ليس من السهل فهم ظاهرة نشوء وتمدد داعش في مناطق شاسعة بين العراق وسوريا من غير وجود دراسات سياسية واجتماعية واقتصادية تحلل تلك الظاهرة من جوانب مختلفة لفهم أسبابها وتداعياتها. فبالرغم من قسوة داعش التي أستنكرتها القاعدة نفسها نجد هناك قبول اجتماعي لأفكارها في أماكن عديدة ومن شرائح اجتماعية واسعة في العالم الإسلامي مما يدل على وجود أزمة فكرية حقيقية سمحت لفكر التطرف بالنشوء والإرتقاء والذي تصدر المشهد السياسي العالمي. فنحن مانزال في البداية بعد إعلان أبو بكر البغدادي خلافته الإسلامية المزعومة وسنشهد مستقبلا ً الوفود والدعم والمبايعة من كل جهات الأرض من قبل المهمشين والمستفيدين والساخطين والحالمين الذين يريدون العودة للماضي.
لابد من الإشارة إلى مجموعة من الحقائق لامناص من ذكرها. أولى تلك الحقائق هي وجود داعش في المنطقة المحصورة بين سوريا والعراق. فبعد إنكار طويل لوجود داعش من قبل قوى سياسية عراقية وإقليمية وكتاب ومثقفين ورجال دين هاهي داعش تطل علينا برأسها وبكل قوة بأعلامها السوداء وتصرفاتها وسلوكاها الموثق صوريا ً بالرغم من تحالف قوى كثيرة معها ساخطة على الحكم في بغداد والتي تزعم بأن لاوجود لداعش من غير أن تقدم أي دليل صوري على وجودها الفعلي منفردا ً عن داعش. من الملاحظ أن هناك فعلا ً قوى كثيرة ولكن لاقتال إلا تحت راية داعش في تحالف تكتيكي وليس إستراتيجي بين تلك القوى من بعض العشائر وبعثيين قدامى ومجاميع دينية إسلامية وصوفية وغيرها مع داعش. فتلك القوى, وإن كان لها حقوق ومظالم فإنها تخطئ خطئا ً تاريخيا ً سيجعلها تحمل وزر داعش وكل الموبقات التي اقترفتها بحق الشعب العراقي من تفجيرات وقتل مدنيين وتهجير وقتل على الهوية وإعدامات جماعية وسوف لن يكون التاريخ متسامحا ً مع كل تلك القوى ولن تزيل كل منظفات ومساحيق الأرض لوثة داعش في ذلك التحالف المشؤوم والذي يشبه في ظروفه وحيثياته وربما نتائجه تحالف القوى الثورية والجيش الحر في سوريا مع القاعدة في بادئ الأمر حينما كانوا فرحين بقتال مجموعة مدربة من مقاتلين أجانب بصفهم تحت مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
الحقيقة الثانية أن داعش ليست صناعة إيرانية كما ساد هذا الخطاب الذي نراه اليوم خافتا ً قد تلاشى بعدما كان متصدرا ً عناوين الكثير من الكتاب والمثقفين والمحللين السياسيين, فليس معقولا ً تحالف كل تلك القوى اليوم مع حليف من صناعة إيرانية. أن هذا الإستنتاج الخاطئ يولد شعور بأن العقل العربي مازال يبني مواقفه على الإشاعة والخبر الصحفي أما مفكريه وكتابه فمؤدلجين حد القبول بأنصاف الحقائق لخلق حقائق جديدة تفرض على هذا العقل المترهل. الحقيقة الثالثة أن داعش تتمدد ليس بقوتها ولكن بوجود ظروف موضوعية منها عجز منظومة الدفاع الأقليمية وإنعدام أي رؤية للتنمية في ظروف اقتصادية خانقة, وجود حواضن إجتماعية هيئها خطاب الهوية السنية بصفته المحلية والذي تقوده دول إقليمية كتركيا وإخوان مصر وقطر من جهة والسعودية من جهة أخرى, تنامي وتطور الفكر السلفي المتشدد المبني على السخط من كل ماهو أمريكي تحت صفة الإستعمار وشيعي تحت مسمى الرافضة والصفوية المتمثلة بإيران وطموحاتها وحلفائها في المنطقة والذي وحد الكثير من الفصائل الجهادية تحت راية داعش بعد هزيمة النصرة مؤخرا ً في سوريا وتنكر داعش للقوى المتحالفة معها في العراق بعد إعلان الخلافة الغير متفق عليها بين داعش وأخواتها في العراق. الحقيقة الرابعة أن داعش لاصاحب لها فهي مجموعة جهادية
