23 ديسمبر، 2024 6:02 ص

من أجل موقف من الانتخابات يقود الى التغيير

من أجل موقف من الانتخابات يقود الى التغيير

أستكملت القوى المتحكمة بالوضع العراقي، وهي قوى الاسلام السياسي الشيعي، وبخنوع وتواطىء حلفاءها من التحالف الكردي والسني، في بناء نموذجها الايراني سواء في الدولة العميقة او يدها الضاربة المتمثلة بالمليشيات.عمليا يعني ذلك شل الدولة العراقية وتغيبها والتي ستبقى أسيرة هذا النموذج الذي يماثل الى حد كبيرالنموذج الايراني واللبناني.
+ أثبتت قوى المحاصصة والتي تشكل البيوتات المالية قاعدتها الاساسية، افتقادها الى منهج وطني يخرج البلد من أزماته المستفحلة، واصبح هذا النظام الذي فرضه الاحتلال الامريكي هو المصدر الاساسي لاعادة إنتاج هذه الازمات. مع الايام يتحول العنف ودعم الفساد والاستبداد والارتباط بالمشاريع الاقليمية وبالذات الايراني، هو النهج الثابت في مسيرة هذه القوى والتي تتعامل مع الوطنية باعتبارها عملة فاسدة. ليس هناك من مؤشرات للتخلي عن هذا النهج، بل وعلى العكس من ذلك تجدها، تندفع بكل استهتار في مواصلة استخدام العنف والقمع وتسويات داخل حصونها المحاصصية والطائفية. حتى أكثر الاطراف التي تعتقد انها تمتلك شىء من العقلانية، فأن تفكيرها لا يتجاوز حدود وجود معارضة شكلية، متواطئة معها ومفصلة على مقاييسها. أن الطغمة المهيمنة والحاكمة بكل تلاوينها وبسبب عوامل عديدة طبقية وسياسية وايديولجية واخلاقية وسيكولوجية وغيرها مما هو معروف، عاجزة والى الابد عن أجراء انعطاف في وضع البلد حتى وأن ذهب الى الجحيم. هي كانت خير وريث في منظومة التفكير والممارسة لنظام البعث الساقط.
+ تشكل الانتخابات القادمة والموقف منها، سواء المبكرة أو الطبيعية، مفصل هام واساسي في بناء جبهة المعارضة الشعبية لهذا النظام، والعمل على شل يداه واسقاطه لاحقاً. أن هذه الموضوعة التي تشغل أو من المفترض أن تشغل، حيزاً اساسياً وهاماً في موضوعات وحوارات القوى الخيرة المعارضة بصدق ووطنية لهذا الوحش الجاثم على أنفاس العراقيين مستثنيا بذلك درازين الاحزاب والتشكيلات الشكلية التي تقوم قوى المحاصصة بانتاجها، لاسباب عدة منها انتخابية أو تلك التي تسعى لتحسين مواقعها في نظام المحاصصة، ولاسباب عدة أو تلك التي لا تمتلك سوى الحقد على شعبنا العراقي. بقدر ما سيكون الموقف من الانتخابات سليماً وقريباً من وقع الشارع ومطاليب الناس والانتفاضة، بقدر ما سيكون رافعة هامة لتطوير قاعدة النضال اللاحق ضد هذا النظام وتوسيعها. في الوقت نفسه سيكون الامر معاكساً في حالة الافتقاد الى موقف وتصور مشترك، وربما من شأنه أن يكون عامل تفريق وتشتيت وتضييق أمكانيات تصعيد النضال اللاحق. أن المسؤولية العالية في التعامل مع هذا الامر وهذا الموقف، تكتسب اليوم أهمية فائقة لما لها من أنعكاسات لاحقة على مجمل الوضع العراقي.
ترتسم الان بتقديري ثلاثة مواقف أو ملامح لهذه المواقف في تحديد الموقف من الانتخابات القادمة. هي ليست جديدة، أقلها خلال العشر السنوات الاخيرة، لكن تأرجحها بين الصعود والهبوط يرتبط بواقع الحال وتطور الاحداث في البلد.
