23 ديسمبر، 2024 5:35 ص

من أجل العراق لا من أجلك

من أجل العراق لا من أجلك

قال مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان العراقي ان بامكان الاقليم وقف تصدير النفط العراقي الى الخارج عبر الاقليم , وانه قادر على قطع الماء الجاري من الشمال نحو الجنوب , وأضاف ان جيش الاقليم اقوى من جيش العراق , وان الاقليم اقوى من العراق اقتصادياً وعسكرياً .
ان السبب وراء هذا التصريح البرزاني الخطير هو وجود خلاف بين حكومة المركز برئاسة نوري المالكي وحكومة الاقليم برئاسة مسعود البرزاني حول حصة الاقليم من ميزانية العراق , اي ان الخلاف هو عبارة عن تباين في وجهات النظر بشأن مسألة عراقية داخلية , وهو أمر يحدث في معظم الدول الفديرالية , لكن تصريح مسعود الاخير المشار اليه اعلاه خرج عن اطاره العراقي وصار اقرب الى مهاترات بين دولتين وليس بين طرفين في دولة واحدة , والا فما معنى قوله ان جيش الاقليم قادر على مواجهة الجيش العراقي وان اقليم كردستان اقوى من العراق اقتصاديًا وعسكرياً ؟
هذا الخلاف وهذا التصريح وهذه الحالة التي يمر بها العراق اليوم تشكل تهديداً جدياً لكيان العراق الموحد , مما يتطلب من الجميع الاعتراف بالواقع المر وعدم تغطية السلبيات المخزية برداء ممزق لا يستر ما تحته .
هناك ثلاث حقائق دامغة يجب على الجميع ادراكها بصورة جدية وعدم التغاضي عنها لأي سبب من الاسباب وهي :-
1-    ان كل ما ذكره رئيس الاقليم في تصريحه الخطير .. هو صحيح .. بغض النظر عما اذا كان محقاً في كشفه  بالصيغة التي جاء بها وفي هذا الوقت بالذات ام لا .
2-    ان المسؤول الاول عن الحالة التي ادت الى هذا المأزق بين المركز والاقليم هو نوري المالكي الذي قال عن نفسه من تلفزيون العراق انه المسؤول التنفيذي الاول في العراق , وهواعتراف له تبعيات ومسؤوليات .
3-    ان السبيل الوحيد لأنقاذ العراق بما فيه اقليم كردستان من الحالة المزرية التي تجتاحه الآن هو اعتراف نوري المالكي بفشله في قيادة العراق خلال الثمان سنين الماضية وسحب ترشيحه للانتخابات  , على ان يشرف بنفسه على انتخابات تشريعية  نزيهة
يسلم في نهايتها السلطة الى من يختاره الشعب , وهذا سيجعل العراقيين يفتخرون به ويستعينون به في المستقبل  عند الحاجة ( لا سمح الله ) . 

في البدء كان هناك تحالف شيعي – كردي قوي وقف بوجه كل محاولة لوضع المسيرة السياسية العراقية على المسار الديمقراطي الصحيح . كان نوري المالكي الحديث العهد برئاسة الوزارة يعمل على تقوية مركزه , فاستغل مسعود ذلك التوجه وحصل على مكاسب اكثر مما يستحق دستورياً , واخذ يتصرف وكأنه رئيس دولة داخل دولة , خصوصاً في مجال النفط , من حيث التنقيب والتعاقد مع الشركات الاجنبية والتصدير..الخ هذا بالاضافة الى المطالب المتنامية لزيادة التخصيصات المالية كدفع رواتب البشمركة الذين لا يأتمرون بامر الحكومة وانما بامره شخصياً .
التحالف الشيعي الكردي الذي تم تحت رعاية امريكية و ايرانية جعل مسعود ينظر الى المستقبل بمنظار انفصالي ويسعى ليس فقط  الى زيادة حصة الاقليم المالية بل المطالبة بحدود اوسع للاقليم . سكوت المالكي على مطالب حلفائه في الاقليم جاء من خشيته ان يصيبه ما اصاب سلفه الجعفري فيفقد منصبه , هذا التخاذل المالكي ازاء مطالب مسعود ادى الى ظهور مصطلحات خطيرة ما كان لها ان تظهر لولا سكوت المالكي مثل ( المناطق النتنازع عليها ) .
