذي تتخذ فيه هذه الاجراءات أساساً للمحافظة على المال العام وهذا لايعني التغاضي عن المقصر أو التجاوز عن المسئ في كل حالات التقصير والإساءة , وإنما المطلوب التأني والتريث والسعي نحو التشخيص الدقيق لكل حالة ،والبحث عن أساليب ووسائل تتعامل مع جميع الحالات بواقعية بعيدة عن ما يحصل أحياناً من تهويل وتضخيم سعياً وراء تحقيق نشاط يبرز كفاءة هذه الجهة أو تلك في اكتشاف الفساد والمفسدين. 3 . تطالعنا يومياً عبر وسائل الاعلام لقاءات وتصريحات تتضمن توجيه التهم لهذا الموظف أو ذاك المسئول وبأرقام تذهل عقل المواطن البسيط فضلاً عن المتابع المتخصص مما له أبعاده ونتائجه وانعكاساته على ثقة أفراد المجتمع بكل شرائحه بمؤسسات ودوائر الدولة وإشاعة جو من الشعور العام بغياب النظام والقانون الذي يحكم عمل هذه الدوائر , وهذا الاثر يكبر كلما كان العنوان الوظيفي المشار اليه في القضية المعروضة كبير وبارز ضمن هيكلة نظام الدولة, وما اكثر الحالات التي نشاهدها على شاشات التلفاز وصفحات الصحف اليومية وشبكات الانترنت , هذه الحالة لو اخضعناها للتحليل والمناقشة لوجدناها لا تخدم المصلحة العامة للبلد بل تساهم في تكريس سلوكية اللامبالاة واهتزاز قيم ومبادئ نريد لها ان تنمو في ذهنية ابناءنا وتعزيز قناعة المواطنين بالمعايير السلوكيه من قانون وأعراف وتقاليد , وتشريعات سماوية . وإذا كان لهذه القضايا المعروضة واقع فعلي فان الجهات المعنية من اجهزة رقابية ودوائر قانونية هي صاحبة الرأي والاختصاص في كل قضية او ملف . 4 . لانختلف – مع القارئ الكريم – بأن بعض القضايا قد تثار بسبب حالات التنافر الشخصي بين أطراف معينة فيسعى كل طرف بما أوتي من فطنة وانتباه الى تصيد الأخطاء وتفقد العثرات في خطوات ومسارات الطرف الاخر وإبرازها للآخرين من أجل تسقيطه واثبات عدم أهليته وكفاءته , واقعنا الحالي يمتلأ بهذه الحالات , كم قضية وقضية أثيرت في الاعلام وتداولتها الألسن والمجالس لفترة معينة ثم سكت عنها بعد ان أدت غرضها المقصود في ذهن من أثارها . ولانختلف ايضاً بأن هناك حالات فساد حقيقية كان دافع من تحدث عنها وأشار اليها دافعاً وطنياً نزيها عن الاغراض الاخرى . وهنا لابد من التمييز بين دوافع الاغراض الشخصيه والدوافع

النزيهة من قبل الجهات الاخرى ذات العلاقة لان من شأن التهويل وكثرة التصريحات والاتهامات خلط الاوراق بالشكل الذي ينتج عنه تصور غير واضح لتفاصيل اي قضية تخضع للتحليل والمناقشة . 5 . كثير من القضايا المعلنه في وسائل الاعلام ينشغل بها المجتمع لفترة معينه ثم تطوى صفحتها ويسدل عليها الستار دون ان يعرف المواطنون نتيجة الاجراءات المتخذة من قبل المعنيين بشأنها , والحال ان المواطن وان لم يكن صاحب قرار أصبح بعد العرض الأعلامي للقضية من حقه أن يتساءل عن تلك الاجراءات وعن موقف القانون من القضية المعروضة , لأن كل قضية تطرح من قبل وسائل الاعلام سوف يكون لها صدى في الشارع ومتابعة من قبل شرائح المجتمع وبالتالي فأن المواطن المتابع يبحث عن اجابة لما آلت اليها نتيجة الاجراءات . وهذا ما يجب أن تلتفت اليه وسائل الاعلام بأن تتولى متابعة ما يثار عن طريقها وتقديم صوره متكاملة عن الموضوع ، أما تقديم معلومات مبتورة أو ناقصة فأنه ولاشك يمثل تشويشاً يتعب ذهنية المواطن الباحث عن الحقيقة , وان كان الافضل كما سبقت الاشارة أليه ابتعاد وسائل الاعلام عن اثارة قضايا او ملفات هي من اختصاص الأجهزة والدوائر المعنية في الدولة وهي التي تتبنى تحليل أي قضية واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها وفقا للصيغ القانونية المعمول بها

6. من المؤكد ان العمل الرقابي لاينحصر في جهة معينة وإنما هو من مسؤولية حلقات متعددة حسب مستوى المسؤولية والدور الذي تؤديه هذه الحلقات الرقابية وفي ذلك ضمان لعدم وقوع حالات الفساد بكل انواعه في حال تفعيل دور العنصر الرقابي من خلال التأهيل الكافي والإطلاع على أساليب عمل الدوائر الواقعة ضمن مسؤوليته وإلمام بالسياقات والضوابط القانونية الخاصة بمجال عمله بالشكل الذي يمكنه من التعامل بمهنية مع مختلف القضايا،ومن ثم تزويد مركز القرار بالصورة الواقعية لأي اشكالية أو قضية تقع في هذه الدائرة او تلك المؤسسة. 7. وأخيرا فأن الاصلاح ومتابعة حالات التجاوز على القوانين والنظم ،والمال العام وكل ما من شأنه الاضرار بالمصلحة العامة ،وان كان من واجب الجهات الاختصاص حسب المسؤولية الوظيفية . لكنه في الوقت نفسه واجب كل مواطن غيور تهمه مصلحة بلده. والله الموفق.