الاول: يتجسد بالمقاطعة العامة للانتخابات والعملية السياسية، باعتبارها نتاج الاحتلال الامريكي ويدين القوى التي ساهمت فيها. يعتقد هذا الرأي بعدم فاعلية الانتخابات والياتها وفسادها، لاجراء انعطاف في الوضع القائم وخاصة بعد خيبة العراقيين من هذا الطريق، واتساع مقاطعتهم لها كما في الانتخابات الاخيرة. بقى هذا الموقف ثابت الى حد ما خلال الفترات المنصرمة.
الثاني: يعتقد بامكانية أجراء تغييرات في واقع الحال وفي مجمل العملية السياسية من خلال اليات العملية السياسية والتي ابرزها هي الانتخابات. يواجه هذا الموقف والذي تتبناه طائفة واسعة من قوى اليسار والمدنية والديمقراطية، ازمة حادة بسبب يمكن اختصاره ب ( أن حسابات الحقل لا ولن يتطابق مع حساب البيدر). زاد في تشظي هذا الرأي وخلخلته هو أنفجار الانتفاضة التشرينية والتي لم تكن متوقعة وصمودهها وقدرتها الكفاحية العالية وغير المسبوقة، بما فيها أقتحام الموت وأمكانيتها على التواصل رغم التراجعات الاخيرة فيها. مقابل ذلك عنف واستهتار القوى المتحكمة ومليشياتها ولا وطنيتها وتحالف وتواطىء أوساط السلطات الثلاثة معها ودفع البلد الى هاوية الجحيم.
يبدو هذا الموقف من الانتخابات، يشهد صراعاً صداه يتصاعد، وخاصة في ظل عقم هذا النهج أو محدودية نتائجه في أفضل الاحوال منذ 2003 ولحد الان. يبدو أن الرؤوس أو الاطراف المتحكمة في هذا النهج بدلاً من أن تتجه أو تندفع في حوار مسؤول في جدوى أستمرار التبني لهذه الوجهة، فانها تسعى لاحقا لفرضه كأمر واقع. هذا ما يبدو من طبيعة حركتها وتصريحاتها ووجهتها في البحث عن تحالفاتها القادمة والبحث عن غطاء مسبق لفشلها اللاحق. تطرح معظم هذه القوى شروط سليمة وصحيحة من أجل تأمين انتخابات نزيهة ومعقولة، تقود الى أن تكون الانتخابات ونتائجها، اداة للتغيير الفعلي وسبق أن طرحت في السنوات السابقة جزء من هذه المستلزمات والشروط، ولكن واقع الحال لم تلتزم بها واندفعت باتجاه أخر مغاير وهو المشاركة اللامشرطة في الانتخابات السابقة ولم تحصد ما تحسد عليه.
الى اي حد سيربط هذا الرأي مشاركته في الانتخابات بالالتزام بشروطه السليمة أو بقدر منها لانتخابات نزيهة ؟ الى اى مقدار سيصمد أو يواجه قوى الميليشيات والقوى المتحكمة في بلورة قراره المستقل والذي يتعارض مع تصوراتها بمعارضة معلبة؟.
الى اي حد سيسهم هذا الموقف في تعزيز الثقة به جماهيريا ويكسبه مكانة أكبر ويعزز من وحدته، أم سيتحول الى معول أخر لهدم الكثير من اساساته وعامل أختناق وعزلة، وبما يشدد من ازمته الداخلية التي تستفحل يوماً بعد أخر. العديد من الاسئلة المفتوحة التي تتنظر إجابات، سيكون المستقبل كفيل بتصويبها وبتصويب تنظيراتها.