لقد ادى تحالف المالكي القوي مع مسعود , ورضا الامريكان والايرانيين على سلوكه المناويء لاتجاهات القوى العراقية الاخرى خصوصاً العرب السنة الى شعور زائف بالتفوق نتج عنه خوف انتاب حلفائه من قادة الحزبين الكرديين خصوصاً بعد انسحاب قوات الاحتلال الامريكية وتمكنه من اسقاط خصومه السياسيين ابتداءً من طارق الهاشمي ورافع العيساوي وتمكنه من تفتيت القائمة العراقية التي حصلت على اعلى نسبة من الاصوات في الانتخابات السابقة برئاسة اياد علاوي  رغم التزوير .
تميزت الفترة الاولى لرئاسة المالكي بتحالف ( قوي مفيد للجانبين ) مع الحزبين الكرديين , وتحالف ( لابد منه بدفع ايراني ) مع الاحزاب الشيعية . اما فترة رئاسته الحالية فقد تميزت بالتفوق الزائف الذي انتابه والذي دفعه الى الاستحواذ على وزارتي الدفاع    والداخلية واعتبار القوى الشيعية ضمن الاتلاف الشيعي تابعين له وليسوا متحالفين معه , اما قادة الكرد فقد شعروا ان المالكي الصامت على مطامعهم غير الدستورية  لم يعد موجوداً كالسابق وان تحالفهم معه قد يتحول الى تبعية , وان حالهم معه قد يصبح كحال العرب السنة . أما العرب السنة فقد شعروا بعد فوات الاوان انهم مهمشون فاعتصموا اعتصاماً سلمياً حوله المالكي الى مواجهة مسلحة .
لقد ادت سياسة المالكي خلال فترة رئاسته للوزارة منذ عام 2006 لحد الآن الى اختلاط الحابل بالنابل , واصبح كل شيء ينحدر نحو الاسوأ الى درجة ان اولاد المسؤولين وابنه منهم صاروا يلعبون بالوزارات وكأنها ( بلاي ستيشن ).
من المهم  ان لا ننسى هنا ان البيئة السياسية في العراق عندما تولى المالكي رئاسة الوزارة عام 2006 كانت مرتبكة وغير مستقرة وبحاجة الى خبير في السياسة ومسالكها لوضعها على الطريق الصحيح , وليس الى خبير في المعارضة المسلحة وزرع العبوات لأنه من الصعب عليه ان يفهم ان المعارضة والاختلاف بين الكتل والاحزاب المتنافسة ضمن العملية السياسية الواحدة , هي عبارة عن سباق للأحراز السبق في خدمة البلد وليس تسقيط الرموز السياسية باساليب غير سياسية .
ماذا سيجد امامه رئيس الوزراء العراقي القادم عندما يتسلم مهام منصبه بعيد الانتخابات القادمة ؟ ماذا سيترك له المالكي ؟
1-    جمهورية رئيسها مريض يتلقى العلاج في الخارج منذ اكثر من سنة , ولا احد يعلم طبيعة المرض الذي ألَم به , ولم تصدر الحكومة تقرير طبي واحد عن حالته الصحية , ولا المكان الذي يتعالج فيه , ولم يعلن اقليم كردستان اي خبر عن الرئيس الكردي , كما شاركت وكالات الانباء العالمية في حملة التعتيم على الرئيس العراقي وهو امر ملفت للنظر , والشعب العراقي لا يعلم منذ اكثر من سنة  ما اذا كان رئيسه حي ام ميت , وهل ان جلال الطالباني لا قيمة له الى هذه الدرجة ؟ ام ان حكومة المالكي لا يهمها اطلاع الشعب على ما حل برئيسه ؟ اختفاء جلال الطالباني صار لغزاً سيكون له تبعات دستورية وقانونية ومالية ؟ اليس العراق دولة لها دستور وعلم وحدود ؟ اليس العراقيون شعب له قيمة لدى كل الدول ومن حقه ان يعلم ما يجري في بلاده ؟
2-    فساد حقيقي مستشري في كل مفاصل الدولة , من رئاسة الجمهورية الى اصغر دائرة , يصاحبه هدر في الاموال بلا اعمار ولا تنمية , يكلف الدولة مبالغ لا يتصورها العقل , تصل الى مليارات الدولارات وترليونات الدنانير .
