18 ديسمبر، 2024 11:58 م

من أجل نهضة تربوية وتعليمية في العراق

من أجل نهضة تربوية وتعليمية في العراق

لا نأتي بجديد عندما نقول أن الإنسان يجب أن يكون وسيلة النهضة وهدفها. وعندما يكون الإنسان كذلك تصبح التربية دون جدال عماد تلك الوسيلة وذلك الهدف. من أجل وفي سبيل ذلك وضعت وشرعت قوانين وأنظمة ومناهج، وأسست وزارات وهيئات وجند الآلاف من الخبراء والتربويين والمعلمين. وحيثما كانت التربية فاضلة ومستقيمة، وحيث كان التعليم واعياً ونافعاً، حيث نهضت وتطورت المجتمعات. وفي هذه المجتمعات حظي القائمون على تربيتها وتعليمها بمنازل محترمة.
ومن الطبيعي أن تكون لطبيعة المجتمعات ومراحل تطورها وظروفها ما ينعكس في فلسفة وأهداف ومناهج وطرائق تربيتها وتعليمها. فما صح ويصح لمجتمعات ما، أو لذات المجتمع في فترات أخرى، قد لا يصح تماماً لمجتمعنا في الوقت الحاضر.
وفي الجانب التربوي في العراق، موضوع حديثنا، تساهم جهات متعددة في زرع ورعاية قيم الإنسان التربوية من سلطة سياسية وتشريعية ووزارية، إضافة إلى الأسرية والمجتمعية بخصوصياتها الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية. وحيث أن العراق، بخصوصياته الكثيرة، يمر بمرحلة انتقالية تسودها فورات وفوضى وحتى تخبط أحياناً، تصبح الموضوعة التربوية فيه أكثر أهمية وحساسية.

ملاحظات في الواقع التربوي والتعليمي الحالي في العراق:

١- ضبابية الفلسفة والسياسة التربوية في العراق والتخبط في تحديد أهدافها المتفاعلة مع الواقع والمستقبل.
٢- يتعلم الجزء الأكبر من تلاميذ المدارس في ظروف غير مناسبة من حيث المناهج أو طرق التعليم أو انظمة التعليم وتقييماتها أو كفاءة المعلمين أو الادارات أو ملاءمة الفصول التعليمية من حيث المساحة وعدد تلاميذ الفصل وغيرها.
٣- التباين الكبير في تنفيذ السياسة التربوية العامة تبعاً للمناطق وظروفها وخصوصياتها وهيئات التعليم ومدارسها.
٤- التسرب غير القليل لآلاف التلاميذ وابتعادهم عن التعليم حتى في فتراته الالزامية.
٥- تدني المحفزات المعنوية والمادية لهيئات التعليم وبالتالي ضعف دوافع عملهم والابداع فيه.
٦- ضعف التنظيم الاداري وتخلف طرق واجراءات العمل الاداري ومحدودية تأثير الاشراف التربوي في الوزارة والمديريات المناطقية العامة.
٧- تدني مستوى الابداع والابتكار والنبوغ التعلمي جراء نمطية وتقليدية أهداف وأساليب التعليم وأدواته وطرق قياس نتائجه، والاقتصار على تخزين المعرفة وعدم انتاج الجديد منها.
٨- انعدام وغياب مشاريع تبني وتنمية المواهب والطاقات المتميزة وتحويلها الى حالات ابداعية خلاقة.
٩- الغياب شبه التام لاختراعات مخرجات التعليم المتميزة وتطبيقاتها العملية.
١٠- ضياع المتفوقين في دراسات تقليدية أو السفر الى الخارج بدلاً من تبني قدراتها وفق ميولها بما يساهم في خلق وانتاج معرفة جديدة.
وازاء هذا الواقع لا بد من جملة خطوات ذهنية وعملية للنهوض بواقع التربية والتعليم، منها:
١- تبني فلسفة وسياسة تربية وتعليم تنطلق من واقع تلك التربية وذلك التعليم، ووفق شعار : من لا يأتي بجديد فليس بجديد على الحياة.
٢- رسم سياسة ووضع تشريعات تربوية وتعليمية ملزمة في فلسفتها وإطارها ومناهجها العامة
تستهدف بناء أجيال تتعلم لتنتج معارف ومهارات وحلولاً للعقبات من أجل نهضة الحياة وتقدمها، ونبذ سياسة التعليم الاختبارية لمدى خزن واستنساخ المعارف والمهارات المنتجة سابقاً.
٣- الاهتمام بتأهيل وتهيأة المعلم أداة التربية والتعليم وراعيها، وأن يتغير دوره من ملقن وموضح الى مدرب ومرشد ودليل الى كيف يتعلم التلاميذ التفكير في المسائل والبحث عن جوانبها والابداع في حلولها. بتعبير آخر: نعلم التلاميذ كيف يتعلموا! يقول المثل الصيني: علمني الصيد بدلاً من أن تصطاد لي سمكة!!
إنها عملية ليست سهلة، لكنها ضرورية لا يجب التماهل في البدء بها أو تجاهلها.
٤- إن ما تقدم يستلزم، بالطبع، مناهج وطرق تدريس مختلفة، تتسم بالوعي والابداع والجرأة!
إنها مناهج النهوض في أهدافها وتداعياتها.
٥- وهكذا سيتطلب الأمر مدارس أخرى في فلسفتها واداراتها وإشرافها وفصولها وأدواتها، في مدخلاتها ومخرجاتها.

أعود فأجمل: إن التربية والتعليم أساس أي بناء وشرط أية نهضة. وهذا لا يتحقق إلا بوعي مستلزماتها وتهيأة أجوائها وعواملها من اهداف ومناهج ومعلمين ومدارس، وأن نتعامل مع زمن التعليم وفق أسبقياته وضروراته دونما ضياع في مواد لا تسمن ولا تغني من جوع، مراعين الظروف والامكانات المتاحة واتجاهات تطور الزمن وخصوصيات قوتنا. فالتربية التي لا تحفز على التعلم ولا تساهم في تنقية العلاقات الانسانية وتنمية الشعور بالكرامة هي ضرب من إضاعة الوقت وتخدير الإنسان، والتعليم الذي لا يساهم في التهيأة للإتيان بجديد هو خسارة كبيرة!