18 ديسمبر، 2024 7:04 م

من أجل سوريا وحدها – 2 – الوحي عبري

من أجل سوريا وحدها – 2 – الوحي عبري

لست أظن أن عاقلاً يصدّق حكاية الدفاع عن الحرية والديمقراطية التي تتلطى وراءها دول التعاون الخليجي لتبرير تواطئها مع حلف الأطلسي من أجل ترتيب أوضاع جديدة في المنطقة العربية ، فسجل دول الخليج العربي في مجال الحريات و حقوق الإنسان – باستثناء الكويت – يغني عن التعليق ، فدولة قطر تسجن مواطناً لأنه نظم قصيدة شعر شعبي ناقدة للنظام وسجون دولة الإمارات تستضيف عشرات المعتقلين السياسيين ، ومازال دوي الرصاص يلعلع في مدن البحرين وفي مدن شرق السعودية حاصداً أرواح المعارضين المطالبين بالمساواة وبحرية الرأي ؛ لكن دولة قطر على وجه الخصوص وبالتحالف مع تركيا التي يحكمها الإخوان المسلمون ، باتت أداة الغرب الرئيسة في سعيه لاستغلال تآكل بعض الأنظمة العربية و النقمة الشعبية على حكامها لإسقاطها و بالتالي تسليم السلطة للإسلام السياسي ، فكانت البداية في تونس التي يخوض رئيسها اليوم معركة مصيرية لإجهاض مخطط حزب النهضة الإخواني للإستيلاء على السلطة ، ثم كان الدورعلى مصر التي أسقط شعبها سلطة الإخوان قبل انقضاء سنة على قيامها ، ثم وصلت خيوط المؤامرة إلى سوريا بالتزامن مع امتدادها إلى ليبيا التي تسلّم الإسلاميون السلطة فيها على طبق غربي طافح بالدم ، ولحقتهما المغرب حيث فضّل ملكها اختصار المعاناة وتكليف حزب العدالة والتنمية الإخواني بتشكيل الحكومة وبالطبع لم يتأخر هذا الحزب عن إقامة علاقات كاملة مع اسرائيل ، لتنتهي السلسلة بموريتانيا التي أغوى المال القطري حكومتها السابقة للإعتراف باسرائيل . منذ عقود وقبل نجاح إدارة ترامب مستخدمة سياسة العصا و الجزرة في فرض اتفاق ” أبراهام ” لتطبيع العلاقات بين اسرائيل و بعض الأنظمة العربية ، كان الغرب يعرض مشروعاً تلو آخر لثني العرب عن الإلتزام بمطالب واقعهم القومي والإرتماء بشبكة مصالحه ، كان أولها مشروع ” الفرانكوفونية ” ، وثانيها مشروع ” الشراكة عبر المتوسط ” ، ثم مشروع “الشرق الأوسط الجديد” والتي كان هدفها جميعها دمج اسرائيل بالمنطقة العربية ؛ وبرغم ضغوط أوروبا والولايات المتحدة فإن أياً من تلك المشاريع لم يثمر ، غير أن الحال قد تغير في الدول التي وصل فيها الإسلاميون الى السلطة بصفقة فيها التعايش مع اسرائيل وإخضاع اقتصاد بلادهم لقوانين العولمة ؛ ووقتها رفضت سوريا وقبلها العراق – في عهد النظام الوطني – تلك المشاريع الإستعمارية فكانت ذلك الرفض واحداً من أسباب تصفية النظام الوطني العراقي تبعتها محاولة إسقاط النظام الوطني السوري بمؤامرات اتخذت أشكالاً متعددة :
ـــ تسليح الفصائل الإسلامية من مصادر تركية واسرائيلية التي زادت بتقديم الدعم اللوجستي لعناصرها و معالجة جرحاها في مستشفياتها بل وقيام رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو بتفقدهم
ـــ التغاضي عن السجل الدامي لقيادات الإرهاب الإخواني أمثال رياض الشقفة ونائبه زهير سالم المسؤولان منذ ثمانينات القرن الماضي عن جرائم القتل الطائفي وتفجير السيارات المفخخة في أحياء سوريا السكنية وأسواقها .
ـــ محاولة تمزيق الجيش السوري بشراء ذمم ضعاف النفوس فيه وقد اعترف أعداء سوريا قبل أصدقائها بفشلهم الذريع في اكتساب عناصر ذات قيمة من القوات المسلحة السورية . والمستهدف من ذلك كله هو سوريا الدولة وكيانها ووحدتها والراية العربية المرفوعة فيها ، لكن سوريا صمدت وردعت ثم هي اليوم تتقدم بثبات نحو تصفية معاقل التآمر على أرضها ، وإلى جانب حلفائها العرب والإقليميين و الدوليين فإن عوامل عدة دعمت موقف الدولة السورية من بينها :
1- هي دولة بلا ديون خارجية تثقل كاهلها وترتهن إرادتها ، والمطلوب تدميرها وربطها بقيود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وبشبكة العولمة الاقتصادية . 2- هي دولة تملك اكتفاء ذاتياً غذائياً شبه كامل ، والمطلوب تكبيلها باقتصاد الشراكة الشرق أوسطية – الغربية . 3- تمتلك سوريا ترسانة عسكرية لها وزنها ، فقوام جيشها نصف مليون جندي ، وأسطول مدرع تعداده ستة آلاف دبابة ومصانع حربية تنتج نصف احتياجات قواتها المسلحة ، ولديها قوة صاروخية تتضمن ألف رأس حربي غير تقليدي، والمطلوب تكرار ما حصل في العراق وتجريد سوريا من درعها وسيفها حتى يخفت صوتها العروبي و يبقى قرارها وقبلهما ثروتها المعدنية من نفط وغاز مرتهنة لدى وكلاء حلف الأطلسي في الشرق الأوسط : تركيا واسرائيل وقطر .