3-    اكثر دولة في عدد احكام الاعدام في العالم بعد الصين وايران ,أليس غريباً ان النظام الديمقراطي الجديد الذي حل بعد نظام دكتاتوري  دموي , يحمل رقماً قياسياً في احكام الاعدام ؟ والاغرب من ذلك ان كل المحاكمات والادانات تتم بصورة سرية ولا يعلم الشعب شيئاً عنها ولا عن التهم والمحامين ولا حتى اسماء المحكومين , ان كل ما تعلنه الحكومة هو عدد الذين تم تنفيذ حكم الاعدام فيهم .
4-    وزراء واعضاء مجلس نواب ومدراء عامون واساتذة جامعات ومدرسون وموظفون يحملون شهادات علمية مزورة , العجيب في هذا الامر ان معظم هؤلاء المزورين معروفون لدى السلطات الحكومية , لكن المسؤولين لا يحاسبوهم لانهم هم انفسهم مزورين .
5-    جيش مضى على تشكيله اكثر من عشر سنين , بلا تدريب ولا ضبط عسكري , تسليحه ومعداته وتجهيزاته ناقصة ورديئة , يقوده ضباط بعثيون سابقون , ينتمون الى حزب الدعوة حالياً , يحملون اعلى رتب يمكن ان يحملها ضابط , وبامرتهم ضباط بمختلف الرتب لا علاقة لهم بالعسكرية ولا بالجيش سوى الرتب التي يضعونها على اكتافهم . هذا الجيش اثبت فشله في ابسط الواجبات وهي نقاط السيطرة , كما اعطى نسبة عالية جداً تجاه الاعمال الارهابية .
6-    مجلس نواب متشرذم , اعضائه معرضون للاعتقال والخطف من قبل القوات الامنية كما حدث للنائب احمد العلواني , هذا المجلس غير شرعي في نظر المالكي , واعضائه متهمون بعرقلة المشاريع الانمائية والخدمية , ولا يسمح للوزراء بالمثول امامهم للاستجواب .
لا اريد ان استرسل اكثر في رسم اللوحة السياسية التي ستقع عليها انظار رئيس الوزراء العراقي القادم بعد اكثر من عشر سنين على سقوط نظام دكتاتوري دموي وحلول نظام ديمقراطي محله .
كل ما ارغب في تذكير نوري المالكي به هو ان كل ما ورد اعلاه هو شيء من اشياء كثيرة , كلها مخيبة للامال , جرت في عهدك الذي استمر لدورتين , لقد تحمل العراقيون خلال تلك الفترة اموراً لم يحلموا بها , وخسر الشعب العراقي ارواحاً زكية اكثر مما خسر في الحرب مع ايران . من المؤكد انك لست المسؤول الاوحد عما جرى , لكنك حتماً المسؤول الاول بحكم منصبك . (( أنت اردت الاصلاح , لكنك لم تستطع اليه سبيلا…..فاترك الامر لعل غيرك يستطيع ….من اجل العراق لا من اجلك انت ))
بعد ان انهيت كتابة هذا المقال قرأت نبأ وقوع بغداد في آخر القائمة التي تضم 220 مدينة من كل انحاء العالم يصعب العيش فيها .
هذا الذي كان ينقصنا , ان تصبح عاصمتنا أسوأ مدينة في العالم للعيش فيها .
ثقي يا بغداد انا لن ابرحك ولا اغادرك ولا اهجرك ولا اتركك ولا افارقك
سأبقى فوق ارضك وأدفن تحت ترابك ..لا لشيء الا لأانك بغداد…