لها اجندات إقليمية عابرة للحدود وربما القارات حسب آخر خريطة لداعش والذي يجعل من داعش خير ممثل لفكرة الأمة مقابل فكرة الوطن بحدود وعلاقات دولية. والغريب أن كل من حاول إستغلال داعش كالجيش الحر في سوريا أو مايسمى بثوار العراق وقع تحت رحمة داعش, بل إن الذي يبدو أن داعش تتلاعب بالجميع لوضوح رؤيتها وأفق حدودها بإقامة دولة الخلافة. الحقيقة الخامسة أن داعش وبعد إعلان الخلافة لم ولن تعترف بكل القوانين والمواثيق والاعراف الدولية مما يجعلها غير مقبولة إقليميا ودوليا ً ومصدر قلق وخطر اقليمي ودولي مستمرين لطموحها وتبنيها اجندات لها جذور تاريخية تذكي العلاقة المتوترة مابين الغرب والعالم الإسلامي وكل ماهو طائفي من جهة أخرى.
أن وجود داعش بصيغتها الإقليمية وطموحها الدولي العابر للقارات يجعل منها تهديدا ً خطيرا ً ليس لأمن العراق فحسب بل لكل المنظومة الأقليمية والدولية مما يتطلب معالجات على مستوى دولي وليس محلي فقط كما يحصل الآن على يد الجيش العراقي والميليشيات المنضوية تحت أمرته. لهذا السبب, قتال داعش ليس مهمة عراقية فحسب بل هي مهمة دولية تحتاج لتحالف دولي شبيه بتحالف الحلفاء في الحرب العالمية الاولى والثانية وحلف الاربع وثلاثين دولة لتحرير الكويت في حرب الخليج الثانية. على المجتمع الدولي خلق مناخ سياسي دولي وأقليمي ليس لمساعدة العراق في حربه ضد داعش فحسب بل للقتال والقيادة معه من قبل حلف الناتو ودول أخرى كالصين وروسيا. أن حلف القوى الوطنية العراقية بمختلف أطيافها المحلية لايحل مشكلة وجود داعش في المنطقة بعد قبول فكر داعش من قبل شرائح كبيرة في المجتمعات الإسلامية فقتال داعش من قبل الجيش العراقي سيحول المسئلة لقتال شيعي سني والذي سيجلب الكثير من المقاتلين من قبل الطرفين إذا ما طال أمد الحرب لفترة طويلة.
على الحكومة العراقية تدويل قضية داعش كي لايتحول الموضوع إلى موضوع طائفي من جهة ومن جهة أخرى لابد لغير العراق من قوى إقليمية وعالمية تحمل تكلفة قتال داعش المادية والبشرية. أن وجود تحالف دولي لقتال داعش سيفك العلاقة بينها وبين القوى المتحالفة معها مما يعزل ويسهل القضاء على داعش ليس وجوديا ً فحسب بل فكريا ً أيضا ً. ولو فرضنا أن الجيش العراقي تم له طرد داعش من كل جزء من أرض العراق, فهل سينتهي داعش فعلا ً إذا مافهمنا بان هناك قوى تحالفت معه وأنه موجود في سوريا ً مستولياً على آبار للنفط تنتج 75 الف برميل يوميا ً ومباركة من مكونات تشعر بالظلم والسخط في المجتمعات الإسلامية ووجود دعم من قبل دول بصفة غير رسمية لهذا الكيان. بالتأكيد سوف لن ينتهي داعش فكرا ً ووجودا ً ولهذا السبب على الحكومة العراقية اشراك اطراف اقليمية وعالمية كالولايات المتحدة الأمريكية لقيادة حلف يشمل الناتو وبتعاون صيني روسي ليس بصفة المساعد للعراقيين بإستعادة أراضيهم بل تحت مسمى حلف دولي لقتال داعش كما حدث في أفغانستان ليسهل القضاء على تلك المجاميع الخارجة عن القانون وكل الأعراف الدولية وكل المبادئ الأخلاقية والشرائع السماوية.