قد تتراجع بعض أطراف هذه الجبهة عن موقفها في المشاركة في الانتخابات تحت ضغوط قواعدها والشارع، لكنه سيكون تراجعاً في الوقت الضائع والاخير وعند اقتراب موعد الانتخابات، بحيث لن يكون له معناً مؤثراً، أو فعلاً نضالياً في الشارع بما يزعج القوى المتحكمة ولن يكون ذلك سوى العمل تحت شعار كفى الله المؤمنين شر القتال.
الثالث: يمكن صياغته تحت شعار ( لا مشاركة في أنتخابات لا تقود الى التغيير). هذا الرأى له صدى واسع وخاصة بين العراقيين الذين تترسخ خيبتهم في النظام القائم منذ 2003. أولئك الذين جربوا فساد الانتخابات وعدوانية الميليشيات والدولة العميقة والاجراءات المتخذة ضدهم. هذا الصوت ارتفع بعد أن عززت الانتفاضة وتحدياتها البطولية، الثقة بالقدرات الحية لاوساط واسعة من العراقيين. وهو يمثل قوى واسعة وعريضة يجمعها هاجس التغيير وهو بحاجة الى حوارات مثمرة وإجراءات عملية من أجل تطوير موقفه، والتصدي لقوى التخريب والتهديد وهمجية المتصدين له. أنها المطالبة بشروط إجراء أنتخابات نزيهة بالشروط المعلنة والمعروفة وضمان سلامة المرشحين والمُنتخَبين من بطش وعدوانية وأغراءات قوى الفساد والمحاصصة قبل وبعد الانتخابات. لاتبدو لحد الان اية مؤشرات او خطوات جادة من قبل السلطات الثلاثة وبالذات البرلمان لدفع الامور بالاتجاه السليم ونحو انتخابات نزيهة وعادلة، بل على العكس من ذلك، تتوارد الاخبار عن التهديدات والانسحابات للذين يتوجهون للترشيح، بعيدا عن القوى المهيمنة.
أن هذا الرأي، لا يرتبط بالدعوة السلبية لمقاطعة الانتخابات والتزام الصمت، بل على العكس من ذلك، هي دعوة لتصعيد الكفاح اليومي وتفعيل وتطوير الاحتجاجات ومواصلتها وفضح نهج وعدوانية القوى المهيمنة. هي نضال يومي من أجل أن تكون الانتخابات أحد الوسائل الفعالة والمقنعة للتغيير وفي انتاج نظام وطني يضع مصالح الشعب في مقدمة أولياته.
أن هذا الراي أو هذه الجبهة بتقديري من الممكن أن تكون اساس لمعارضة وطنية واسعة، فيما لوتم التعامل معها أو تعامل أطرافها فيما بينها بحيوية ومسوؤلية، والسعي لتطويرها وتطوير أساليب عملها. أن اشد ما يقلق قوى المحاصصة والفساد هو تجمع قوى العراقيين على اساس سليم جوهرها النضال الفعال وغير المٍتواني ضدها. أن هذا النضال لن يكون في جوهره بتقديري، سوى نضال وطني وديمقراطي على المدى القريب. لقد خَبر العراقيون نظم التمييزوالتفريق والاستبداد بكل اشكالها، ولم يجنوا سوى الخراب، ويخطىء كما أعتقد من يتصور ان القوى المهيمنة ستكون سعيدة بمقاطعة الانتخابات، وتعتبر نفسها منتصرة كما يبدو في ظاهر الامر. أن الامرعلى العكس من ذلك تماماً، فهي تدرك أن هذا الامر سيشدد من عزلتها وغرقها في مستنقع فسادها ودمويتها، وافتقادها لمشروع واقعي ينقذ البلد، ويفتح افاق لتفجير ازمتها المستفحلة ويضعها يوم بعد آخر في مواجهة شعب لن يمل أو يكل الى أن يغرقها في مستنقع فسادها واجرامها. مهما كانوا متجبرين فان مصير النظام الساقط في 2003 بكل عدوانيته وجبروته وأكاذيبه وتحايله وغيرها، من مما هو معروف من وجوهه البشعة، يبقى ماثل أمامهم.

27-12-2020