18 ديسمبر، 2024 4:00 م

من أجل سوريا وحدها – 3- الرسالة أطلسية

من أجل سوريا وحدها – 3- الرسالة أطلسية

اتخذت أطراف عراقية وسورية تجاه الأزمة في سوريا مواقف منافقة تبطن عكس ما تعلن ، وتبنّت خطاباً مبتذلاً ظاهره معني بحقوق الشعوب وحريتها وباطنه يسترضي وليّ النعم الذي أغدق عليها مبالغ تُقدّر بثلاثمائة مليار دولار بحسب ما اعترف به لاحقاً الوزير القطري السابق حمد بن جاسم ، ويمكن للمتابع أن يرصد على الأقل خمسة من هذه الأطراف: أولا – طرف يدعو منذ العام 2003 إلى مقاومة الإحتلال الأميركي للعراق في الوقت الذي هلل فيه للعدوان على ليبيا واختلق االتبريرات لتواطئه في المؤامرة الأطلسية – الإسرائيلية وفيها بعض العرب ضد سوريا ، فكان حلف الأطلسي في أدبياتهم شيطاناً على أرض العراق و ملاكاً محرراً في ليبيا وسوريا ، متعامين عن الفارق الكبير بين إسقاط نظام بثورة الشعب وبقراره وحده ، وتصفية نظام بقوات احتلال أجنبي تواطأ معها عملاء من أبناء البلد .
ثانيا – كشف موقف أطراف السلطة العراقية من الأزمة السورية ضياع استقلال القرار السياسي العراقي ، فالإسلام السياسي الشيعي اتخذ موقفاً مؤيداً لسوريا ليس من باب العداء للغرب ولا انتصاراً لشعب مسلم وإنما تبعيةً لإيران التي تصطف الى جانب سوريا دفاعاً عن مصالحها القومية ، وبالمقابل اتخذ الإسلام السياسي السنّي ومعه علمانيو السلطة موقفاً معادياً لسوريا بحم تبعيتهم للحلف الأميركي – الإخواني .
ثالثا – كشفت الشخصيات السورية المتواطئة مع حلف الأطلسي ضد بلدها حقيقة حجمها السياسي وانتمائها الوطني ، فبعضها فقد منذ زمن طويل رصيده الأخلاقي لدى الشعب السوري ويصطدم مستقبله السياسي بماضيه الأسود الحافل بالفساد وبالخيانة الوطنية ( عبد الحليم خدام – رفعت الأسد ) ؛ وبعضها صنيعة قديمة للإستعمار البريطاني وقد دخل معارضة النظام من باب الإغتيال الطائفي وبالقتل الجماعي لمواطنيه بالسيارات المفخخة ( الإخوان المسلمون ) ، وبعضها كان محسوباً على اليسار التقدمي لكنه بغواية المال الخليجي وبأحلام الوصول إلى السلطة ارتمى تحت أقدام اليمين الأميركي المحافظ وراح يجاهر باستعداده للتفاوض مع اسرائيل ( برهان غليون – جورج صبرا – كمال اللبواني ) ، وبعضها مجموعة مرتزقة همها الوحيد جمع أكبر ما يمكن من المال ( الجيش السوري الحر ) ، وواحد منها ( رضوان زيادة ) مطلوب للعدالة السورية منذ سنوات بعد ثبوت تخابره مع السفارة الاسرائيلية في واشنطن ! رابعا – لم يقدّم الإعلام المعادي لسوريا – برغم امكانياته الضخمة – شواهد موثوقة تسند دعاوى المعارضة السورية ومصداقيتها ، فالشرائط التلفزيونية التي تبثها القنوات الخليجية فاضحة بتلفيقاتها وذلك بشهادة إعلاميين مرموقين من وزن الصحفي روبرت فيسك ، ومصادر معلوماتها جميعها مجهولة فهي إما نقلاً عن ناشطين لا يعرف أحد هويتهم ، أو عن جهة غامضة تسمّي نفسها بهيئة تنسيق الثورة ، أو صادرة عن هارب يعمل للأجهزة الأمنية البريطانية تحت عنوان المرصد السوري لحقوق الانسان و تقاريره هي للفكاهة أقرب بسبب ضخامة كذبها .
خامسا – إن المعارضة السورية الخارجية بحكم تبعيتها لدول حلف الأطلسي – وتركيا واحدة من دوله – تصطف عن وعي الى جانب اسرائيل ، وقد أعلن أحد رموزها وهو كمال اللبواني أن سوريا الجديدة التي يظن أنه وأمثاله سيحكمونها ستعترف باسرائيل وستحل مشاكلها معها عبر التفاوض حتى لو كانت هضبة الجولان هي الثمن !! والحاصل من ذلك كله أن النظام السوري – برغم سلبياته الفادحة و خطاياه الثقيلة – فإنه خرج من غبار الأزمة بوجه أبيض مع هكذا معارضة ، وإذا حقق ما يعلنه عن نواياه في الإصلاح الشامل فإنه بلا شك سيكسب هامشاً عريضاً من المصداقية الشعبية ومن الشرعية الوطنية ستمنحانه القدرة على الصمود في وجه المؤامرة الكونية عليه و تعرية معارضيه الخارجيين تماماً من أي رصيد شعبي ، فمعارضة بمثل هذه الرموز لا تتعلق قضيتها بفساد تريد أن تحاربه ، ولا بتعددية سياسية تطالب بها ، ولا بديمقراطية تحارب من أجلها ، ولا بوطن تذود عن مصالحه ، ولا بإصلاحات تريد تطبيقها ، ولا بشعب مقهور تريد أن تأخذ بيده نحو حياة أفضل ، فهي بتاريخها وبممارساتها وبفكرها وبارتباطاتها الخارجية ليست إلا تشكيلات صنعها حلف الأطلسي وعملاؤه من العرب ويقومون بتمويلها وتسليحها حتى تسلمهم بلا شروط الموقع السوري الحاكم على الزاوية الشمالية للبحر الأبيض المتوسط وهو أيضاً قلب المشرق العربي ، وتنفذ مخططاتهم بإشعال حرب أهلية وطائفية تنهك سوريا وتفتتها ، ثم تفتح الباب على مصراعيه لإقامة نظام تابع يرهن ثروات سوريا وخاصة النفط والغاز للغرب ولشركاته متعددة الجنسية ، ومستعد للإنبطاح أمام اسرائيل مستسلماً لكل مطالبها .